هل الأميركيون على موعد مع فضيحة عالمية يمكن أن تهز جدران البيت الأبيض؟

شيء ما يتسارع إيقاعه هذه الأيام في واشنطن لا سيما بعد تسريبات «واشنطن بوست»٬ القريبة تقليدًيا من مطبخ السياسة الأميركية٬ تفيد بأن تقيي ًما استخباراتًيا عالي المستوى قد تم تقديمه للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ٬ حول وجود عملاء لموسكو داخل أميركا٬ استطاعوا اختراق الحواسيب الآلية للحزب الديمقراطي٬ وأجبروا رئيسة الحزب لاحقًا على الاستقالة٬ بسبب كشف عدم حياديتها بين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز٬ عطفًا على استيلائهم على آلاف «الإيميلات» من رئيس حملة هيلاري المدعو جون بودستا٬ وتسريب كل ما تحصلوا عليه إلى موسكو٬ التي يبدو أنها مررته لـ«ويكيليكس».

المشهد الأميركي حقًا مضطرب للغاية٬ ويدعونا لطرح تساؤلات جدية كثيرة٬ في مقدمتها: ما الذي تبغيه إدارة أوباما من هذا التصعيد المثير٬ لا سيما بعد أعلن البيت الأبيض عن دعمه إجراء تحقيق في الكونغرس بشكل رسمي حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

هنا قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك من يريد أن يضع العصا في «دواليب ترامب»٬ غير أن هذا السعي ينافي التصريحات التي صدرت عن جوش أرنست المتحدث باسم الرئاسة٬ التي أشار فيها إلى أن التحقيق لا يقصد به أبًدا التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية٬ التي جرت في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي٬ فهل يريد أوباما علي الأقل صدع موثوقية ومصداقية ترامب٬ قبل أن يتسلم السلطة رسمًيا أم الأمر أعمق وأخطر من ذلك بكثير؟!

تبدو وكأن هناك ملامح غير واضحة في المشهد٬ أو يقصد لها أن تكون كذلك٬ وقد يعّول البعض على هذا الغموض من أجل التأثير على المندوبين الذين سوف يقترعون رسمًيا في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي لاختيار الرئيس وربما لتعديل أو تبديل ولاءاتهم.

هل نحن أمام «روسيا ­ غيت» المكافئ الموضوعي لـ«ووتر ­ غيت»٬ في أوائل سبعينات القرن العشرين وزمن ريتشارد نيكسون؟

المؤكد أنه لم يكن لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية لوائح اتهامات محددة لأشخاص بعينهم وجرائم محققة يعاقب عليها القانون٬ فإن الأمر سيختصم من الرصيد الأدبي لأوباما وإدارته٬ وهو ليس بالكثير في كل الأحوال٬ ناهيك بالخسائر التي ستحل كذلك بالديمقراطيين عمو ًما.

يجد ترامب وصحبه أنفسهم حتى الساعة في موقع قوة لا ضعف٬ ومرد ذلك أن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI قد أمضى الصيف الماضي كله في السعي وراء إثبات وجود علاقة ما بين حملة ترامب وروسيا٬ لكنهم في نهاية المطاف لم يجدوا شيئًا٬ ما دعاهم للاستنتاج أن المقصود لم يكن فوز ترامب أو هزيمة كلينتون٬ بل كان التدخل في سياق الحياة السياسية والحزبية الأميركية٬ وبصورة تكاد تكون «انتقا ًما بوتينًيا» من واشنطن٬ وتصفية لحسابات قديمة٬ وثأ ًرا من الدور الأميركي الذي فكك وفخخ الإمبراطورية السوفياتية قبل نحو 25 سنة من الآن.

أحد أهم وأخطر تصريحات «روسيا ­ غيت» إن مضت الأمور على هذا النحو من التصعيد٬ وهو أمر متوقع بقوة٬ هو ذاك الذي صدر على لسان مايكل موريل المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: «إنه هجوم على ديمقراطيتنا٬ وهجوم على هويتنا كشعب.. إن عبث حكومة إحدى الدول الأجنبية بانتخاباتنا يعني في وجهة نظري تهديًدا وجودًيا لمنهج حياتنا. الأمر بالنسبة لي يشبه أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)٬ النظير السياسي لها».

ماذا يجري في واشنطن وهل سيكون ترامب حجر عثرة لا للعالم الخارجي فقط بل للأميركيين أنفسهم٬ وللمؤسسات الاستخباراتية الأميركية العتيدة؟

إن كان ذلك كذلك٬ فنحن إزاء مقدمات فيروس انهيار الإمبراطورية من الداخل وهو فيروس عهدته من قبلها أمم وممالك كثيرة عبر التاريخ٬ ولعل ما يدفعنا إلى ذلك حالة التضاد الواضحة بين تلك الأجهزة الأميركية في وجهات نظرها٬ فتسريبات «واشنطن بوست» تعبر عن رأي الاستخبارات المركزية فقط دون ما نحوه ستة عشر جها ًزا استخباراتًيا أميركًيا آخر٬ أعضاء في المجمع الاستخباري الأوسع للبلاد٬ ومنها وكالة الأمن القومي الـ٬NSA المنوط بها مراقبة السماوات السيبرانية الأميركية بل والعالمية٬ وهي الأقرب في الواقع لكشف أحوال ومآلات رجالات القراصنة الإلكترونيين.

إضافة إلى ذلك فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي لا يتفق في وجهة نظره مع CIA بشأن موسكو٬ والاتهامات الموجهة له في الداخل.

على الجانب الآخر بدأ ترامب بدوره في التشكيك في أحاديث ٬CIA وعاد بالذاكرة قبل أكثر من عقدين داعًيا شعبه لتذكر أن هؤلاء هم الذين ملأوا الدنيا ضجيًجا وصياًحا بشأن أسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين٬ الأمر الذي بلغت تكاليفه المالية إلى اليوم عدة تريليونات من الدولارات٬ أما أدبًيا فقد كان بداية زمن الانحدار الأميركي من «قمة جبل» الأخلاقيات والإنسانيات وحماية وصون الحريات.

هل سنرى عما قليل «إدارة ترامبية» في عداء واضح مع أجهزة الاستخبارات الرئيسية في أميركا؟

ترامب لا يريد أن يتلقى التقرير الاستخباراتي اليومي٬ إلا في حالة الطوارئ٬ ويعهد بالمهمة لنائبه مايك بنس٬ الذي يبدو أنه الرجل القوي بجدارة في تلك الإدارة٬ وعليه٬ قد يخطط ترامب لإعادة هيكلة وترتيب أحوال الأمن والاستخبارات داخل البلاد٬ مدعو ًما بطائفة قوية من الجنرالات ورجالات البنتاغون.. هل هذه إعادة هيكلة أم أنه انقسام؟

حكًما أميركا تواجه «إرث أوباما».. إرثا من الرماد.

 

أميل أمين