بات واضحاً أن جميع القوى السياسية المعنية بتأليف الحكومة تُشيع أجواءً إيجابية عن قرب إبصار الحكومة النور. لكن الأمر المؤكّد أن المفاوضات لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت. مشروع التشكيلة الثلاثينية لا يزال متعثراً، وخاصة أن العُقَد الموجودة في صيغة الـ24 وزيراً، لا تزال كما هي، وأضيفت إليها «هواجس» الرئيس سعد الحريري من إمكان حصول خصومه على «ثلث معطِّل» مموَّه إذا صار عدد الوزراء 30.
لكن ثمة أزمة حقيقية لا يعبّر عنها المعنيون بتأليف الحكومة، هي الأزمة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والرئيس سعد الحريري، عنوانها مقعد الوزير ميشال فرعون وتوزيع المقاعد المسيحية. فالتيار يرى أنه «في حال توزير فرعون، سيكون عملياً للقوات 4 حقائب، في مقابل ثلاثة للتيار فقط، فيما الاتفاق يقضي بالتساوي». وفي التشكيلة التي يروّجها التيار لحكومة من 24 وزيراً، لا مكان لفرعون، إلا من بين الوزراء الثلاثة الممنوحين للقوات (3 مقاعد للتيار، 3 للقوات، مقعدان لرئيس الجمهورية، ومقعد لكل من الحريري والمردة والطاشناق والكتائب).
القوات ترفض هذا الأمر، بعدما تراجعت عن الحقيبة السيادية، ثم عن «الأشغال». وهذه المعضلة لا يحلها رفع عدد الوزراء إلى 30، إذ ستُضاف 3 مقاعد مسيحية: واحد للحزب السوري القومي الاجتماعي، وثانٍ لرئيس الحكومة، وثالث لرئيس الجمهورية. وهنا الأزمة الثانية. الحريري يُطالب بأن يكون المقعد الثاني الممنوح له أرمنياً، وهو ما يرفضه رئيس الجمهورية. مصادر في تيار المستقبل تؤكّد أن «الاتفاق بين عون الحريري يقضي بحصول الأخير على مقعدين مسيحيين، إن كانت الحكومة من 24 وزيراً! واحد مقابل المقعد السني من حصة رئيس الجمهورية، ومقعد عن النواب المسيحيين الـ 12 في كتلته». ولفتت مصادر متابعة لمشاورات التأليف إلى أن الحريري يعيش حالياً تحت ضغط مزدوج، نتيجة رغبته في تأليف الحكومة قريباً، وبسبب أزمته المالية الخانقة في السعودية، والتي ظهرت مجدداً على شكل دعوى قضائية مرفوعة ضده شخصياً، بعدما عجزت شركة «سعودي أوجيه» عن سداد جزء من ديونها لإحدى الشركات الدائنة (التفاصيل صفحة 2). وجرى التداول باقتراح أن يكون فرعون من حصة الحريري، وبذلك تُحلّ أزمتا ضم وزير السياحة إلى كتلة القوات وحصول المستقبل على مقعد أرمني. لكن هذه «التخريجة» جرى التعامل معها بصفتها «تذاكياً غير مقبول من أحد».
العقدة الثانية متصلة «بحقيبة برّي الخامسة». مصادر تيار المستقبل تشير إلى «تعارض بين برّي والحريري بشأن اعتبار رئاسة الحكومة مقعداً وزارياً». وكان الرئيسان قد تباحثا في هذا الأمر، فطالب رئيس المجلس بالحصول على 5 حقائب في حكومة من 30 وزيراً، لافتاً إلى أن الوزراء السنّة سيحظون بخمس حقائب أيضاً. وعندما قال له الحريري إن السنّة سيحصلون على 4 حقائب، ردّ بري بالقول إن رئاسة الحكومة تعادل كل الحقائب مجتمعة، داعياً إلى إجراء «الحسبة بالمقلوب»: «سيكون للسنّة وزير دولة واحد، فيما سيحصل الشيعة على وزيرَي دولة».
