مرة أخرى، تتعثر ولادة الحكومة في اللحظات الأخيرة، وتتسلل شياطين التفاصيل الى الحقائب الجوّالة وعدد الوزراء المتأرجح بين 24 و30، حتى أصبح اللبنانيون ينامون مساءً على حكومة ويستيقظون صباحا على أخرى، وكأنهم أمام حقل تجارب.
وفيما كان مقررا أن يحمل اللقاء بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري تباشير التأليف، خرج الرئيس المكلف من قصر بعبدا أمس ليبلغ الصحافيين أن التشكيلة الوزارية لا تزال تحتاج الى مزيد من المشاورات، بينما كان كل من الوزير جبران باسيل ونادر الحريري يتابعان من كواليس القصر الجمهوري الاتصالات والمشاورات.
ويبدو أن صيغة الـ30 وزيرا، التي ارتفعت أسهمها أمس الاول، واجهت صعوبات تتصل برفض بعض القوى التمثل بوزراء دولة، وفق القاعدة التي حملها معه الحريري الى عون، وقوامها 24 وزيرا مع حقائب +6 وزراء دولة، منطلقا في هذا الفرز من حجة أن إعادة فتح ملف توزيع الحقائب سيخلط الأمور مجددا.
ومن بين أبرز المعترضين الرئيس نبيه بري الذي يرفض أن يحصل على وزير دولة ثان، يضاف الى ذاك المدرج ضمن حصته في تشكيلة الـ24 التي اعترضتها إشكالية درزية مستجدة استدعت زيارة مروان حمادة ووائل ابو فاعور الى بيت الوسط بإسناد من تغريدة صباحية للنائب وليد جنبلاط، لم تخل من الرسائل المتعددة الاتجاهات. كما أن الفيتو القواتي على منح يعقوب الصراف حقيبة «الدفاع» ساهم في فرملة اندفاعة التشكيل، علما أن «القوات اللبنانية» تفترض أن تنازلها عن حقيبة سيادية تم على أساس أن يجري اختيار اسم وزير الدفاع بالتوافق معها.
والحريري من جهته ليس متحمسا كثيراً للصيغة الموسعة وإن يكن يتفادى المجاهرة برفضها، فيما تعارضها «القوات»، خلافا لرأي الرئيس نبيه بري و«حزب الله» اللذين يدفعان في اتجاه توسيع الحكومة لتضم المستبعدين من «جزيرة الـ24 « وهم بشكل أساسي طلال ارسلان وأسعد حردان و «حزب الكتائب».
ويكمن فتور الحريري حيال خيار «التشكيلة الفضفاضة» في خشيته من أن يصبح محاطا في مجلس الوزراء بطلائع ثلث ضامن غير معلن، تشمل ممثلي «أمل» و«حزب الله» و«القومي» و«المردة» و«الديموقراطي اللبناني»، فيما مشروع الـ24 يسمح له بالتخفف من «الحمولة الزائدة» لفريق 8 آذار. لكن مشكلة الحريري مع هذه التركيبة أنها لا تتسع لـ«الكتائب» الذي كان قد وعده بتمثيله.
أما عون و«التيار الحر»، وإن كانا أقل تحسسا حيال الحكومة الثلاثينية، إلا أنهما يفضلان تجنبها إذا استطاعا ذلك، تفاديا للمساس بتوازن الأعداد والحقائب الذي أرسته معادلة الـ24، الى جانب أن إضافة الوزراء الستة الجدد لن تقدم ولن تؤخر كثيرا في حصة كل منهما.
ولعل الجهة الأشد اعتراضا على خيار التوسعة هي «القوات» التي تشعر بأن الهدف من ذلك «إغراق» الحكومة بمسيحيين من خصومها (أسعد حردان.. الكتائب.. وربما سليم جريصاتي، الى جانب يوسف فنيانوس ويعقوب الصراف..) الامر الذي من شأنه أن يفضي الى تكوين تكتل وزاري مسيحي وازن معارض لها. كما أن الحريري يتحسس من توزير جريصاتي ربطا بدوره المضاد للاتجاه الذي تسلكه المحكمة الدولية.
وأبلغت مصادر مواكبة لمخاض التأليف «السفير» أن لكل من صيغتي الـ24 و30 وزيرا، سلبياتها وإيجابياتها، لافتة الانتباه الى أن تشكيلة الـ24 شبه جاهزة، لكن نقطة ضعفها تتمثل في عدم اتساعها لـ «الكتائب» و«القومي» وارسلان، وسط إصرار من «أمل» و«حزب الله» على تمثيل حليفيهما، كما أن «تيار المردة» يفضل وجود «الكتائب» في الحكومة برغم الخلاف السياسي بينهما، منعا لطغيان ثنائية «التيار الحر»- «القوات اللبنانية» على التمثيل المسيحي.
وأشارت المصادر الى أن التركيبة الموسعة تسمح بضم الجميع إلا أن من شانها أن تعيد خلط الاوراق والتوازنات التي سيحتاج ترتيبها من جديد الى وقت إضافي، فيما هناك حاجة ملحة الى الاسراع في التشكيل، على وقع المهل الزمنية الداهمة، خصوصا بالنسبة الى قانون الانتخاب.
ولفتت المصادر الانتباه الى أن اقتراح زيادة العدد دفعت البعض تلقائيا الى فتح الباب أمام مطالب جديدة، لأن من كانت حصته في حكومة الـ24 حقيبتين ستصبح حصته في حكومة الـ30 ثلاثة وزراء، الأمر الذي يعني العودة الى نقطة الصفر في مسألة توزيع الحصص وتحديد الاحجام.
وأوضحت المصادر أن بري أبلغ الحريري أنه مصرّ على أن تكون الحكومة ثلاثينية حتى تكتسب هوية الوحدة الوطنية، وأنه يرفض تغطية معادلة الـ24 الى حد الامتناع عن المشاركة فيها.
وكان الحريري قد ترأس أمس، في «بيت الوسط»، الاجتماع الأول للمكتب السياسي الجديد في «تيار المستقبل».
وأكد المكتب السياسي مواكبة جهود الحريري لتذليل الصعوبات التي لا تزال تعترض ولادة حكومة الوفاق الوطني التي ينتظرها كل اللبنانيين، للعمل على أولوياتهم، وتزخيم انطلاقة العهد الجديد.

«التيار» - «المردة»
وفي انتظار طرد شياطين التفاصيل من جسم الحكومة، فُتحت أمس كوة في جدار الازمة بين «التيار الحر» و «المردة»، تمثلت في زيارة وفد برتقالي للنائب سليمان فرنجية في بنشعي، ضم النواب آلان عون وزياد اسود ووليد خوري، بحضور يوسف سعادة وطوني فرنجية، إنما من دون أن يعني هذا اللقاء أن ملف الخلاف طوي.
وقالت مصادر المجتمعين لـ «السفير» إن كلاً من فرنجية ووفد «التيار» أفاض في شرح مآخذه على سلوك الطرف الآخر خلال المرحلة السابقة وما رافقها من تجاذب رئاسي حادّ، وجرى التشديد على ضرورة تهدئة النبرة السياسية والخطاب الاعلامي، تمهيدا للانتقال الى مرحلة متقدمة من المعالجة.
وأكد النائب عون لـ «السفير» وجوب الخروج من الماضي وسلبياته والتطلع الى المستقبل، مشيرا الى أنه جرى البحث في ما يمكن فعله لإصلاح العلاقة بين «التيار» و «المردة». وأمل أن تكون الزيارة لبنشعي قد فتحت طريقا أمام تسوية الخلاف وتداعياته