فيما تنشغِل غالبية القوى السياسية في البلاد بالموضوع الحكومي والبحث عن قانون جديد للانتخابات، يحضر لدى المراجع العسكرية الهمّ الأمني من جديد، بعد احتلال تنظيم «داعش» الإرهابي لمدينة تدمر.

إذ تتكرّر منذ عام 2014 محاولات التنظيم الإرهابي للاقتراب من مدينة حمص، ومن ثم الحدود اللبنانية ـــ السورية، وصولاً إلى وادي خالد وعكّار. وكان سبق لقائد الجيش جان قهوجي، أن أطلق تحذيرات، وكرّرها رئيس الحكومة البريطاني ديفيد كاميرون، من وصول «داعش» إلى شواطئ البحر المتوسط، عبر وصل عرسال بعكار ومدينة طرابلس للحصول على منفذ بحري من البادية. وقد عاد هذا الهمّ، في ظلّ قراءة لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية المعنية بأن مخطّط الوصول إلى شمال لبنان عاد ليراود قادة التنظيم كجزء من التعويض عن سقوط مدينة الموصل مستقبلاً. غير أن الخطر في عام 2014 كان داهماً، أما حالياً، فرغم خسارة مدينة تدمر، يبدو القادة العسكريون مطمئنين، نظراً إلى وجود قرار سوري باستعادة تدمر، مدعوماً بقرار روسي واضح للمساهمة بتحريرها، فضلاً عن وجود قوات حزب الله في القلمون وحمص، وقوات للحزب السوري القومي الاجتماعي في صدد وبلدة القريتين ومحيطهما. ومع ذلك، لا تلغي هذه المعطيات وجود حذر كبير عند قيادة الجيش.
حكومياً، وفيما تصاعدت المؤشرات في اليومين الماضيين إلى قرب ولادة الحكومة (كانت متوقعة بين أمس واليوم)، أوحى تصريح الرئيس المكلف سعد الحريري عقب زيارته الرئيس ميشال عون في بعبدا أمس، أن الأمور لم تنضج بعد، وأنها «لا تزال بحاجة إلى مزيد من المشاورات».

 


