ورقة ترشيح الوزير السابق يعقوب الصرّاف لوزارة الدفاع والتي شكّلت نقطةَ خلاف إضافية أثقلت مهمّة تشكيل الحكومة، لم تبرز خلال هذا الأسبوع فقط.المعلومات تتحدّث عن أنّ نيّة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ترشيحَ الصرّاف وصلت إلى الرئيس المكلف سعد الحريري قبل نحو أسبوعين، وردّ الأخير عليها متمنّياً العدولَ عنها، لأنّ «بيت الوسط» لا يستطيع تجاوزَ الرمزية السياسية التي يتضمّنها اسمُه. كما جاء ترشيح سليم جريصاتي لوزارةِ العدل بمثابة خرقٍ ثانٍ لـ«الخطوط الحمر» الحريرية، نظراً الى مواقفه من المحكمة الدولية.
لقد فهمَ الحريري بدايةً من مشاوراته حول نيّة ترشيح الصرّاف، انّ عون يطرَحه كخيار بين مجموعات أسماء، وليس اسماً نهائياً. وساد داخل اوساط «المستقبل»، بحسب مصادر الحريري، تكهّن بأنّ بعبدا تَرفع سقفَها بتسمية الصرّاف لجعلِ «بيت الوسط» يتخلّى عن المطالبة بتمثيل «المستقبل» بوزير مسيحي ثانٍ في الحكومة العتيدة إضافةً الى غطاس خوري، وهو مطلب يَرفضه عون، وليس لـ«القوات اللبنانية» تحفّظاً عنه.
كان يمكِن هذه القطَب المخفية الخلافية بين عون والحريري المعتبَرين، بحسب الدستور، صاحبَي الاختصاص في إتمام عملية التشكيل، ان تبقى تتفاعل في الظل، سعياً لحلّها بينهما بعيداً من الإعلام وفي منأى عن فتحِها للاستثمار السياسي فيها، ولكن ما طرأ في شأن الحاجة الى توسيع الحكومة من 24 وزيراً الى 30، أعاد خَلط الاوراق، لتعودَ مهمّة التشكيل الى مربّعها الأول الخاص بالبحث عن معايير جديدة لعدالة توازنات تمثّل الاحزاب على اساس توزيعة الثلاثين وزيراً وليس توزيعة الأربعة والعشرين.
كان الحريري يأمل الاستجابة لمطلبِ توسيع تركيبة الحكومة لتمثّلَ كلّ الطيف السياسي اللبناني، بأسلوب يبُقي إنجاز حكومة الـ 24 وزيراً على حالها، وتتمّ إدارة مفاوضات حول الوزراء الستّة الجُدد، وهو ما اصطلِح على تسميته «حكومة 24 زائداً 6».
لكنّ عون يريد عملية تشكيلِِ جديدة لحكومة ثلاثينية جديدة، ما يتعيّن على الحريري البدء من نقطة جديدة في التأليف، أقلّه تثبيت ما اتّفِق عليه حتى الآن في حكومة الـ 24، وليس اعتباره أمراً محسوماً في حكومة الثلاثين، ومن ثمّ الانطلاق الى البحث في توسيع توازنات الحكومة، وليس إضافة مقاعد إليها ليكتمل عددها الى 30 وزيراً، بمعنى آخر بدء عملية تشكيل للحكومة تعطي أقوى الإشارات عن صِلتها بالبحث المبكِر في قانون انتخاب يعتمد النظام النسبي ويعيد إنتاجَ سلطة تتّسع لأوسع طيفٍ تمثيلي ممكن.
