مع ما يدور الحديث عنه من سيطرة قوات النظام السوري على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، تتجه أنظار خبراء نحو الجارة إدلب (شمال)، التي باتت أهم معاقل المعارضة بعد تراجعها في حلب.
هؤلاء الخبراء يرجحون أن يتكرر العام المقبل في محافظة إدلب سيناريو حلب، الذي شهد تقدما للنظام، وفقدان المعارضة أحد أهم معاقلها، مع ارتكاب قوات النظام "فظائع بحق المدنيين" تحدثت عنها الأمم المتحدة.
المنظمة الدولية أعلنت، أمس الثلاثاء، عن تقارير وصلتها تفيد بقتل قوات تابعة للنظام السوري ما لا يقل عن 82 مدنيا، بينهم 11 امرأة، و13 طفلا شرقي حلب، وذلك على لسان روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي أضاف، في مؤتمر صحفي بمدينة جنيف السويسرية، أن عشرات آلاف المدنيين عالقين في الأحياء الشرقية المحاصرة لحلب.
وبوساطة تركية، توصلت قوات المعارضة والنظام، أمس، إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وإجلاء آلاف المدنيين من شرقي حلب إلى غربها، وخروج مجموعات معارضة مع أسلحتها الخفيفة، وذلك بعد قلصت قوات النظام مناطق سيطرة المعارضة إلى جزء صغير تجمعت فيه قوات المعارضة وقرابة 100 ألف مدني؛ بعد أسابيع من غارات وقصف أسقطت مئات القتلى بين المدنيين المحاصرين شرقي المدينة. غير أن إجلاء المدنيين لم يتم تفعيله بعد.
وخلال الشهور الأخيرة، عمدت قوات النظام السوري على تهجير مقاتلي المعارضة المسلحة مع عائلاتهم والمدنيين من مناطق كانت خاضعة لسيطرتهم في ريف دمشق (المعضمية، خان الشيح، داريا)، وحمص (حي الوعر، المدينة القديمة)، باتجاه إدلب (شمال)، في مسعى لتجميعهم في منفى اختياري واحد.
ومع تقدم قوات النظام السوري، المدعومة من قبل روسيا وإيران والميليشيات، خلال الأيام القليلة الماضية، في الأحياء الشرقية لحلب (شمال)، يرجح معارضون وخبراء سياسيون أن إدلب ستكون مسرحا يتكرر فيه سيناريو الانتهاكات والفظائع المرتكبة في حلب، حيث كان النظام والمعارضة يتقاسمان السيطرة منذ عام 2012.
استراتيجية السيطرة التدريجية
حول احتمال هجوم النظام السوري على إدلب، معقل المعارضة الرئيس حاليا، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري، سامح راشد، إن "استراتيجية النظام السوري وحلفائه تعتمد على التعامل الاستراتيجي مع المدن والمناطق الاستراتيجية في سوريا".
شارحا وجهة نظره، تابع راشد، في حديث مع الأناضول، أنه "بعد أن ثبت للنظام وحلفائه عدم قدرتهم على السيطرة على معظم مناطق سوريا رغم القصف، تغيرت استراتيجيتهم إلى السيطرة التدريجية على ما يتاح من مناطق حسب أهميتها".
ومضى قائلا: "وهو ما يفسر البدء بحلب، وقبلها كانت معارك ضارية في ريف دمشق، ثم يأتي الدور على إدلب حسب الأهمية الاستراتيجية، وهي مسائل لها بعد استراتيجي وجيواستراتيجي، ونقاط كثيرة، وهو ما يفسر لماذا إدلب لاحقا، وقبلها حلب".
وردا على سؤال بشأن السيناريو المطروح في إدلب واحتمال أن يكون على شاكلة حلب، أجاب بأن "البوصلة تشير إلى توجه قوات النظام إلى إدلب العام المقبل والتركيز عليها بحيث لا تغادرها إلا بعد أن تسيطر عليها، أو على نسبة كبيرة منها، حتى لو استغرق الأمر فترة طويلة، وذلك بمختلف التكتيكات، كما حصل مع حلب، أو عبر بعض التفاهمات الجزئية بشأن خروج المقاتلين، وفي النهاية يتحقق الهدف المطلوب".