وبعد حل العقدة الأساسية المتعلقة بحقيبة تيار المردة، عاد الحديث أمس عن أن هناك من يريد تأخير ولادة الحكومة لتجنّب كأس قانون الانتخابات، وقطع الطريق أمام اعتماد النسبية الكاملة، والعودة إلى قانون الستين. آخر المعلومات عن أجواء الحكومة، أشارت إلى «وجود ضغط من قبل الرئيس نبيه برّي وحزب الله لتشكيل حكومة من 30 وزيراً». ونقلت مصادر مقربة من برّي حرص رئيس المجلس «ليس على تمثّل كل من طلال أرسلان والحزب القومي وسنّة الثامن من آذار فحسب، بل هو حريص أيضاً على مشاركة حزب الكتائب». ولفتت المصادر إلى أنه «خلال المفاوضات أظهر الرئيس عون انفتاحه على هذه الصيغة، خصوصاً أنه بعد تكليف الحريري اتُّفق على حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً».
غير أن الحريري شعر بأن هذه الصيغة ستُسهم في توسيع دور فريق 8 آذار في الحكومة، في مقابل خسارته وزيراً سنياً من حصّته، فعاد إلى خيار حكومة الـ 24 وزيراً. ونقلت أوساطه أنه «خلال زيارته الأخيرة لعين التينة، عبّر الحريري عن شعوره بأن الحكومة ستتأخر». وبعد زيارة الوزير علي حسن خليل لمنزل الحريري في وادي أبو جميل، أبدى الأخير انفتاحه على البحث في توسيع الحكومة. غير أنه تراجع مجدداً خلال زيارته لقصر بعبدا، وعاد للحديث عن تشكيلة من 24 وزيراً. وبعد نقاش مع الرئيس عون، أكد الأخير «تفضيله حكومة من 30 وزيراً لأنها تسمح بتمثيل جميع القوى». علماً أن الحكومة الثلاثينية تلقى رفضاً أيضاً من القوات اللبنانية التي تسعى إلى قطع الطريق على مشاركة الكتائب في الحكومة.
مصادر سياسية اعتبرت أن «هذه الصيغة على الرغم من إيجابيتها، فإنها تفتح الباب أمام عقد جديدة، خصوصاً أنها ستعيد البحث في توزيع الحقائب والأسماء من جديد، ما يعيدنا إلى المربع الأول»، مشيرة إلى أن «عون والحريري فوجئا ببعض الأسماء التي طرحها كل منهما». وكشفت المصادر عن «اعتراض قواتي ـــ مستقبلي على تولّي الوزير السابق يعقوب الصراف حقيبة الدفاع»، بحجّة أن «القوات تفضّل وزيراً تستطيع التفاهم معه» وأن «مشكلة الحريري مع الصّراف تعود إلى أيام والده الرئيس رفيق الحريري حين كان الصّراف محافظاً لبيروت»، فيما يرفض الوزير طلال أرسلان تسلم وزارة البيئة.
وبينما ذكرت قناة «أو. تي. في» ليلاً أن النائب وليد جنبلاط «وافق على أن تكون التربية من حصّته، وتراجع عن مطلبه بوزارة العدل»، علمت «الأخبار» أن جنبلاط مُصر على أن تكون وزارة العدل من حصّته، لأنه، بحسب مصادر الحزب الاشتراكي، «يعتبر أن هذه الوزارة تحمل صبغة سيادية، وتسمح للدروز بأن يكونوا ممثلين بحقيبة شبه سيادية». غير أن مصادر سياسية أشارت إلى أن «تمسّك جنبلاط بهذه الوزارة له اعتبارات أخرى تتعلق بقضية بهيج أبو حمزة». مصادر نيابية في التيار الوطني الحرّ قالت لـ «الأخبار» إن «رئيس الجمهورية يريد العدل، لكنّه لا يمانع التنازل عنها إذا بقيت العقدة الوحيدة لتسهيل عملية التأليف».
وفي سياق مسار البحث في التوصل إلى قانون انتخاب جديد الذي أطلقه التيار الوطني الحر، زار وفد ضم النواب آلان عون وزياد أسود ووليد خوري، الوزير سليمان فرنجية والنائب وليد جنبلاط والحزب القومي والطاشناق. مصادر التيار أكدت أن نتائج الجولة الأولى أظهرت وجود «معارضة كبيرة للنسبية الكاملة من قبل الحريري، ومعارضة بدرجة أقل من قبل جنبلاط». وفيما أكد عون بعد لقائه فرنجية أن «التيار والمردة متفاهمان على النسبية الكاملة، وأن اللقاء تخلله كلام عن الشوائب التي تطاول العلاقة حالياً بين الطرفين»، لفتت مصادر اللقاء إلى أن «الحديث مع رئيس تيار المردة كان منفتحاً وإيجابياً»، معتبرة أنه «لقاء أول تأسيسي من شأنه أن يفتح ثغرة مهمة لعودة العلاقات بين بنشعي والرئيس عون». أما في ما يتعلّق بالزيارة إلى جنبلاط، فلفتت مصادر اللقاء إلى أن «الأخير عرض هواجسه، وتحدث عن المقاعد المسيحية في الشوف وعاليه، وكذلك المقاعد الدرزية». وقالت المصادر إن الحديث تركّز على أن «خسارة جنبلاط لأي مقعد في أي منطقة لا يمكن تعويضه في منطقة أخرى». وفيما لم يبد جنبلاط اعتراضاً كاملاً على النسبية «طلب من الوفد أن يكون هناك حرص على أحجام القوى الأساسية وحفظ تمثيل القوى الصغيرة». ويبقى الأهم بحسب مصادر الطرفين أن «اللقاء يفتح باباً على إمكانية تحالف انتخابي جدّي بينهما في جبل لبنان، بما يثبّت مصالحة الجبل». وفي اللقاء مع الحزب القومي «لم يجرِ التطرق إلى موضوع الحكومة، وكان هناك تفاهم ممتاز على النسبية الكاملة».