بـ"خط إيران الاحمر" وصف المرشد الإيراني علي خامنئي عدم الرضوخ للضغوط السياسية وعدم القبول بأي خفض للنفط في فيينا، جاء هذا التصريح قبيل الاتصالات التي اجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الايراني حسن روحاني حول ذلك، فكانت النتيجة الاتفاق على خفض انتاج النفط بعد ممارسة ضغوط روسية كبيرة على ايران حيث قام الرئيس الروسي بدور حاسم في مساعدة المملكة العربية السعودية وخصمها ايران على تنحية خلافاتهما وابرام اتفاق لخفض الانتاج بين منظمة البلدان المصدرة للنفط "اوبك" وروسيا غير العضو في المنظمة.
أهمية هذا الاتفاق في لحظة خلاف حاد بين محورين يتقدمهما اللاعبين الايراني والسعودي، تؤشر الى قوة تأثير ما يمسى بـ"التقاطع الروسي-السعودي" الذي حمل عنوان "النفط" والذي كان له انعكاسا سلبيا في السنوات السابقة على الوضع الاقتصادي لكلا البلدين لاسيما لناحية ايرادات حكومتيهما، الامر الذي يطرح علامة استفهام كبيرة حول قدرة هذا التقاطع الذي نجح في كسر جماح اللاعب الايراني في خطه الاحمر "النفط"،على كسر باقي خطوط الأخير الحمراء والتي يتصدرها "نفوذ" طهران في الساحة السورية والجوار عبر حليفها "حزب الله".
لا شك أنّ المشهد الذي رسمه الاتفاق النفطي الأخير أسس لقاعدة جديدة في السياسة الاستراتيجية للدول المهيمنة في المنطقة، حيث تتنافس مصالح تلك الدول على قضم مكتسبات عبر تقاطعات تمثل أولوية لكل منها، وحيث تبدو النتائج ستكون مفاجئة. وفي هذا السياق يواصل الدب الروسي سياسة "ضرب الكف" و"تجليس الطربوش" في آن في علاقته مع الدول المؤثرة محصناً ظهره من الحليف قبل الخصم، راسماً في ذلك واقعاً جديداَ للمنطقة يتأرجح بين التسوية أو الانفجار، ودلالات ذلك نلخصها في النقاط التالية:
-دعوة الرئيس الروسي بوتين للرئيس الايراني حسن روحاني لزيارة موسكو وقبول الأخير لهذه الدعوة، والتي لاشك انها ستتخطى في مضامينها الزيارات البروتوكولية لتشكل "الختم" على صك تفاهم روسي – ايراني حول مجموعة نقاط ،تجعل من طهران ورقة ممسوكة في يد الدب الروسي من عدة مفاصل رخوة، منها الاتفاق النووي الذي لم تخف موسكو اشرافها على استمرار تطبيق خطته بوتيرة متوازنة، وفق ما صرح به نائب وزير خارجيتها "سيرغي ريابكوف"مؤخرا، الى سلخ المواقع الاستراتيجية ومن بينها مدينة حلب السورية الى حاضنة المحور الايراني وحفظ رأس النظام بما يحفظ ذلك من ماء وجه الاخير في المنطقة وان بصناعة روسية.
-التوصل الى مراحل مقبولة في الاتفاق الايراني - الروسي حول بيع طهران موسكو نحو 100 ألف برميل يومياً من النفط على ان تدفع روسيا نصف قيمة الصفقة نقدا والنصف الاخر على شكل خدمات فنية وهندسية وفق ما صرح به وزير النفط الايراني " بيجن زنغنه" مطلع الاسبوع الجاري.هذا عدا عن توقيع اتفاقية روسية- ايرانية لبناء قمر صناعي استشعاري. مما يشير الى استدراج واضح روسي لللاعب الايراني لدائرة الإطمئنان على ضماناته من خلال تجاوز شبح العقوبات المفروضة عليه.
- امكانية اللعب الروسي على الورقة الاسرائيلية والتي كشفتها غارة العدو الاسرائيلي الاخيرة التي استهدفت قافلة أسلحة لحزب الله في منطقة "الصبورة" قرب دمشق، كانت قد تناولتها الكثير من التحليلات، تراوحت بين من اعتبرها ترجمة لاتفاق روسي- اسرائيلي سمح بشن هذه الغارة لضرب العلاقة الايرانية- الروسية، ومن اعتبرها ضربة تكنولوجية لموسكو ستدفعها الى مزيد من الحذر في موضوع تقنيات التصنيع العسكري. في حين ان الحقيقة هي ان باطن هذه الغارة يحمل "قرصة" روسية لللاعب الايراني من خاصرته " حزب الله " لكفه عن المكابرة، فالضامن له هو الدب روسي، وورقة الحماية في جيبه وما على الاخير سوى الرضوخ وفق لقواعد اللعبة التي رسمها تحت طائلة اسقاط خط الدفاع عن خط امداده العسكري.
