على الرغم من أثمان الدم التي دفعها أبناء حلب من الكبار والصغار والنساء من جراء القصف الروسي - الأسدي - الإيراني على الأحياء الشرقية من المدينة التي باتت ركاماً، وعلى الرغم من الاتفاق الروسي - التركي لإجلاء المحاصرين في تلك الأحياء بلا ماء ولا كهرباء وبهواء تلوّثه روائح الجثث المنتشرة في الأزقة والطرقات، إلا أن مقاتلي إيران وميليشياتها لا يزالون مصرّين على استنزاف من بقي حياً في تلك الناحية من حلب حتى آخر نقطة دم، مانعين الخروج الآمن إلى مناطق المعارضة حسب الاتفاق الذي تم أخيراً بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان.

ومع استمرار القصف العنيف ضد أحياء حلب المنكوبة، حمّل الرئيس الأميركي باراك أوباما كلاً من بشار الأسد وروسيا وإيران المسؤولية عن الهجوم الوحشي على المدينة المدمرة وما حصل فيها من الفظائع، مطالباً بمراقبين محايدين للإشراف على إجلاء المدنيين حسب اتفاق وقف النار أخيراً بين الطرفين التركي والروسي.

ففي حلب قامت الميليشيات الإيرانية بقتل 5 مدنيين واعتقال 15 شخصاً بعد إيقاف القافلة التي كانت متجهة إلى ريف حلب الغربي ضمن عملية إجلاء 

المدنيين من أحياء حلب الشرقية.

وكانت القافلة التي تضم 20 سيارة متجهة الساعة 12 ظهراً إلى الريف الغربي من حلب ضمن عملية إجلاء المدنيين، لتقوم ميليشيات إيران بإطلاق الرصاص عليهم وإنزال جميع الرجال والأطفال والنساء والبالغ عددهم 800 مدني وسرقة أموالهم وممتلكاتهم وتصفية 5 أشخاص منهم واعتقال 15 مدنياً قبل أن تسمح للرهائن بالعودة إلى الأحياء الشرقية.

وأشار أحد الأشخاص العائدين مع القافلة إلى أنهم خرجوا برفقة الهلال الأحمر السوري ليفاجأوا بوجود حاجز تابع لـ»حزب الله» قام بإيقاف القافلة بالقوة وإطلاق النار بالهواء ومن ثم قام عناصره بإنزال جميع الركاب من الرجال والشباب وسرقة كل ما يحملون من سلاح ومال وهواتف، كما قاموا أيضاً بتعرية بعضهم بشكل شبه كامل.

واعترف حسين مرتضى مراسل قناة المنار التابعة للحزب بأن الميليشيات الشيعية هي من عطلت عملية إجلاء الجرحى من مدينة حلب وذلك للضغط على جبهة فتح الشام لإخراج الجرحى من كفريا والفوعة.

واتهمت الأمم المتحدة رسمياً «حزب الله« بعرقلة تنفيذ اتفاق إخلاء المحاصرين من شرقي مدينة حلب بعد احتجازه هو وميليشيات أخرى قافلة للمدنيين وقتل بعض من كانوا فيها، بينما رهن النظام السوري استئناف الإجلاء باستجابة المعارضة المسلحة لشروط بينها إخراج جرحى من بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين في ريف إدلب، وتسليم أسرى وجثث.

وقال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين إن حزب الله منع مئات المدنيين من مغادرة شرقي المدينة إلى ريفها الغربي عبر معبر الراموسة جنوب غربي حلب.

وأكد مراسل الجزيرة أن القافلة التي تم احتجازها ثم إجبارها على العودة إلى الأحياء المحاصرة، كانت تضم أكثر من 14 حافلة تقل نحو 700 شخص، مؤكداً أن عناصر الميليشيات احتجزوا القافلة ثم أطلقوا النار على الحافلة الأولى، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن خمسة مدنيين وإصابة آخرين.

