كشف تهديد أنصار رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي لأتباع رجل الدين مقتدى الصدر، مجدّدا على حجم العداء المستحكم بين أجنحة ومكونات البيت السياسي الشيعي في العراق، والاستعداد الدائم لاستخدام العنف لتحصين مكاسب مادية وسياسية ولتحصيل المزيد منها.
ومع اقتراب نهاية مدّة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي على رأس الحكومة العراقية، يرى مراقبون وجود مخاطر حقيقية للصدام بين أطراف شيعية تمتلك السلطة والمال والسلاح، ولن تتردّد في الزجّ بمختلف قدراتها في معركة الفوز بمراتب قيادية في الدولة.
ومن شأن ذلك أن يمثّل عائقا أمام إعادة ترتيب شؤون الدولة العراقية واستعادة قدر من استقرارها في مرحلة ما بعد تنظيم داعش.
وفي شهر مايو الماضي عندما وصلت الاحتجاجات الشعبية على الفساد الحكومي وتردي الأوضاع المعيشية إلى ذروتها مع اقتحام محتجّين مؤطرين من قبل الصدر للمنطقة الخضراء عالية التحصين وهجومهم على مبنى البرلمان، كانت أصابع الميليشيات التابعة لفرقاء عراقيين شيعة على الزناد استعدادا للدفاع عن الشخصيات والأحزاب المستهدفة بتلك الاحتجاجات.
ولعب الانشغال بالحملات العسكرية على تنظيم داعش في محافظة الأنبار آنذاك دورا في نزع فتيل حرب شيعية شيعية في شوارع بغداد وغيرها من المدن الكبرى، لكن مشارفة الحرب على التنظيم المتشدّد خلال الفترة الحالية تثير هواجس العراقيين بشأن مرحلة ما بعد التنظيم، حين يتفرّغ الفرقاء الشيعة لتقاسم “جائزة” النصر في تلك الحرب.
وبدأت ملامح التنافس الحاد على قيادة المرحلة الجديدة في العراق تظهر بوضوح في الخطاب السياسي والإعلامي لهؤلاء الفرقاء.
موعد الانتخابات التشريعية المنتظر أن تجري في 2018، هما كل من مقتدى الصدر ونوري المالكي ومن يقف وراء كل منهما من شخصيات دينية وسياسية وفصائل مسلّحة.
وفيما يبدي المالكي طموحا لا متناهيا للعودة إلى منصب رئيس الوزراء الذي سبق أن شغله لفترتين متتاليتين بين 2006 و2014، يبدو الصدر على رأس المعترضين على ذلك بل العاملين على عرقلته، مبديا قدرة فائقة على تجنيد الشارع في وجه خصمه مستغلا نقمة غالبية العراقيين عليه نظرا إلى النتائج الكارثية التي خلّفتها تجربته في قيادة البلاد، وليس أقلّها سيطرة تنظيم داعش على ما يتجاوز ثلث مساحتها، فضلا عن تراجع الدولة على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
وبعد جولة قام بها المالكي الأسبوع الماضي في عدد من محافظات جنوب العراق، وجوبه خلالها بموجة من الغضب الشعبي، لم يتردّد أنصار زعيم حزب الدعوة وقائد كتلة دولة القانون بمجلس النواب، في توجيه أصابع الاتهام إلى أتباع الصدر بالوقوف وراء الإهانات التي لحقت بـ”زعيمهم” في كلّ من ميسان وذي قار والبصرة.
أتباع مقتدى الصدر ومنعهم من “إثارة المزيد من الشغب” في وجه نوري المالكي.
وتوعّد حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه المالكي كل من يتظاهر ضدّ الأخير بـ”صولة فرسان” جديدة، في إشارة إلى العملية العسكرية التي كانت حكومة المالكي قد شنّتها في 2008 ضد جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في وسط وجنوب العراق.
وانضمّ أحد أشرس قادة الميليشيات الشيعية في العراق، واثق البطّاط زعيم حزب الله فرع العراق لتهديد معارضي المالكي في محافظة البصرة بعملية عسكرية، واصفا رئيس الوزراء السابق بــ”الرمز الوطني”.
وقال في مقطع فيديو تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي “نرفض الإساءة إلى أي شخص من رموزنا، ولن نسمح بتكرار ذلك، لأن ما حدث بلطجة وخروج على القانون”.ويحمل تهديد أتباع الصدر بـ”صولة فرسان” جديدة إشارة واضحة إلى الاستقواء بالميليشيات لأنّ العملية المشار إليها تمت سابقا على يد القوات المسلّحة العراقية وتحت غطاء الدولة التي كان المالكي يقودها من موقعه كرئيس للوزراء، لكنّه لا يملك في الفترة الراهنة حق استخدام القوّة ضدّ أي طرف إلاّ على سبيل ما هو شائع في العراق حاليا من استخدام للميليشيات خارج نطاق القانون.
ولا يمتلك المالكي ميليشيا خاصّة به بشكل معلن، لكنّه في تحالف عضوي مع أقوى الميليشيات في العراق وعلى رأسها ميليشيا بدر بقيادة هادي العامري، وميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة المنشقّ عن التيار الصدري قيس الخزعلي.
وفي المقابل لا يفتقر مقتدى الصدر للقوة الكفيلة بمواجهة المالكي حين تقتضي الضرورة، إذ يمتلك ذراعا عسكرية قوية تتمثّل في ميليشيا سرايا السلام إحدى أكثر الميليشيات العراقية عددا وأكثرها عقائدية وولاء لزعيمها.
ومن هذه الزاوية يتخوّف عراقيون من أنّ أي نزاع مستقبلي مسلّح على السلطة بين فرقاء البيت الشيعي سيدخل البلد في حلقة جديدة لا تقل دموية عن مرحلة داعش التي يعاني منها البلد راهنا.
العرب