الحديث عن تدخل روسي في الإنتخابات الأميركية ليس جديداً، فعلى إمتداد الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل موعد الإقتراع، تعمّدت هيلاري كلينتون بوتيرة شبه يومية إتهام موسكو بالتدخل لمصلحة منافسها الفائز دونالد ترامب. وليس خافياً ان الإشادات الروسية بترامب زادت حمأة هذه الإتهامات، كما لعبت تصريحات ترامب، الذي أبدى إعجابه بسياسات فلاديمير بوتين وتحامل على سياسات باراك أوباما، دوراً في الإيحاء بأن لبوتين دوراً مؤثراً في خيارات الناخب الأميركي!
هذا الأمر يبدو مثيراً ومسيئاً ومستغرباً: وجه الإثارة يكمن في أننا نتحدث عن أميركا وديموقراطيتها المطلقة، وعن وعي المواطن الأميركي الذي يفترض انه في حريته غير المحدودة لا يحتاج الى إضاءات موسكو على قضاياه الداخلية. ووجه الإساءة ان إعطاء بوتين هذا الدور في مسألة أميركية حساسة يشوّه صدقية اللعبة الإنتخابية التي تخضع كما هو معروف لآليات وقواعد معقدة ودقيقة. أما وجه الإستغراب فيبرز من خلال طلب أوباما، الذي خاض معركة كسر عظم ضد ترامب، مراجعة قانونية للإختراقات المعلوماتية التي قيل إنها وصلت الى الرسائل السرية العائدة للحزب الديموقراطي، ما أضعف كلينتون، في حين كانت وزارة الأمن القومي الأميركية أشارت الى ان الحكومة الروسية هي التي أدارت هذه الإختراقات.
والسؤال: ما الفائدة من الإثارة السياسية والإعلامية الآن حول هذه الإختراقات الروسية إذا صحّ انها أثّرت في النتائج، خصوصاً ان الناطق بإسم البيت الأبيض أريك شولتز قال: "يجب ان نكون واضحين، هذه ليست محاولة للطعن في نتائج الإنتخابات"؟
مستشارة أوباما للأمن القومي ليزا موناكو تقول إن من الضروري فهم معنى تلك الإختراقات وتفاصيلها وإستخلاص العبر وتعميمها، وإن أوباما ينتظر تقريراً في هذا الشأن قبل ترك منصبه في ٢٠ كانون الثاني المقبل وتولي دونالد ترامب الرئاسة!
طبعاً من الضروري جداً إجراء تحقيق من هذا النوع ولأكثر من سبب، على الأقل لسد الثغرات التقنية والفنية والسياسية أيضاً التي سمحت بحصول الإختراقات الروسية. وطبعاً من المفهوم ان أوباما تعرض لضغوط كبيرة ومتواصلة من حزبه الديموقراطي الذي خسر الإنتخابات كي يكشف للكونغرس والرأي العام أي معلومات عن حقيقة هذه الإختراقات.
ولكن هل من الضروري نشر هذا الغسيل الأميركي الناصع على سطوح بوتين؟ أولم يكن من الأفضل إجراء التحقيقات الضرورية بطريقة لا تنعكس سلباً وإحراجاً على الحصانة المفترضة في البريد الالكتروني للحزب الديموقراطي والوعي السياسي للمقترع الأميركي، خصوصاً ان ترامب يدخل البيت الأبيض وسط جدل يكاد ان يقسّم المجتمع الأميركي؟
المثير ان الصحافة الروسية إستقبلت بحفاوة قرار أوباما على خلفية أنه يؤكد قدرة بلدها على التدخل والتأثير في نتيجة الإنتخابات الأميركية، وهذه خدمة كبيرة لبوتين!