لا شك أن موسكو، على الرغم من كل هذه التحصينات التي تسعى لتدعيم جدرانها بمخارج مختلفة،الا انها تدرك تماما ان اللعب مع طهران ليس بنزهة صيفية، وان كانت التحولات الحاصلة في المنطقة تصب حتى الساعة، في مسار خارطتها المرسومة والتي ربما برز اهمها مع اختيار الرئيس الاميركي دونالد ترامب "تيليرسون " وزيرا لخارجية أميركا، وهو المعروف بقربه الكبير من موسكو والمعول عليه مستقبلا وفق ما خرج من تصريحات ادلى بها الجانبين الاميركي والروسي، باعتباره مكسبا لهما كونه حافظ على التواصل المستمر من موقعه السابق مع شركات النفط الروسية وهو معول عليه حاليا في تحقيق تصالح بين واشنطن وروسيا للحفاظ على حصص شركات اميركية عاملة في روسيا بما يعني ذلك من رفع للعقوبات في بداية فترة تولي الرئيس الاميركي "ترامب". من هنا يبدو ان اللاعب الروسي سيذهب في خطواته الى ما هو ابعد من المتوقع وربما الى ما "لم يخطر بالبال" وفق ما سُرّب من تصريحات على خلفية تلقي الرئيس الايراني "روحاني" رسالة من الرئيس الروسي "بوتين" رفض الكشف عن مضمونها وفق ما اكده المتحدث باسم الرئيس الروسي " دمتري بيسكوف" مؤخرا والتي يرجح انها مرتبطة بالازمة السورية وفقا لما اوردته تقارير اعلامية. الا ان معطيات جديدة يجري تداولها عبر وسائل الاعلام كشفت عن مسودة اتفاقية من عدة نقاط صاغتها الدوائر الايرانية وارسلتها الى موسكو لدراستها، فحواها يرتكز على نقطتين، الاولى تقوم على تعليق بند في الدستور الايراني ينص على منع استخدام القواعد الايرانية من أي دولة اخرى وذلك بعد ان حسم "خامنئي" الخلاف حولها عبر اعتباره "ان المصالح العليا للنظام الايراني هي فوق الدستور وعليه يمكن تعليق اي بند فيه لمدة محددة" ، والنقطة الثانية، تقوم على السماح لموسكو باستخدام القواعد الايرانية في ظروف تعتبر تهديدا مشتركاُ للبلدين مقابل اعطاء الروس اذناً للايرانيين باستخدام قواعد لهم في روسيا او قواعد روسية خارجها اذا كان هناك خطر مشترك يواجه البلدين.
لا شك ان هذه المسودة تحمل دلالات ابعد مما يحملها ظاهرها، قد لا تخرج كثيرا عن سياق ما يجول في العقل الروسي الذي يسعى الى لجم اي جماح مستقبلي سواء من عقر ادار الايراني او من الخارج عبر تعزيز قدراته العسكرية والسياسية تبعا لذلك انطلاقا من القواعد الايرانية سيما وان رائحة تمرد ايراني تلوح في الافق مع اعلان طهران الثلاثاء الماضي عن عزمها بناء سفن تعمل بالدفع النووي ردا على تجديد العقوبات الاميركية، واختبارها بنجاح مؤخرا لطائرات انتحارية "رعد85" ضمن فعاليات مناورات القوات البرية الايرانية والتي وفقا لوكالة "فارس" الايرانية يبلغ مداها نحو 100 كم وهي مخصصة لضرب الاهداف الكبيرة، هذا عدا عن لحظ الموازنة الايرانية الاخيرة زيادة في الحصة المخصصة للدفاع الايراني لتبلغ حوالي 10.3 مليارات دولار. كل ذلك يفسح في المجال امام الدب الروسي لطرح حسابات جديدة في علاقته مع ايران وفي كيفية توظيف هذه العلاقة في الوجهة التي تخدم مصالحه والتي اثبتت التجارب ان تحقيقها يستلزم تقاطعها مه مصالح دول اخرى قد تختلف مع ايران او تواقفها الامر الذي لا يستبعد تعرض ايران لضغوط كبيرة قد تدفعها الى تقديم تنازلات كبيرة قد يكون من بينها خطها الاحمر الثاني "حزب الله".
(ميرفت ملحم - محام بالاستئناف)لبنان 24