وذكرت مصادر إعلامية سورية أن الجنرال جواد غفاري الذي يقود الحرس الثوري و16 ميليشيات شيعية تابعة له، يريد إبادة من بقي من المحاصرين في شرق حلب، وهو من يعرقل استكمال عمليات الإجلاء لما بقي من مدنيين ومقاتلين.

وذكرت المصادر أن غفاري، عارض الروس منذ البداية في خروج المدنيين ومقاتلي المعارضة من داخل الأحياء المحاصرة، وقام بإفشال الاتفاق الروسي - التركي، حيث قامت وسائل إعلام إيرانية بالتزامن مع هذا الحدث بمهاجمة روسيا، وبدأت تتحدث عن تضارب المصالح بين الجانبين في سوريا.

وقبل تعطل إجلاء المحاصرين خرج عدد قليل من المدنيين بسياراتهم الخفيفة إلى ريف حلب الغربي، وبلغ مجموع من خرجوا خلال 24 ساعة نحو 8500 شخص بينهم جرحى نقلوا إلى مستشفيات في هطاي جنوبي تركيا.

وقال مراسل الجزيرة إنه لا يزال هناك 800 جريح في الأحياء المحاصرة، بينما يبلغ العدد الإجمالي للمدنيين الذين ينتظرون الإجلاء نحو أربعين ألفاً. ويناقض بقاء أعداد كبيرة من المدنيين شرقي حلب بيانات روسية عن انتهاء عمليات الإجلاء، وعن «استسلام» بضعة آلاف من المقاتلين.

وقالت متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إن إجلاء المصابين والمدنيين من جيوب في شرق حلب توقف، وتم إبلاغ منظمات الإغاثة بضرورة مغادرة المنطقة من دون تقديم تفسير، مضيفة أن الرسالة بوقف العملية جاءت من الروس الذين يراقبون المنطقة.

وأفاد ناشطون أن الميليشيات الإيرانية بدأت عملية اقتحام حي السكري في مدينة حلب بعد ساعات قليلة من احتجازها حافلة كاملة تقل 800 مدني أثناء عملية إجلاء الجرحى وعائلاتهم عبر طريق الراموسة إلى الريف الغربي.

وتخوف ناشطون من ارتكاب ميليشيات إيران مجزرة بحق عشرات آلاف المدنيين الموجودين في نطاق لا يتجاوز 4 كيلومترات مربعة، حيث لم يخرج أمس غير 6 آلاف شخص بينهم جرحى وأطفال ونساء، وكان من المقرر استكمال خروج جميع المدنيين والثوار خلال أيام.

وجاءت التطورات في حلب لتُظهر ما بدا أنه سعيٌ من حزب الله والميليشيات الأخرى الموالية للنظام السوري -ومن أهمها حركة النجباء العراقية- لفرض شروط جديدة.

وتشمل هذه الشروط إخراج مئات - بينهم جرحى- من بلدتي الفوعة وكفريا، وتسليم المعارضة أسرى وجثثاً لمقاتلين من تلك الميليشيات قتلوا في معارك حلب. وقال مصدر رسمي سوري إن عمليات الإجلاء ستستأنف بالتزامن مع خروج الجرحى من الفوعة وكفريا على متن حافلات تم إرسالها إلى البلدتين اللتين تحاصرهما المعارضة المسلحة.

وأفاد مصدر في جبهة فتح الشام بأن الجبهة رفضت عرضاً من الإيرانيين عبر وسطاء بإخراج الجرحى من بلدتي كفريا والفوعة، وأكد أن غالبية مقاتليها ما زالوا داخل الأحياء المحاصرة في حلب.

وكان النظام السوري اتهم المعارضة بخرق الاتفاق - الذي تم التفاوض عليه بين المعارضة وروسيا بوساطة تركية - عبر محاولة اصطحاب أسرى وأسلحة متوسطة. وفي المقابل قالت حركة أحرار الشام إن روسيا عاجزة عن ضبط الميليشيات الإيرانية المعرقلة لخروج المحاصرين من شرقي حلب.

