شد حبال أم رياح الشمال السوري عادت تضغط على تأليف الحكومة؟ وهل أن الأمور عادت إلى المربع الأوّل؟ ومن هي الجهة التي لا تريد إصدار المراسيم؟ ولماذا تصل المراسيم إلى لحظة إصدارها ثم تعود القهقرى إلى الوراء؟
جملة أسئلة مفتوحة على أسئلة إضافية، شغلت الأوساط الرسمية والسياسية، مع التأكيد أن العقد قيد الحلحلة، وأن إمكانية ولادة الحكومة «قبل الأعياد، وعلى الرغم من انها ستكون انتقالية هي متوقعة»، على حد تعبير رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، الذي على الرغم من مشاركته الحثيثة في محاولات توليد الحكومة، إلا انه في مكان ما، نحى منحى اخر في اقتراح فصل قانون الانتخاب عن تأليف الحكومة، ربما لأنه يعي اكثر من سواه أن ولادة الحكومة، وإن كانت ولادة قيصرية، ولادة صعبة.
ومن التعليقات الأولى على الأجواء التي تمخض عنها لقاء الساعة وعشر دقائق، وهو الخامس من نوعه بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري في بعبدا، يستفاد أن الحكومة عالقة بين شباك الاوزان والأحجام والثلث المعطل الضمني، وذيول انتخابات الرئاسة، وكيفية التمثيل المسيحي في حكومة تصريف الأعمال، فضلاً عن تقاسم السلطة عبر الحكومة بين فريقي 14 و8 آذار وبينهما الرئيس عون وتياره، فماذا في التفاصيل؟
الرئيس الحريري أوجز الموقف بعد مغادرته القصر الجمهوري رافضاً تحديد موعد لاعلان الحكومة، ومكتفياً بالقول: «ان الأمور لا تزال بحاجة إلى المزيد من المشاورات».
وفي معلومات «اللواء» انه في إطار هذه المشاورات، التقى وزير المال علي حسن خليل مع مدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري للتباحث بما آلت إليه الاتصالات حول الحكومة، كما التقى نادر الحريري الوزير باسيل في محاولة لاحتواء ذيول شد الحبال الحاصل.
الولادة المتعثرة
وإذا كان اليوم السياسي الذي كان من المتوقع أن يكون يوم ولادة الحكومة، بدأ مع تغريدة النائب وليد جنبلاط الذي أوفد النائب مروان حمادة والوزير وائل أبو فاعور إلى «بيت الوسط»، قبل صعود الرئيس الحريري إلى بعبدا، واللذان لمسا أن الرئيس المكلف متفائل بولادة الحكومة.
ووصف نائب تغريدة جنبلاط بأنها «شد حبال» يعبر عن وضعية التنازع على الحقائب. وجاء في التغريدة أن «العدلية تتطلب زنوداً خاصة تراعي مثلاً المواصلات غير الشرعية والتهريب الموضوعي، لذا لا نرغب بالمس بالأمن القومي الخاص ولا الاقتصاد الموازي».
وعلمت «اللواء» أن حمادة وأبو فاعور نقلا رغبة جنبلاط بأن تسند إلى اللقاء الديمقراطي حقيبة التربية بدل العدلية.
وفي الروايات أن اقتراح اسم الوزير الارثوذكسي السابق يعقوب الصرّاف لتولي حقيبة الدفاع سمم الأجواء، ذلك أن الاتفاق بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» كان يقضي بأن يختار الطرفان اسماً واحداً لهذه الحقيبة، على غرار تجربة الوزير مروان شربل في الداخلية.
وفي المعلومات أن «القوات اللبنانية» تعترض على الصراف، كذلك الرئيس المكلف، في حين كشف أحد الوزراء انه في حدود معلوماته أن الإدارة الأميركية لا يمكنها أن تتعامل مع وزير دفاع من نوع الصرّاف على ارتباط قوي، سواء بالرئيس الأسبق اميل لحود أو حليفه «حزب الله».
ومن المستجدات على الصعيد الحكومي، مطالبة رئيس الكتائب سامي الجميل بحقيبة يتولاها هو شخصياً، تردّد انه يفضل أن تكون وزارة الصناعة التي كان على رأسها شقيقه الشهيد بيار، والتي لا تزال وفق التوزيعة الحالية من حصة «حزب الله».
وتضيف إحدى الروايات أن «حزب الله» وحركة «امل» يطمحان إلى وزارة من 30 وزيراً ليتسنى لهما تمثيل حلفائهما في 8 آذار، من «القومي» إلى الأمير طلال أرسلان وسنة 8 آذار.
وكشف مصدر متابع أن كتلة «البعث» النيابية ستطالب بدءاً من اليوم بأن تتمثل في الحكومة بوزير.
ومن الصعوبات المستجدة انه طرح على الرئيس نبيه برّي ان يكون اثنان من الوزراء الشيعة وزراء دولة، وهو الأمر الذي لم يرضى به، كما ان الرئيس برّي يرفض ان يتمثل الحزب القومي بوزير شيعي.
صيغة الـ30
ونفت مصادر معنية بتأليف الحكومة ان تكون العملية قد تعقدت بمعنى العقد، لكنها اشارت إلى ان صيغة الـ30 وزيراً هي التي عطّلت الولادة، باعتبار انها تحتاج الي إعادة تكييف الواقع مع الإمكانات، في ضوء مطالبة جميع القوى التي يفترض ان تتمثل في هذه الصيغة بحقائب بدلاً من وزراء دولة، بحسب ما كان مأمولاً لدى السير بهذه الصيغة.
