تحت عنوان "المرأة أيضاً مسؤولة عن العنف ضدها"، كتبت ساسيليا دومط في صحيفة "الجمهورية": انتهى عصر الجاهلية، حيث كانت المرأة تُباع وتُشترى، وولّى زمنُ وأد البنت في التراب وهي حيّة. فالمرأة اليوم عنصر فاعل في المجتمع، هي تتفوّق على الرجل في مجالات العلم أحياناً، وتوازيه في سوق العمل والإنتاجية. ونحن نذهب باتجاه تواجد المرأة في أعلى السلطات السياسية، المشاركة في الحكم والحاكمة أحياناً، لكنّ مأساة العنف الموجّه ضدّها من قبل الرجل لا زالت تعبّئ زوايا منازل كثيرة، فمَن المسؤول عن ذلك؟ربما لأننا نعيش في مجتمع تذوب فيه الحقوق بالواجبات، باسم الحب، والعائلة ومصلحة الأبناء، والمضحك المبكي «إنجاح الزواج»، فأيّ نجاح لعلاقة بين طرفين غير متوافقين، قوي وضعيف، غالب ومغلوب، ظالم ومظلوم.
مجتمع ضاغط إقتصادياً واجتماعياً، ضربت أبناءه آفات الفساد من إدمان المخدرات، والسرقة، والفحش والترف. أقلية في هذا المجتمع تختنق تخمةً، والبقية جوعاً وحرماناً. فجور، حرمان، قلق، فقر، إزدحام، فوضى، محسوبيات، ضعف، عجز، استفزاز، قهر، ظلم، استبداد، عزلة، صمت... ونسأل عن أسباب العنف ضد المرأة؟
هل هي شريكة؟
العنف سلوك يصدر عن طرف لاستغلال وإخضاع طرف آخر، في علاقة عدم تكافؤ في القوى. يشمل الشتم، الإهانة، الإعتداء على أنواعه وصولاً إلى القتل. قد يكون العنف معنوياً، لفظياً، جسدياً... وتنتج عنه أضرار مادية، معنوية ونفسية. لا عنوان محدّداً للعنف، فقد يمارَس في المنزل، في العمل، في الشارع...
في إطار العنف ضد المرأة، وحملات الدفاع عنها، يراودني شعور بفصل عالمها عن عالم الرجل، وأتساءل: هل إنّ جميع الرجال وحوش؟ يعتدون على النساء؟ هل على المرأة أن تستغني عن الرجل وتعمل على الإكتفاء الذاتي؟ هل تسعى المرأة إلى منافسة الرجل والإنتصار عليه؟
في عالم الرجال يعيش حبيب المرأة وشريكها، زوجها وأب أبنائها، إلى ذاك العالم انتمى الأب والأخ والإبن والصديق. لذلك سوف أطرح موضوع العنف ضدّ المرأة من منظار مختلف، أتمنّى ألّا يستفزّ البعض، محمِّلة المرأة جزءاً من المسؤولية في ذلك.
عذراً أيتها المرأة، لكنّك شريكة في العنف الذي يمارَس عليك. نصف المجتمع أنتِ، أنتِ التي تلدين الرجال، فيعتدون عليكِ أو على مَن يمثّلك. أعيدي النظر في طريقة تنشئة مولودكِ الذكر والأنثى، وفي صورة المرأة التي يتربّون على مشاهدتها، صورتكِ كإمرأة.
فمَن تربى على يد إمرأة مكرّمة، سيكرِّم غالباً المرأة في المستقبل، لكن ما رأيك بولد شاهد أمه تتحمّل الإهانات والشتائم، وتلعب دور الضحية، وتهاب ردّة فعل المجتمع في حال انتفضت على الذلّ والظلم.
ولد انطبعت في مخيّلته صورة امرأة مجرَّدة من الحقوق، ولبت الواجبات اللامحدودة دون كلل، إمرأة تُضرب ويُعتدى عليها وتسكت، طلباً «للسترة»، بحسب البعض. أما البعض الآخر من نصف المجتمع فيرى «الرجال لو فحمة رحمة»، ما يجعل المرأة تتقبل الإستفزاز والتعنيف كي لا تخسر «الرحمة».
ولن ننسى المصالح المشترَكة لدى بعضهنّ من اللواتي لا ملجأ لهنّ إلّا البيت الزوجي، الذي يخلو من الود والإحترام، ولم يتبق فيه إلّا الشتم والضرب. ناهيك عن رجال المستقبل، فالفتاة التي تربينها سوف تحملك مثلاً أعلى في حياتها كإمرأة، أو ربما تثور عليك، وفي الحالين لن تكون محظوظة كونها إمرأة.
الساكت عن الحق شيطان أخرس يا سيدتي. إعرفي حقك ثمّ تنازلي عنه لو شئتِ. فربما تسترجعينه يوماً. قومي بترسيم حدودك، كي لا تُغتصب، فالإنسان جشع، مفترس في طبيعته، رجل كان أم إمرأة. كما أنّ التربية الذكورية، ورفع الصبي شأناً عن أخته الفتاة أصبح شيئاً من الماضي، فرجاءً لا تكرّري الأمر مع زوجك وكلّ رجل تواجهينه في الحياة.