وأعلن قائد إدارة العمليات لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الفريق سيرغي رودسكوي انتهاء عملية إخلاء حلب من المسلحين بإجلاء 4500 مسلح، وفصل المعارضة المعتدلة عن المعارضة «المتطرفة». وتحدث عن استسلام طوعي لنحو 3500 مسلح مما وصفها بالمعارضة المعتدلة، وقال إنهم توقفوا عن المقاومة وألقوا أسلحتهم، وإن عفواً تم عن 3055 منهم. 

وأضاف القائد العسكري الروسي أن إخراج المقاتلين من حلب والانتهاء مما وصفها بعملية تحرير المدينة، جعلا الظروف مهيأة للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع في سوريا.

وعلق جيش الأسد عملية إجلاء المدنيين ومسلحي المعارضة من شرق مدينة حلب التي دمرتها المعارك معلناً أن السبب هو حسب قوله «عدم احترام المسلحين لشروط» الاتفاق الهادف الى إخراج آلاف السكان العالقين في ظروف مأسوية. وقال مصدر عسكري إن العملية «لم تنتهِ، بل علقت (...) المسلحون خرقوا مضمون الاتفاق».

وعزا المصدر تعليق العملية الى «إطلاق نار، ومحاولة أخذ مخطوفين (معهم من حلب الشرقية) ومحاولة تهريب أسلحة متوسطة في حقائب».

وقال مبعوث الامم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا إنه لا يزال نحو 40 ألف مدني عالقين في حلب وما بين 1500 الى 5000 مقاتل مع عائلاتهم.

وفي خان العسل الواقعة في ريف حلب الغربي والتي وصل اليها عدد ممن تم إجلاؤهم قال محمد الأستاذ الجامعي «كان الأمر كارثياً. أديت الصلاة للمرة الأخيرة في حلب وبكيت. أجهل ماذا سأفعل». وقال أبو أحمد صلاح الذي لا يزال يرتدي بزته العسكرية «لقد غادرنا أرضنا. الجميع تركونا نسقط».

وأكد أحمد الدبيس الذي يقود وحدة أطباء ومتطوعين ينسقون إجلاء الجرحى إن 250 جريحاً على الأقل أخرجوا من المدينة وإن بعضهم نقل الى تركيا، وبين هؤلاء عجوز أصيب في ساقه ونجلاه اللذان خسر أحدهما ساقه والآخر إحدى عينيه. وقد نقلوا جميعاً الى مستشفى في باب الهوا على بعد أربعة كلم من الحدود التركية.

وقال عجوز آخر طالب بأن يعالج في تركيا «ما حصل لنا سببه برميل متفجر لبشار» الأسد.

وفي السياسة قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «نجري مفاوضات مع ممثلي المعارضة المسلحة، خصوصاً بفضل وساطة تركيا»، معلناً أن «المرحلة المقبلة» لسوريا ستكون «وقفاً لإطلاق النار على كل الأراضي السورية».

وأضاف «اتفقنا في اتصال هاتفي مع اردوغان أن نقترح على مختلف أطراف النزاع مكاناً جديداً لمحادثات سلام، قد يكون عاصمة كازاخستان استانا.. إذا حدث ذلك فإنه لن ينافس محادثات جنيف لكنه سيكون مكملاً لها. من وجهة نظري أياً كان المكان الذي تجتمع فيه الأطراف المتصارعة فإن التصرف الصحيح هو محاولة التوصل إلى حل سياسي«.

وأضاف بوتين أن إجلاء مقاتلي المعارضة وأسرهم من حلب جرى بالاتفاق بينه وبين اردوغان أيضاً وعبّر عن أمله أن يتمكن الجيش السوري الآن من تعزيز موقفه هناك وأن تعود الحياة إلى طبيعتها بالنسبة للمدنيين.