من جهتها، تنفي عين التينة، خلافاً لكل ما يُقال، أن تكون المشكلة من جهتها: «الأمور عندنا واضحة، ولا لبس فيها. المشكلة هي في مكان آخر، وليبحثوا عن الحلّ الذي هو في يدهم». في دردشة مع الصحافيين يُعيد الرئيس برّي ما بات معروفاً، ويقول: «أنا والرئيسان ميشال عون وسعد الحريري كنّا قد اتفقنا على حكومة ثلاثينية. هم تراجعوا تحت عنوان أن الحكومة هي حكومة انتقالية». وأضاف: «الحكومة الآن هي من 30 وزيراً، ومن المعروف أنه في هذه الحكومة هناك ستّة وزراء دولة، ولكل طائفة وزير منهم».
وسأل برّي: «لماذا يريدون التكرّم علينا، بإعطائنا وزيرَي دولة؟ هم يحاولون من خلال ذلك، عن قصد أو غير قصد، إعادتنا إلى أيام الحلّ الذي كان يجري في عهد البكاوات. هذا الأمر لا مزاح فيه معنا». وأضاف: «دلّوني على أي فريق أو طائفة يحصلان على وزيري دولة، وأنا مستعدّ لأن أسير بهذا الطرح. حتّى أنني إذا لاحظت أن هناك فريقاً لم تسند إليه حقيبة دولة، فأنا لن أقبل بذلك». وأمام زواره قال برّي: «إذا اعتقدوا أننا بتساهلنا في التشكيل، سوف يمونون علينا ويرمون علينا وزارات الدولة، فقد أخطأوا العنوان. نحن طالبنا بخمس حقائب في حكومة الـ 24 وزيراً، فكيف يعطوننا 4 حقائب في حكومة الـ 30؟». وأكد برّي أن «المشكلة ليست عندنا. لقد سهّلنا إلى أبعد الحدود. وأقول لمن يشكّك ويروّج: أنا علاقتي بالرئيس عون ممتازة، ولا تشوبها شائبة، وكذلك مع الرئيس الحريري. أنا أعرف أين هي المشكلة، فلا يستفزّوني ويدفعوني إلى أن أعلنها صراحة». وعن قانون الانتخابات، كشفت مصادر عين التينة أن «ما توصّلت إليه اللجنة المكلفة بحث القانون ليس مشجعاً»، فيما أشار برّي إلى أن «الكلام عن النسبية صار يُعامَل كجريمة». وأضاف: «لو أردت أن أضغط عليهم، فهذا الشارع حاضر، وكثير من الجمعيات الأهلية وحركات المجتمع المدني تزورني، وأنا أقوم بتهدئة الخواطر، والحؤول دون تحركات في الشارع، علّنا نصل إلى حلّ في القانون». وعندما سُئل برّي لماذا لا يعرض القوانين على الهيئة العامة لمجلس النواب، قال: «أخشى أن أثبت القانون الحالي بدلاً من إلغائه، لأن الأكثرية ضمناً تفضّل بقاء الستين».
من جهتها، أشارت مصادر معراب إلى أن «القصّة تتعقد»، مؤكّدة أنها «ليست ضد حكومة ثلاثينة، لكننا نعارضها تقنياً لسببين: الأول أنها ستنسف هندسة حكومة الـ 24 وزيراً، والثاني أنها ستعيد المشاورات إلى النقطة الصفر، ما يعني أن كل الجهد الذي قام به الحريري قد ذهب سدى». واستغربت المصادر إصرار برّي على تمثيل كل قوى فريق الثامن من آذار»، مشيرة إلى أن ذلك «يمكن أن يدفعنا إلى المطالبة بتمثيل الشيعة والسنّة المستقلين، كالوزير أشرف ريفي مثلاً، ومحمد بيضون وإبراهيم شمس الدين». ولفتت إلى «أننا لن نسمح بأن يسحبوا منا أي حقيبة من تلك التي اتفقنا حولها».
وبرز أمس حديث عن إمكان قبول النائب وليد جنبلاط بالحصول على حقيبة التربية بدلاً من وزارة العدل، ما يحل إحدى العقد التي نشأت بعد مطالبة رئيس الجمهورية بأن تكون حقيبة «العدل» من حصته، ويُرجّح أن يسندها عون إلى الوزير السابق سليم جريصاتي.