أما الحوار، فأعيديه بذكائك ودهائك وتفوّق قدراتك الأنثوية إلى حياتك، فهو عدوّ العنف والتعدّي. أنت تتمتعين بقدرات فائقة، لكنّ شعورك بالضعف وعدم الحيلة يمنعك من معرفة تلك الحقيقة. وكلما غرقتِ في ضعفك وخوفك، كلما اشتدّ الإعتداء عليك واستُبيحت أرضك، بسبب وبغير سبب.
هذا الرجل يعنّفكِ
إليك خريطة الطريق في كيفية التعامل مع الرجل، نصف المجتمع الآخر، المشارك بتعنيفك، أو الشاهد على تلك الظاهرة. جدير بالذكر أننا لا نغضّ النظر عن دعم الكثير من الرجال، الرجال للمرأة والدفاع عن حقوقها.
ذاك الرجل عنيف ربّما لأسباب مرضية، خارجة عن سيطرته، وبالتالي لا بدّ من توجيهه إلى إختصاصيّين طلباً للمعالجة، وإذا رفض ذلك، بلّغي عنه السلطات. والحلّ نفسه يجرى على الرجل الذي يتصرّف تحت وطأة المخدرات، والمدمن على الكحول أو أيّ مواد أخرى.
سبب آخر يؤدّي إلى تعنيف المرأة من قبل الزوج هو البيئة التي نشأ فيها، أي مشاهدة العنف في العائلة الصغيرة أو تعرّضه شخصياً للعنف. كما لا يقلّ احتمال ميل مَن يأتون من عائلات مفكّكة إلى الأذيّة والعنف، تفجيراً للكبت والحرمان الذي عاشوا فيه.
هذا ناهيك عن الضغوطات الإقتصادية والإجتماعية، وعدم الإستقرار والأمن في المجتمع اللبناني، والشحن الذي نعاني منه جراء تراكم المسؤوليات ومتطلبات الحياة، ودوامات العمل الطويلة، بالإضافة إلى الأحداث الأمنية والقلق الذي تسبّبه.
ليس الهدف تبرير عدوانية الرجل ولجوئه للعنف الزوجي، فهذا الأمر مرفوض من قبلنا جملةً وتفصيلاً، إلّا أننا نحاول تجنّب نتائج الوقوع في هذه الحالة، التي قد تصل إلى درجة القتل.
نلاحظ أحياناً بأنّ امرأة صمتت لعشرات السنين على ممارسات عنفية من قبل زوجها، تلجأ إلى إحدى الجمعيات الداعمة للمرأة، ودون مقدمات، تثور بوجه الرجل الذي اعتنق العنف، ومنذ زمن. فتتبادل الشتائم معه، وتتحدّاه، وهو في الأساس غير واع لما يجرى من تغيير لدى الزوجة، فيشعر بالإستفزاز الشديد، والإحتقار، ما يؤدّي إلى ردة فعل قوية من قبله.
كما أنّ مستوى هورمون الإنفعال والغضب لدى الرجل، التستوستيرون، وارتفاعه في حال الإستثارة، يعمي بصيرته، وقد تنتج عنه ردات فعل خارجة عن سيطرته، وخطيرة أحياناً، كما شهدنا في العديد من الحالات.
أما العنف في مكان العمل، مع الإعتراف التام بوجوده، إنما يتمّ أحيانا بالتواطؤ مع المرأة نفسها، أي إنها تتعرّض أحياناً للتحرّش الجنسي من قبل رئيسها، وتقبل بذلك مراوَغة منها للحصول على ترقية أو أهداف أخرى.
وفي الشارع، وفي أماكن معيّنة أخرى، على المرأة الإنتباه لمظهرها الخارجي الذي يعرّضها أحياناً للتحرّش الجنسي وصولاً إلى الإغتصاب والقتل.
فالمكان الذي تتواجد فيه المرأة، يجب أن يتناسب مع مظهرها، كالذهاب ليلاً إلى منطقة نائية بلباس مثير، ومقابلة أحد الأشخاص، قد يعرّضها للتحرّش في حال كان الآخر ذات مستوى ثقافي متدنٍ، أو تحت تأثير الكحول أو مواد مخدّرة. وهذا لا ينفي أنها قد تتعرض للعنف والأذية في شروط أخرى، لا علاقة لها بما ذكر.
نحن لا نبرّر الرجل المعنِّف للمرأة، أو نلومها ونحمّلها المسؤولية، بل نقول لها إنها تستطيع حماية نفسها في بعض الأوضاع، من خلال تدارك المسبّبات التي تشكل ردة فعل عنيفة تجاهها، واستعمال ذكائها وصبرها، وقدراتها الحوارية التي تفوق قدرات الرجل بشكل لافت، للوصول إلى معالجة خطر تعرّضها للعنف، حفاظاً على كرامتها وصحتها وحياتها.
(ساسيليا دومط)