أولاً: الفقه في اللغة
الفقهُ: العلم بالشيء والفهمُ له، وغلب على علم الدين لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلم كما غلب النجمُ على الثريا، قال ابن الأثير: واشتقاقهُ من الشّقّ والفتح، ،وقد جعله العُرف خاصّاً بعلم الشريعة. وقال غيره: والفقهُ في الأصل الفهم. وقال الله عزّ وجلّ: ليتفقّهوا في الدين؛ أي ليكونوا عُلماء به، ودعا النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس فقال: اللهمّ علّمه الدين وفقّههُ في التأويل؛ أي فهّمه تأويله ومعناه، فاستجاب الله دُعاءه، وكان من أعلم الناس في زمانه بكتاب الله تعالى.
وقال الأزهري: قال لي رجلٌ من كلاب وهو يصف لي شيئاً، فلما فرغ من كلامه قال: أفقهت؟ يريد أفهمت؟ وفي حديث سلمان(صاحب النبي، وصاحب وئام وهاب في زماننا) : أنّه نزل على نبطية بالعراق فقال لها: هل مكانٌ هنا نظيف أصلّي فيه؟ فقالت: طهّّر قلبك وصلّ حيثُ شئت، فقال سلمان: فقهت، أي فهمت وفطنت للحقّ والمعنى الذي أرادت. وقال عيسى بن عمر: قال لي أعرابي: شهدتُ عليك بالفقه، أي بالفطنة.
ثانياً: جبران باسيل أعلم أهل زمانه
عندما كان باسيل وزيراً للطاقة، صال وجال في ميدان علوم الكهرباء، وابتداع الحلول لأزمة الكهرباء التي ورثها عن وزراء الفساد وقليلي الحيلة، أمّا هو فقد اهتدى للحلّ التركي، ألم يُقدّم الأتراك أنجح الحلول بالدراما التركية، فملأت الشاشات بالمسلسلات التركية، وشاعت أسماء الحسناوات التركيات، وأحضر لنا جبران فاطمة غول، بمبلغ مليار ومئتي مليون دولار، وأصرّ على قبضها نقداً من خزينة الدولة السائبة، أمّا علومه الهيدروليكية والهيدرومائية ،فتفتّقت عن سدود، لا تُبقي بيئة ولا مياه. وعندما تسلّم وزارة الاتصالات، دأب أسبوعياً على عقد المؤتمرات التي يشرح فيها للمواطنين الغافلين آخر ما أدخلته عبقريته في ميدان الاتصالات. وعندما تسلّم حقيبة الخارجية، أبدع في مفاهيم الميثاقية، وحقوق المسيحيين المهدورة، وخطر اللاجئين السوريين، والزيارات المتتالية إلى الأميركيتين سعياً وراء مواطنين لا يعرفون لبنان، ولا أين يقع حتى، في حين أنّ ابن اللبنانية من أبٍ أجنبي، يعيش بين ظهرانينا، لا يعرف وطناً غير الوطن الذي ولد فيه وترعرع فيه، ومع ذلك، فهو أجنبي، ولا يدخل في حسابات باسيل.
ثالثاً: عودة إلى فقه باسيل بشؤون القصر
باسيل أفقه (أي أفهم) مستشاري الرئيس، ويعلم السّر وأخفى، ولعلّه أدرى بشؤون الحكم وموجبات الرئاسة من الرئيس نفسه، فعندما سأله سامي كليب عن أولّ بلد سيزوره عون في زياراته الخارجية، أجاب باسيل بلا تردّد: "إنّها السعودية" وعندما استغرب كليب هذا الزّعم المشؤوم، وأنّ ذلك قد يُثير حفيظة حزب الله، أجاب الفقيه بأنّ الرئيس يتمتع بكامل الحرية في القول والفعل، إلاّ أنّه وجرياً على مذهب الفقهاء، لا بدّ من الرجوع إلى النّص والأصل، فيُطمئن السائل: ألم يقل السيد نصرالله في آخر إطلالة له: بأنّ عون يتمتع بثقتنا، وله الحرية كاملةً في القول والفعل والزيارة والاستقبال؟ بلى، فباسيل هنا لا ينطقُ عن هوى، فبحمد الله ،لا يكاد يخلو أسبوع أو أسبوعين إلاّ ويظهر السيد ليفتي في مختلف شؤون الأمة، ومن بينها هذه البقعة الصغيرة التي يُسمّونها لبنان، وهكذا، يستطيع باسيل أن يُؤسّس فتاويه على صخرٍ ،لا على جرفٍ هاوٍ.