لم يعُد خافياً، انّ طرح بعضِ الاطراف السياسية، خصوصاً «حزب الله»، تشكيلةَ الثلاثين وزيراً، لا يهدف فقط الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، بل حكومة تجسّد توزيعتُها معاييرَ محتملاً ان تسفر عنها نتائج الانتخابات النيابية، بحيث يفتح قانونُ الانتخاب النسبي المجالَ على الساحة المسيحية لأن تتوزّع كعكة الحصص النيابية المسيحية بين معظم طيفِ احزابِها وليس فقط بين «القوات» و»التيار الوطني الحر»، وعلى الساحة السنّية بين تيار «المستقبل» ومعارضيه.
والمنادون بقانون انتخابي مختلط، يتوقّفون عند الهدف الذي تريده الثنائية الشيعية من إصرارها على المطالبة بقانون نسبي كلّي، وأحياناً تستخدم عبارة «مطلق».
وفي رأيهم أنّه إذا كان الظنّ بأنّ اعتماد قانون نسبي سيؤثّر بمقدار كبير على نتائج الانتخابات على الساحة المسيحية، فهذا التقدير خاطئ، لأنه سيُسفر عن رسم خريطة تمثيلٍ نيابي مسيحي بغالبية «قواتيّة» ـ «عونيّة»، مطعّمة ببعض المستقلين والأحزاب الاخرى. وهو أمرٌ يَخدم الثنائية المسيحية، لأنه سيَنزع عنها تهمةَ الإلغائية وإلغاء التنوّع المسيحي.
وتكشف المصادر عينُها ضمن هذا السياق، أنّ بعبدا عازمة فعلاً على السير في إنجاز قانون انتخابي نسبي، وداخل اوساطها، يوجد تقدير يفيد أنّ موعد إجراء الانتخابات النيابية المحتمل سيكون شهر أيلول 2017، وسيتّجه البلد حتى ذلك التاريخ، بفِعل ضغطَي الوقت والسياسة، الى إنتاج قانون «أمر واقع» إمّا على اساس «الستّين»، أو على اساس النسبية، ولن يكون هناك متّسَع لاعتماد قانون مختلط، لأنه في الجوهر لا يؤمّن ضمانات لهواجس الخائفين من النسبية، في حين أنه يمكِن تأمينُها من خلال التفاهم على تحالفات سياسية في ظلّ انتخابات على أساس النسبية.
فمِن وجهة نظر رئيس مجلس النواب نبيه بري فإنّ نتائج الانتخابات البلدية وجّهت رسالة قوية لكلّ الاحزاب السياسية اللبنانية بأنّ مصلحتها وليس فقط مصلحة البلد باعتماد قانون نسبي، ويضرب بري مثلاً على ذلك انتخابات بيروت التي يقول عنها إنه «لو لم يتمّ الاستنجاد بأصوات الأحباش لكُنّا سقَطنا جميعاً (لائحة «المستقبل» ـ «أمل» الخ..)».
ويلاحظ بري انّ هناك صعوداً لقوى اجتماعية جديدة خصوصاً في المدن، والأجدر بالأحزاب ان تبادر الى إعطاء هذه القوى شيئاً من حصتِها عبر اعتماد النسبية بغيةَ احتوائها، وذلك قبل ان تضطرّ الاحزاب في وقتٍ قد لا يكون بعيداً الى ان تطلبَ من هذه القوى الصاعدة، إعطاءَها شيئاً من حصتِها!
«القوات اللبنانية»، رغم أنّها تسير في «المختلط»، إلّا أنّها حازمة في أمرَين، أوّلهما، عدم العودة الى قانون الستين، وثانيهما، أنه إذا تعذّر السير في «المختلط» وهذا ما تعتقده في سرّها، فلن تمانعَ بالسير مع العهد بقانون النسبية.
ويَعتقد مطّلعون انّ النسبية تناسب «القوات» من وجهة نظر استراتيجية، لأنها تَمنحها حصانةً لكي تحافظ على تمثيلها، سواء مع عون في هذه المرحلة، أو حتى بمفردها في حال طرأت ظروف لاحقاً تَطلّبت أن تخوض الانتخابات النيابية وحيدةً أو مع كتَل أخرى.