راشد أعرب عن اعتقاده بأن "ما جرى في حلب كان مقصودا لإفزاع المقاتلين، ليس على أرواحهم فقط، بل على أسرهم أيضا، بما يجعل الأمر درسا للمناطق التالية".
وعما إذا كانت المعارضة خرجت بدروس مما حصل في حلب، رأى أن "المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، استفادت من درس حلب، والدروس العسكرية الأخرى، وأدركت أن مواجهة النظام وحلفائه بشكل كامل على مستوى الندية أمر غير متاح في المرحلة الحالية، وفق الإمكانيات المتاحة لقوات المعارضة، وذلك لأسباب واعتبارات سياسية تتعلق بالدعم الخارجي وتخاذل الولايات المتحدة، وهي خلاصة انتهت إليها قوات المعارضة".
هذه الدروس اعتبر المحلل السياسي المصري أنها "ستنعكس في إدارتهم (المعارضة) لمعركة إدلب، وما يتلوها من معارك، وهناك جانب إيجابي للاستفادة تكتيكيا مما جرى في حلب.. لكن الإمكانيات المتاحة لن تسمح بتصحيح كفة الميزان العسكري".
مخطط لإبادة في إدلب
عن الهدف المقبل لقوات النظام بعد حلب، قالت سميرة المسالمة، نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض، إن "كل بقعة في سوريا ليست خاضعة لسيطرة النظام، هي محل تخوف عليها من بطش النظام والقوات الإيرانية".
المسالمة تابعت، في تصريحات للأناضول، أن: "النظام بعد أن ينتهي، وبمساعدة القوات الروسية والإيرانية، من حلب لا سمح الله، سيفكر في الاستيلاء على ما تبقى من سوريا، ومنها إدلب، التي ستكون في خطر كبير".
وعن ذلك الخطر الكبير الذي ينتظر إدلب، أشارت مسالمة إلى أن هذه "المحافظة جُمع فيها كل مناصري الثورة (القائمة على النظام السوري منذ 2011)".
ومحذرة، قالت المسالمة إن ذلك "بمثابة التخطيط فعليا لإبادة ومجازر تنتظر إدلب من نوع المجازر التي ارتكبها ويرتكبها النظام في حلب".
وحول موقف المعارضة من هذه المعركة، أجابت بقولها: "آمل أن تكون المعارضة قد استفادت من الدروس الماضية، حيث إن استراتيجياتها لم تتغير في مواجهة الأحداث، فبقيت تندد وتصرخ في فضاء على ما يبدو لا يصل عبره صوتها إلى العالم".
وخاطبت من تعتبرهم أصدقاء سوريا قائلة: "ما من أصدقاء يقفون بصمت مريب أمام هذه المجازر، هل هي مجرد بيانات تطلق من باريس ولندن وغيرها من العواصم (؟!) بل يجب أن تقف إلى جانب المعارضة والشعب السوري".
التفاوض من مصدر قوة
فيما ذهب المحلل السياسي التركي، بكير أتاجان، إلى أن "النظام السوري وروسيا وإيران يريدون الاستيلاء على جميع المدن السورية، ليس من أجل استعادتها فقط، وإنما ليأخذوا ما يريدونه سياسيا عندما يجلسون على الطاولة (المفاوضات)".
أتاجان اعتبر، في حديث مع الأناضول، أنهم "لذلك يبحثون عن المناطق المفيدة من سوريا، وهي المناطق الغربية والوسطى، ودمشق وحلب.. الهدف من السعي إلى السيطرة على حلب حاليا، وإدلب لاحقا، هو أملهم في أن يمكنهم ذلك من الجلوس على الطاولة والتفاوض من مصدر قوة".
وعن سبب السعي إلى إدلب، بعد حلب، دون غيرها، قال المحلل التركي إن "النظام يريد سوريا التي تفيده، وترك المناطق التي يصعب السيطرة عليها مثل شرقي البلد، لكي تتناحر عليها الفصائل مع الأكراد وداعش وغيرهم من أطراف الصراع".
ومحذرا، تابع بقوله: "سوف تكون هناك مجاز كبيرة أيضا في إدلب كما حلب، وسيكون عدد الضحايا كبيرا".
(الاناضول)