وهون بوتين من شأن فقد الحكومة السورية لمدينة تدمر التي استولى عليها تنظيم داعش وأنحى باللائمة في ذلك على ضعف التنسيق بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والسلطات السورية وروسيا في حدوث هذه الانتكاسة. وقال بوتين «كل ما يحدث في تدمر هو نتيجة التحرك بدون تنسيق. قلت مرات عديدة إن علينا أن نوحد الجهود من أجل الكفاءة في المعركة ضد الإرهاب». وأضاف «مسألة تدمر رمزية بحتة. حلب أكثر أهمية بكثير من وجهة النظر العسكرية والسياسية«.

وجدد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا وقال إنه لا يوجد خلاف بين تركيا وروسيا وإيران بشأن الحاجة إلى هدنة.

وقال تشاووش أوغلو في مؤتمر صحافي بأنقرة إن الرئيس الروسي أبلغ نظيره التركي أن أي محادثات جديدة متعلقة بسوريا من المقرر إجراؤها في كازاخستان ستكون مكملة لجهود إحلال السلام المتقطعة في جنيف. وأضاف تشاووش أوغلو أن تركيا لن تتحدث بشكل مباشر مع ممثلين للحكومة السورية.

وفي الولايات المتحدة دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما الى نشر «مراقبين محايدين» في حلب متهماً النظام السوري وحلفاءه بشن «هجوم وحشي» على المدينة حيث تم تعليق عملية إجلاء المدنيين ومقاتلي المعارضة.

وقال أوباما في مؤتمره الصحافي بمناسبة نهاية العام إن «العالم موحد ضد الهجوم الوحشي الذي شنه النظام السوري وحليفاه الروسي والإيراني على مدينة حلب»، معتبراً أن «أيديهم ملطخة بهذه الدماء وهذه الفظائع». وأضاف أوباما الذي تنتهي ولايته في 20 كانون الثاني «تحولت أحياء بكاملها الى ركام. لا نزال نتلقى إشارات عن إعدام مدنيين. القانون الدولي يتعرض لكل أنواع الانتهاكات. إن مسؤولية هذه الأعمال الوحشية تقع على طرف واحد: نظام الأسد وحليفتاه روسيا وإيران».

واعتبر أن الرئيس «الأسد لا يمكنه أن يكسب شرعيته على وقع المجازر»، داعياً الى نشر «مراقبين محايدين» في حلب للإشراف على جهود إجلاء المدنيين الذين لا يزالون محاصرين.

وقال أوباما انه كان من المستحيل التدخل في سوريا «بثمن بخس» ولا يمكننا أن نزعم أننا نجحنا هناك. وهو دافع عن النهج الأميركي تجاه الحرب الأهلية في سوريا قائلا إنه لمس الرغبة في التحرك لإنهاء الصراع لكن كان من المستحيل التدخل «بكلفة بسيطة» من دون تدخل عسكري أميركي كامل.

وقدمت فرنسا مشروع قرار في هذا المعنى الى مجلس الأمن الدولي الذي عقد اجتماعاً لبحث مشروع قرار فرنسي حول نشر مراقبين دوليين يشرفون على عمليات الإجلاء من حلب وإيصال المساعدة الإنسانية.

وأعلن السفير الفرنسي فرنسوا دولاتر أن بلاده تأمل بـ«تفاهم يشمل روسيا» حول مشروع قرارها في شأن حلب فيما قالت السفيرة الأميركية سامنتا باور إن مجلس الأمن قد يصوت على المشروع نهاية الأسبوع، معلنة أن هناك المئات من الرجال والأطفال اختفوا بعد مغادرة حلب.

الى ذلك، شهد قسم شرطة في دمشق انفجاراً نتج من تفجير حزام ناسف من بعد كانت ترتديه طفلة ما أدى الى إصابة ثلاثة شرطيين، وفق ما ذكرت صحيفة الوطن السورية القريبة من النظام.