مما لا شكّ فيه أن التنافس القوي الذي حصل بين النفط التقليدي والنفط الصخري من جهة، وبين روسيا والمملكة العربية السعودية والولايات المُتحدة الأميركية من جهة أخرى، أثر بشكلٍ كبير على أسعار النفط التي تهاوت في منذ أواسط العام ٢٠١٤. وانخفض سعر برميل النفط من نحو ١٠٠ دولار حتى وصل إلى عتبة الثلاثين دولار.
لكن هذا الانخفاض الذي كان مُفيداً للإقتصاد العالمي بحكم أنه قلّل من الفاتورة الحرارية على هذا الإقتصاد، أدّى إلى تراجع المالية العامّة في معظم الدول المُنتجة للنفط وعلى رأسها روسيا التي عانت من تدعيات انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية عليها. وأخذت الموازنات في مُعظم الدول المُنتجة للنفط (التي تعتمد بشكل أساسي على مداخيل النفط) بتسجيل عجز كبير أدّى إلى وقف العديد من المشاريع. وبدأت حكومات هذه الدول بالصرف من احتياطاتها من العملات الأجنبية التي تهاوت بشكل كبير. وهكذا كان حال السعودية التي سجّلت عجزاً في موازنتها بقيمة ٣٨.٦ مليار دولار في العام ٢٠١٤، و٩٧.٩ مليار دولار في العام ٢٠١٥ بعدما سجّلت فائضاً بقيمة ٨١.٦ في العام ٢٠١١، ١٠٣ في العام ٢٠١٢، و٥٥ في العام ٢٠١٣. وهذه التغيّرات في المداخيل تُظهر مدّى تعلّق إقتصاد السعودية بالنفط وبسعر برميل النفط العالمي.
وتُشير أرقام المركز العالمي للتجارة إلى أنّ المملكة خسرت مداخيل من صادراتها النفطية بقيمة ٣٧ مليار دولار في العام ٢٠١٤ نسبة إلى العام ٢٠١٣، و١٦٩ مليار دولار في العام ٢٠١٥ نسبة إلى العام ٢٠١٣.
هذا الأمر تزامن مع رفع كميات الإنتاج في السعودية من ٤٠٥ مليون طن سنوياً في العام ٢٠١٤ إلى ٤١٤ مليون طنّ في العام ٢٠١٥. والمملكة ليست الوحيدة التي عمدت إلى رفع إنتاجها، فروسيا والولايات المُتحدة الأميركية قامت بتحقيق أرقام تاريخية في إنتاجها لتضغط بشكلٍ مُريب على أسعار النفط وتجعل سعر البرميل يُلامس الثلاثين دولاراً أميركياً في وقت من الأوقات.
تشخيص هذا الواقع، دفع بالسلطات السعودية إلى وضع خطّة إقتصادية سُمّيت بـ"رؤية السعودية ٢٠٣٠"، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تخفيف التعلق بالنفط وتقلبات أسعاره عبر خريطة طريق من نقاط عدة منها الإستثمار من خلال صندوق سيادي بقيمة ٢ تريليون دولار، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتحفيز الإستثمارات الأجنبية وتحسين مناخ الأعمال، ومحاربة الفساد.
وإذا كان تحقيق هذا الهدف عبر الصندوق السيادي وفي وقت مقبول مُمكن (بعائدات بقيمة ١٠٪ تستطيع المملكة تمويل موازنتها بالكامل) بحكم أن معظم الإستثمارات تبقى خارج المملكة، إلا أن تغيير هيكلية الاقتصاد السعودي يتطلّب كثيراً من الوقت. وإذا كانت هذه الرؤية تذهب في الاتجاه الصحيح من ناحية تحقيق الأهداف، إلا أن الوقت المطلوب لتحقيق هذه الأخيرة طويل، والمُتضرّر الأكبر من هذا الوقت هو الإحتياط من العملات الأجنبية. بالتالي، من المفروض إيجاد مداخيل سريعة للجم العجز في الموازنة. هذا الأمر استطاعت المملكة تحقيقه من خلال الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في 30 تشرين الثاني. ما دفع بسعر برميل النفط إلى الإرتفاع بحدود السبعة دولارات للبرميل الواحد.
نصّ الاتفاق على أن تُخفض دول الأوبك إنتاجها إلى ٣٢.٥ مليون برميل يومياً، أي بإنخفاض بقيمة ١.٢ مليون برميل تحمّلت السعودية ٤٨٠ ألف برميل منه والباقي توزّع بين الكويت وقطر (معاً) ٣٠٠ ألف برميل، العراق ٢١٠ ألف برميل. في المقابل، ارتفعت حصة إنتاج إيران ٩٠ ألف برميل يومياً لتستعيد حصتها ما قبل العقوبات. ولقبول السعودية بهذا الأمر، قامت روسيا (وهي خارج منظمة أوبك) بالتعهد بخفض إنتاجها بقيمة ٣٠٠ ألف برميل، أي ما يوازي القيمة التي كان مطلوباً من إيران خفضها (٣٠٠-٩٠= ٢١٠ ألف برميل في اليوم). بالتالي، أن روسيا ليست بريئة عن هذا الأمر.
لكن السؤال المطروح: ماذا استفادت المملكة من الاتفاق وهي التي خفّضت إنتاجها ٤٨٠ ألف برميل في اليوم؟
رغم تقلّص الكمّية المُنتجة من جانب المملكة، حقّقت هذه الأخيرة ربحاً (unrealised) سنوياً بقيمة ٢.٣ مليار دولار أميركي (على اعتبار أن سعر البرميل ارتفع ٦.٢ دولار والكمّية المُنتجة هي كمية العام ٢٠١٥ ناقص ٤٨٠ ألف برميل). وفي حال ارتفع سعر البرميل إلى عشرة دولارات أميركية، فإن الربح سيكون ١٣ مليار دولار سنوياً (آت من الصادرات فقط). وفي فرضية أن الأسعار قد ترتفع إلى ٧٠ دولاراً فإن الأرباح التي ستُحقّقها المملكة ستبلغ ٥٣ مليار دولار.
لكن، لماذا سعر ٧٠ دولاراً للبرميل؟ السبب يعود إلى أن هذه العتبة هي حدّ فاصل لربحية منتجي النفط الصخري الذي يُصبح مُربحاً جدًا من سعر ٧٠ دولار وما فوق. وفي حال ارتفع السعر إلى ٧٠ وأكثر، فإن شركات النفط الصخري الأميركية التي لا تلتزم بإتفاق أوبك، ستقوم بالإنتاج بكثرة. ما يزيد العرض في السوق وستنخفض معه الأسعار، إلّا في حال كان هناك نهوض للإقتصاد العالمي، فإن الأسعار في هذه الحال قد تضرب عتبة ١٠٠ دولار للبرميل الواحد. وهذا سيجعل مداخيل المملكة ترتفع بقيمة ١٣٧ مليار دولار ليكون المدخول السنوي من الصادرات النفطية ٢٩٠ مليار دولار.
لكن هذا الإطار الجميل تشوبه مخاوف من طبيعة الاتفاق الذي يمتدّ على فترة ستة أشهر إبتداءً من مطلع العام ٢٠١٧. وماذا إذا لم تحترم دول أوبك هذا الاتفاق، أو إذا لم تحترم روسيا تعهداتها؟
في جميع الأحوال، إن السعودية ستستفيد من هذه المداخيل الإضافية كي تُحسّن ماليتها العامّة وتلجمّ العجز. وبالتالي، يُمكن القول إن ما قامت به السعودية هو لمصلحة الخزينة العامّة.