وقالت ان هذه المطالب تنسحب على جميع هذه القوى بمن فيهم المير طلال أرسلان والحزب القومي وحزب الكتائب الذي أعلن صراحة انه يرفض ان يتمثل بوزير دولة.
وكشفت بأن الصيغة الجديدة تحتاج إلى إعادة توزيع الحقائب بعدما خربطت التوازن الذي وفرته صيغة الـ24 التي ما يزال الرئيس المكلف يتحمس لها، لكنه أعاد طرح المسألة على الرئيس عون بناءً على إلحاح الرئيس برّي الذي يريد ان يتمثل الجميع.
ونفت المصادر ان تكون المشكلة في الأسماء، حسب ما تردّد بل في توزيع الحقائب والحصص وإعادة بناء توازن جديد بين جميع مكونات الحكومة.
ولفتت المصادر السياسية من جانبها إلى ان هذه المطالبات توزعت بين إضافة وزراء من طوائف معينة وخلط الحقائب، الأمر الذي فرّمل الاندفاعة نحو إعلان تشكيل حكومة كانت على قاب قوسين من الإعلان، مؤكدة ان الرئيس عون لم يرفض أي صيغة، لكنه ركز على ضرورة اجراء المزيد من المشاورات.
وكشفت ان الرئيس المكلف رفع إلى رئيس الجمهورية أمس صيغة من 24 وزيراً، عُمِل عليها بعد مساعٍ حثيثة بذلت، مرفقة بمطالب الأطراف التي استجدت ومنها تحديداً مطلب الرئيس برّي ان تكون الحكومة من 30 وزيراً.
وأوضحت انه رغم انه لم تسجل ممانعة في موضوع زيادة الووزراء، إذا كانت الحكومة ثلاثية، لكنها لاحظت ان مطالبة بإعادة توزيع الحقائب الوزارية، تستدعي إعادة البحث في التوازنات، وازاء ذلك كان الاتفاق بين الرئيسين عون والحريري على الافساح في المجال امام المزيد من المشاورات، ما قد يؤخر ولادة الحكومة لساعات أو أيام، من دون القول ان الأمور عادت إلى نقطة الصفر، خاصة وأن هناك من المعنيين من يريد المس بما تمّ الاتفاق عليه في توزيع الحقائب.
اما الرئيس بري الذي «يستعجل» التشكيل «الذي كان يجب ان يتم منذ الثالثة من بعد ظهر امس الاول،على حد تعبيره، فقد كرر في لقاء الأربعاء النيابي القول «انه لم يعد من مبرر لتأخير التشكيل وإصدار مراسيم الحكومة بعد ان جرى تجاوز العقد في توزيع الحقائب»، لافتاً الى «اننا وفينا بوعدنا وقدمنا كل التسهيلات والمؤازرة لتأليف الحكومة»، متوقعاً «الا يأخذ البيان الحكومي وقتاً طويلاً»، غامزاً من قناة «التيار الوطني الحر» بتأكيده «ان اكثر شيئ ننسجم حوله معه هو قانون الإنتخابات النيابية، بل ان هناك تطابقاً في الرأي بيننا حول صيغ عديدة تعتمد النسبية».
كسر جليد بين التيار و«المردة»
وبالنسبة إلى قانون الانتخاب، واصل «التيار الوطني الحر» جولاته على القيادات والمرجعيات السياسية في محاولة للتوصل إلى تفاهم على صيغة جديدة، يفتتح به العهد العوني سجل «إنجازاته». وفي محطة طال انتظارها، زار وفد يضم النواب آلان عون، وليد الخوري وزياد اسود رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية في بنشعي، في حضور نجله طوني فرنجية والوزيرالسابق يوسف سعادة، في اول لقاء بين الطرفين منذ اجتماعي فرنجية مع الرئيس ميشال عون في الرابية في 9 كانون الأول 2015، ومع وزير الخارجية جبران باسيل في البترون العام الماضي ايضا. وبعد اللقاء اكد عون ان «التيار الوطني الحر» و»المردة» يلتقيان على قانون النسبية، مشيراً الى قواسم مشتركة كثيرة بيننا وبين «المردة». وشدد على «ان صفحة رئاسة الجمهورية طويت»، جازماً «بأن لا نيّة لدى «التيار الوطني الحر» في إلغاء احد». وزار وفد اخر من التكتل ضم النواب ابراهيم كنعان وغسان مخيبر وناجي غاريوس ونعمة الله ابي نصر كتلة الحزب «السوري القومي الاجتماعي»، وقيادة حزب «الطاشناق»، والنائب جنبلاط مساءً في كليمنصو.
وفي السياق، أعلن الوزير باسيل في مقابلة مع تلفزيون «الميادين» ان أوّل دولة سيزورها الرئيس عون هي السعودية لأن العلاقة بين البلدين بحاجة إلى تطبيع، مشيراً إلى ان الرئيس عون لا يحتاج إلى اذن أو ضوء أخضر من أحد عندما يُقرّر زيارة أي بلد، موضحاً ان رئيس الجمهورية هو حليف كل اللبنانيين، وأن «التيار الوطني الحر» هو حليف «حزب الله» على رأس السطح.