لم تكن "القفزة" المباغتة من تركيبة الـ24 وزيراً التي انجزها تقريباً الرئيس المكلف سعد الحريري الى التركيبة الثلاثينية مجرد ترجمة لرغبات في توسيع التمثيل السياسي وضم جميع القوى الحزبية الى جنة الحكومة العتيدة التي لا يفترض ان تعمر الى ما بعد الربيع المقبل. وحتى لو أمكن تجاوز العقبات والارباكات الاضافية الطارئة التي أملاها انتقال المشاورات الجارية من التركيبة الاولى الى الثانية بسرعة، فان ذلك لن يحجب اتجاهاً سياسياً واضحاً الى احلال توازنات يراد لها ان تشكل "ثلثاً ضامناً" أو معطلاً ضمنياً مهما أسبغ من تبريرات على فلسفة توسيع التمثيل التي يتعامل معها الرئيس المكلف بمرونة واحتواء لئلا تتعرض عملية التأليف لما يتجاوز التأخير الذي يكاد يشارف الخطوط الحمر لسريان مهل قانون الانتخاب النافذ اذا تجاوز مطلع السنة الجديدة.
وأبلغت مصادر متابعة لتشكيل الحكومة "النهار" ان صيغة الـ30 وزيراً التي صارت هي الاساس في التعامل مع مستجدات التأليف، فرضت معطى جديدا ينطلق من المعادلة الاتية:"التوسيع يقضي بإعادة التوزيع". وقالت هذه المصادر إن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليس راضياً عن الطريقة التي يتم فيها إخراج الامور وهو في إطار صلاحياته الدستورية يعبّر عن موقفه هذا. واوضحت ان ما تبقى من هذا الاسبوع مع الاسبوع المقبل سيكون مكرساً لمحاولة تركيب قواعد التأليف على أساس الصيغة الثلاثينية,وهي قد تكون الفرصة الاخيرة لإنجاز تشكيل الحكومة قبل الاعياد بدءاً من نهاية الاسبوع المقبل, وإلا فإن التشكيل سيذهب الى اوائل السنة الجديدة مما يدخل البلاد في منعطف غير واضح المعالم. ومع ان أوساطاً محسوبة على العهد تحدثت ليلاً عن امكان ولادة الحكومة بتركيبتها الثلاثينية اليوم بعد اخفاق المحاولة المتقدمة لولادتها أمس، برزت تحفظات سياسية واسعة لدى جهات معنية اخرى عن تحديد أي موعد جديد قبل جلاء الملابسات التي برزت أمس والتي واكبها طرح اسماء بعض المستوزرين التي تثير الجدل نظراً الى ارتباطهم بحقب سابقة.
واللافت في هذا السياق ان كل المعطيات من عين التينة الى الضاحية الى "بيت الوسط" كانت تشير الى ان ولادة الحكومة ستحصل امس وانه حتى في حال عدم توسيعها الى ثلاثين فان ذلك لن يشكل عقبة امام ولادتها.
وفي" بيت الوسط" وضع الرئيس الحريري اللمسات الأخيرة على تشكيلة من ٢٤ وزيراً وترك لرئيس الجمهورية ان يوسعها معه الى ثلاثين بعدما وزع الحصص مع الاسماء وعالج النقطة الاخيرة مع وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي ضم النائب مروان حمادة والوزير وائل بو فاعور بعدم ممانعتهما في المبادلة بين العدل والتربية.
وكانت كل المعطيات في "بيت الوسط" تؤكد ان ولادة الحكومة ستحصل امس سواء ارتأى رئيس الجمهورية ان تكون من 24 وزيراً او من 30.
ولكن قبل وصول الحريري الى قصر بعبدا بعد الظهر، سبقته مؤشرات سلبية لعدم التوصل الى اتفاق على حكومة الثلاثين. وعلم ان الرئيس العماد عون رفض صيغة الثلاثين على رغم انفتاح الحريري عليها.
واشارت معلومات الى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان أوفد معاونه علي حسن خليل الى الحريري طالباً توسيع الحكومة الى ٣٠ وحصول الطائفة الشيعية على خمس حقائب بدلاً من أربع هي، الى المال، الزراعة والاقتصاد لـ"أمل" والصناعة والشباب والرياضة لـ"حزب الله " بالاضافة الى وزير دولة.
وكانت المعطيات تشير الى ان الحريري لم يعارض فكرة الثلاثين على ان يكون توسيع الحكومة بزيادة وزراء دولة بما لا يثير مشكلة، لكن زيادة الحقائب هي المشكلة وتعيد عملية التأليف الى المربع الاول.
إلا أن الرئيس الحريري الذي لم يحمل بيده شيئاً الى قصر بعبداً، انصرف مكتفياً بالقول: "الحكومة تحتاج الى مزيد من التشاور"، فيما نقل سياسيون عن الرئيس بري قوله قبل وصول الحريري الى بعبدا: "اذا كان يحمل تشكيلة الـ ٢٤ فأنا لست معنياً بها".
أما "القوات اللبنانية"، فقد ابتعدت امس عن السمع ونأت بنفسها عن مخاض الساعات الاخيرة وهي التي توقعت مصادرها "ان توضع في اللحظة الاخيرة عقبة امام ولادة الحكومة من الفريق الآخر الذي لا يريد اعطاء حكومة، وكلما حلت عقدة أوجد اخرى".
ولم تقتصر الشكوك على "القوات" بل ان جهات سياسية اخرى لفتت الى ان توسيع التركيبة الحكومية واكبه طرح اسماء جديدة مثل يعقوب الصراف لوزارة الدفاع الذي تردد انه أثار اشكالات.
"المستقبل"
ورأس الحريري مساء الاجتماع الاول للمكتب السياسي لـ"تيار المستقبل " بعد مؤتمره العام الثاني. وبعد مداخلات وللأعضاء استمرت ساعتين وشملت شؤونا تنظيمية وسياسية، خلص المكتب السياسي إلى "أن ما تشهده حلب على يد نظام الأسد والنظامين الإيراني والروسي هو نكبة توازي بفظاعتها هول النكبة التي شهدتها فلسطين المحتلة على يد العدو الإسرائيلي". واستنكر بشدة "وقوف العالم بأسره في موقع المتفرج على المأساة السورية المستمرة منذ سنوات، وضمنها جريمة العصر بحق حلب وأهلها اليوم، بما يشكل وصمة عار تلطخ جبين الأمم المتحدة وكل الدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان".
ثم تطرق المكتب السياسي إلى تطورات تشكيل الحكومة العتيدة، وأكد "مواكبة جهود الرئيس الحريري لتذليل الصعوبات التي ما زالت تعترض ولادة حكومة الوفاق الوطني التي ينتظرها كل اللبنانيين، للعمل على أولوياتهم، وتزخيم انطلاقة العهد الجديد".