45 يوما من عمر العهد الجديد، وحكومته الإلزامية الأولى لم تولد بعد.
45 يوما مرشحة لأن تصبح تسعين يوما، إذا ظلت وتيرة الاتصالات بشأن تشكيل الحكومة تسير بالوتيرة التي شهدتها حتى الآن، وبلغت أمس حدود الصفر لولا الزيارة اليتيمة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري، ليل أمس، إلى كليمنصو وتناوله العشاء إلى مائدة النائب وليد جنبلاط.
45 يوما مرشحة لأن تتضاعف إذا قرر الرئيس المكلف أن يمضي الأعياد مع عائلته وإذا قرر رئيس الجمهورية أيضا أن يمضي إجازة الأعياد في الخارج أيضا، إلا إذا كان «كلام الإجازات والسفر» جزءا من عناصر الضغط لتسريع ولادة الحكومة التي يطالب الجميع بها اليوم قبل الغد.
فمن أين تأتي العرقلة وما هو السبب؟
لا يريد «المؤلفون» أن يتهم أحدهم بالتعطيل. الكل يوحي بأنه يقدم أفضل ما عنده، لكن حقيقة الأمر أن المضمر يتجاوز المعلن.
بهذا المعنى، هل يمكن أن يقبل سعد الحريري بحكومة يحصل فيها «حزب الله» و «أمل» وباقي الحلفاء على «ثلث معطل»، سواء بوزير ملك أم غير ملك، وهو الذي كان أول من دفع ثمن تلك «التخريجة» التي أنتجها مؤتمر الدوحة عام 2008؟
لقد قالها الحريري بالفم الملآن غداة الانتخابات الرئاسية مباشرة إن اتفاق الدوحة كان مرحلة وانتهت، وبالتالي فلا ثلث معطّلا في الحكومة التي سيؤلفها، «فالثلث المعطل انتهى مع اتفاق الدوحة». عكس ذلك الكلام تفاهماً غير معلن مع «التيار الوطني الحر» بعدم العودة إلى قضية الثلث المعطل أو الضامن، وبالتالي، صار ملزماً بأن يجد توليفة تبعد هذه الكأس المرة عنه.
من هنا، يمكن تلمس إصرار الرئيس المكلف على السير بحكومة الـ24 وزيرا، بحيث لا يمكن لـ «الثنائي الشيعي» أن يحصل فيها على أكثر من خمسة أصوات مضافا إليها ممثل «المردة»، أي ستة أصوات، بينما يمكن أن يكون الوضع مختلفا مع حكومة الثلاثين وزيرا بإضافة وزيرين قومي ودرزي، فيقترب «الثنائي الشيعي» (ستة وزراء) مع «المردة» من الثلث الضامن إذا احتسب من ضمنهم لا وزراء «تكتل التغيير» بل أحد وزراء رئيس الجمهورية كيعقوب الصراف على سبيل المثال لا الحصر.
عندما يُسأل الحريري لماذا لا يبدي حماسة لحكومة الثلاثين، يجيب بأنه يريد حكومة طبق الأصل عن حكومة تمام سلام، حتى بتوليفة الحقائب إلى حد كبير، لكن مع تعديل متصل بتمثيل «القوات» بدل «الكتائب»، ولكنه يترك الباب مفتوحا أمام احتمال الوصول إلى الثلاثين.
عندما يُسأل رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل، لا يخفي حماسته لحكومة الـ24 وزيرا، حتى أن «الثنائي الشيعي» حاول إقناعه بالوصول إلى حكومة الثلاثين، لكنه كان متمسكا برأيه.
وبطبيعة الحال، لا يخفي رئيس حزب «القوات» سمير جعجع حماسته لحكومة الـ24 وزيرا، وإذا كان هناك من يريد أن «يتبرع» بمقاعد لـ «الكتائب» أو غيرها، فليكن ذلك من حصته لا من حصة «القوات».
