فباستثمار جزء من القوة المتأتّية من هناك، يمكن «الحزب» أن يحقّق الانتصارات السياسية هنا، في الحكومة وقانون الانتخاب وسواهما.هناك خيط رفيع يربط ما بين مجريات الحدث العسكري في سوريا ومجريات الحدث السياسي في لبنان. فالحرب العسكرية الدائرة على أرض حلب، وتلك التي ستدور لاحقاً في إدلب وسواها، هي في الوقت عينه حرب إيران على أرض سوريا. فإذا انتصرت هناك، ستنتصر أيضاً في لبنان والعراق وسائر الشرق الأوسط. والعكس صحيح.
بالسيطرة على حلب، يوسِّع الرئيس بشّار الأسد رقعة نفوذه على ما تبقى من أجزاء «سوريا المفيدة»، في ظلّ صمت عربي ـ إقليمي ـ دولي واضح، بل في ظلّ موافقة تركية وأميركية. وطبيعيٌّ أن يضع «حزب الله» انتصارَ حلب ضمن أجندة انتصاراته في لبنان.
ولذلك، هو لا يستعجل الخطى في أيّ استحقاق داخلي، ما دام مقبلاً على مزيد من الانتصارات في سوريا. والمعروض عليه اليوم، في لبنان، بثمنٍ معيّن، سيكون معروضاً بثمن أدنى لاحقاً لسببين:
- الأوّل هو أنّ مسار الحرب في سوريا سيزيد من تَراكُم انتصاراته.
- الثاني هو أنّ خصوم «الحزب» في الداخل سرعان ما سيتعبون، ليس فقط بسبب تراجع المحور الإقليمي الذي يدعمهم، بل أيضاً لأنهم سلّموا لـ«الحزب» محلياً بكثير من الأوراق في ما مضى، حتى باتوا تقريباً بلا أوراق قوة.
من هذا المنظار، يمكن إدراك الخلفيات الكامنة وراء التأخير في ولادة الحكومة. ففي خلاله، تمَّ «تذويب» الطموحات التي نشأت عشية انتخاب عون، والتي راهنت على أنّ الحكومة الجديدة ستكون الأولى من نوعها لجهة التوازنات القائمة في داخلها. وقد تبيَّن أنّ النسخة الأخيرة المتداوَلة
ـ الثلاثينيةـ ليست بعيدة كثيراً عن الحكومات الثلاثينية «المعروفة».
فحتى الآن، استطاع «الحزب» أن يحسّن من شروط التركيبة الحكومية المنتظرة، من دون استثارة أيّ أزمة لا مع عون ولا مع الحريري ولا «القوات اللبنانية». ويراهن البعض على أنّ تمسّك الرئيس نبيه بري بحصة النائب سليمان فرنجية سيؤدّي إلى عودة الحرارة إلى العلاقات بين بعبدا وبنشعي، ما يحدّ من اندفاع عون إلى التحالف مع القوى المسيحية خارج 8 آذار، ويعيد تثبيته أكثر في تموضعه السياسي.
المتابعون يقولون: ربما يكون عون و«القوات» والحريري مستعجلين تأليف الحكومة وانطلاق العهد بالحدّ الأدنى من الضغوط والشروط، لكنّ «الحزب» ليس مستعجلاً. فالآتي، بالنسبة إليه، هو مزيد من المكاسب العسكرية في سوريا والسياسية في لبنان.
وفي معزل عمّا إذا كان «الحزب» راضياً على انتخاب عون أو أنه وافق عليه مراعاة للأمر الواقع الذي أحدثه دعم جعجع والحريري لانتخابه، فإنّ الأسابيع الأخيرة أظهرت أنّ لدى «الحزب» أوراقاً يستطيع بها «تصويب اتجاه البوصلة».
وإذ بقي «الحزب» يتعاطى ببرودة، طوال الفترة الأخيرة، مع ملف تأليف الحكومة، ويضع كلّ جهده في خدمة معركته الأساسية في حلب، تبيّن أنّ «ملائكته» كانت حاضرة، وبقوة، في كلّ شاردة وواردة، وأنّ أحداً لم يستطع تجاوز أيّ من شروطه في عملية التأليف.
ويمكن القول عملياً إنّ «الحزب» يدير عملية التأليف عن بُعدٍ، وبـ«الريموت كونترول»، ومن حلب، إذا صحّ التعبير. ومع أنّ الحكومة المنتظرة، في المبدأ، هي حكومة بضعة أشهر لإنتاج مجلس نيابي جديد، فالمؤكد أنّ «الحزب» سيتولّى إنضاج التركيبة الحكومية جيداً لتأتي تشكيلتها مناسبة للتوازنات التي يريدها.
يقول البعض: «طبيعي أنّ الرئيس ميشال عون بدأ يتأكد من حجم الضغوط التي يتعرّض لها رؤساء الجمهورية في لبنان، خصوصاً بعد الطائف. فإذا كان هو بزعامته المسيحية، وبدعم القوى الأساسية المسيحية والسنّية والشيعية، يعاني الصعوبات للانطلاق بعهده، فما الذي كان يمكن أن يقوم به رئيس للجمهورية من النوع «الضعيف»، كالذي كان ينادي به البعض؟». ويضيف هؤلاء: «يريد الرئيس عون أن يثبت عدم صحّة النظرية القائلة إنه كان في الرابية أقوى ممّا هو اليوم في بعبدا».
وإذ يتهاون حلفاء عون الجدد بالقبول بالحكومة الموعودة، ولو أرضتهم بالحدّ الأدنى، لأنها حكومة انتقالية نحو الحكومة التي يريدونها، فإنّ «الحزب» وحلفاءه أيضاً يرتضون بالحدّ الأدنى من الشروط في الحكومة المقبلة، لأنها بالنسبة إليهم حكومة انتقالية، ولا بأس في تمريرها لبضعة أشهر، وبعد الانتخابات النيابية سيكون لكلّ حادث حديث.
إذاً كلٌ ينتظر الآخر «على كوع» الانتخابات ويفكّر في الطريقة التي توفّر له السيطرة على المجلس النيابي المقبل. لكنّ المؤكد هو أنّ أحداً لن يترك للآخر أن يتفرّد بالقرار. وهكذا، يصحّ القول بعد حلب، إنّ منطق «الشركة الحلبية» سيقود البلد من الحكومة إلى قانون الانتخاب والانتخابات النيابية المقبلة.
وفي «الشركة الحلبية» ينادي كلٌّ على أسهمه لتسويقها، بمعزل عما إذا كان ذلك سيؤدّي إلى نجاح الشركة أو فشلها!