وعلى جاري عادته، كان وليد جنبلاط صريحا في كلامه، ليل أمس، مع سعد الحريري، أولا بحثّه على الإسراع في تأليف الحكومة، محذرا من أن التأخير يأكل من رصيد العهد والرئيس المكلف، وأن التحديات تكبر سياسيا واقتصاديا وأمنيا ولم يعد مطلوبا المضي بسياسة إدارة الظهر في الكثير من الملفات.
ولا يخفي جنبلاط هواجسه، خصوصا في ضوء الضغط الذي يتعرض له سياسيا وأمنيا، وهو قال أمام زواره إنه يريد تقديم كل التسهيلات للعهد والرئيس المكلف ولكنه لا يريد أن يصبح متهماً بالتفريط بحقوق الطائفة الدرزية، ولذلك، رفض رفضا قاطعا التخلي عن وزارة العدل لمصلحة أي طرف كان (طالب بها رئيس الجمهورية إذا تم اعتماد حكومة الثلاثين على أن تسند للوزير الكاثوليكي سليم جريصاتي).
يقود ذلك إلى الاستنتاج أن الخلاف الأول يتمحور حول شكل الحكومة: 24 وزيرا أو 30 وزيرا، في ظل تقاطع مصالح عوني ـ حريري ـ قواتي بوجوب اعتماد الأولى، خصوصا ربطا بقضية الثلث المعطل والانتخابات النيابية المقبلة. وفي المقابل، لا يخفي الرئيس نبيه بري و «حزب الله» حماستهما لحكومة الثلاثين وزيرا حتى تتمثل كل المكونات فيها، بما في ذلك «الكتائب»، لا بل بلغ الأمر حد قول مرجع واسع الاطلاع في «الثنائي» إن الممر الالزامي لتأليف الحكومة هو صيغة الثلاثين وزيرا.
أما النقطة الثانية، فتتمحور حول حقائب متصلة بسعد الحريري ربطا بصيغة الـ24 وزيرا، ولذلك، حاول أن يستخدم الرصيد الجنبلاطي لتلبية مطالب الآخرين، قبل أن يصطدم بـ «الفيتو» الذي رفعه الزعيم الدرزي وجعل معاوني الأخير يجزمون في اليومين الماضيين بأن الحكومة لن تتألف برغم كل مناخ التفاؤل الذي ساد البلد.
والنقطة الثانية التي واجهت صيغة الانتقال من الـ24 إلى الـ30 وزيرا، تمثلت في عدم اكتفاء الرئيس المكلف بالحصة السنية (ناقصة أحد المقاعد بدل توزير غطاس خوري) بل هو ذهب أبعد من ذلك، بإصراره على إضافة وزير مسيحي إلى حصته، وهو الأمر الذي لم يلق قبولا في «القصر»، فضلا عن رفض التجاوب مع مطلب الرئيس بري بتعديل الصيغة التي اعتمدت لإضافة ستة وزراء دولة إلى حكومة الـ24 وزيرا، وذلك بإصراره على أن تكون هناك حقيبة للوزير الشيعي السادس، حتى لا يتكرس عرف قبول الشيعة بوزارتي دولة في الحكومة نفسها.
واللافت للانتباه أن ما حصل مع الحريري في أول رحلة إلى «القصر» غداة الاستقلال، تكرر أمس الأول، عندما ترك «التوليفة» التي كان يحملها «وديعة» في عهدة «القصر»، في ضوء سلسلة ملاحظات حول توزيع الحقائب، «وهو ما جعل البحث يتطلب إعادة نظر في المعادلة برمّتها»، كما جاء في مقدمة «او تي في» ليل أمس.
والنقطة الثالثة تتصل برفض رئيس الجمهورية اعتراض أي مكوّن على الأسماء التي يسميها من ضمن حصته، سواء في تشكيلة الـ24 أو الـ30 وزيرا، وهو لم يكن يقصد «القوات» بكلامه هذا بل كل مكونات الحكومة، بدليل أنه كان تبلغ ما أعلنه جعجع علنا أمس بأن لا «فيتو» على أحد ولا معارضة لتركيبة الحكومة سواء 24 أو 30 وزيرا.