أدت ثورة الإمام الخميني إلى هجرة الكثير من المسيحيين خصوصا بعد حرب الثماني سنوات مع العراق وصراع إيران مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث قادت توجهات الثورة الإسلامية نحو أسلمة المجتمع الإيراني أكثر من ثلثي مسيحيي إيران إلى الرحيل إلى الخارج بسبب ممارسات النظام الإيراني ورفضه للأقليات وحرية المعتقد. ورغم جهود النظام الإيراني لوقف انتشار الديانة المسيحية إلا أن حركة كبيرة لإقامة كنائس سرية آخذت في الازدياد يتزامن معها إقبال الإيرانيين على اعتناق المسيحية.
ويرى متابعون ومحللون للشأن الاجتماعي والسياسي في إيران أن أسلوب الحكومة الإيرانية وتصرفها غير المسؤول وتبنيها التشدد الإسلامي في كل كبيرة وصغيرة عجّل بانتشار ظاهرة التنصر في البلاد، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة اعتناق المسيحية في طهران في الفترة الأخيرة.
ولفت الكاتب الصحافي الإيراني، فرزين كارباسي، في تصريحات صحافية سابقة أن نظام الخميني “خلق ظاهرة هدامة تعمل ضد حقوق جميع أبناء الشعب بشكل عام وضد الأقليات القومية والدينية بشكل خاص”.
ويضيف أن “القمع هو السمة البارزة لهذا النظام، إذ يمارسه بشكل شامل ضد جميع أبناء الشعب من السنة والمسيحيين وغيرهم، ولم يسمح لهم بمزاولة طقوسهم ومناسكهم الدينية، حيث يعتبرهم جماعات منحرفة عن الدين الإسلامي، وكفارا وجواسيس”.
وكشفت قناة فوكس نيوز أن المئات من المواطنين الإيرانيين غيروا ديانتهم من الإسلام إلى المسيحية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث يتم تعميد أولئك الذين اختاروا المسيحية عقيدة لهم، في كنائس سرّية في منازل خاصة في جميع أنحاء إيران.
وذكرت إحدى المجموعات التي تروج للمسيحية في إيران باسم "كنيسة إيلام"، أن أكثر من 200 شخص تم تعميدهم خلال شهر نوفمبر الماضي خلال مراسم دينية كبيرة في إحدى الكنائس السرّية في البلاد. وتحوّل المئات من المواطنين الإيرانيين من الإسلام إلى المسيحية، وحضر الكثير منهم في احتفالات كبيرة تمت إقامتها في الكنائس السرية التي تنعقد في منازل خاصة في جميع أنحاء البلاد الشهر الجاري.
وفي تصريح لموقع فوكس نيوز الإخباري، قال ماني عرفان، الرئيس التنفيذي ومؤسس “جمعية الإرشاد المسيحي” (سي.سي.أم)، التي تشارك في حركة الكنائس السرية الإيرانية لأكثر من عقدين من الزمن، إنه “ارتفاع مهول. إنهم في الغالب من الشباب”.
ويضيف عرفان أن “الكثير من سكان إيران من الشباب تعبوا من الحكم الديني القمعي للنظام، والذي غالبا ما شوه تعاليم الدين الإسلامي”، واصفا “أسباب التوجه نحو المسيحية بأشبه بثقافة مضادة، ثورة مضادة لثورة 1979 الإيرانية”. ويلاحظ خبراء أن اعتناق المسيحية ازداد بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، ويتوقع أنه بحلول عام 2020، سوف يصل عدد السكان المسيحيين في إيران إلى 7 ملايين شخص أو 10 في المئة من إجمالي عدد السكان.
ويرى متابعون أن ظاهرة تغيير الدين في إيران بدأت تتفاقم وأن معظم الذين يقبلون على الدين المسيحي هم من جيل الشباب، ورغم أن الحكومة الإيرانية اتخذت إجراءات قانونية مشددة لمواجهة هذه الظاهرة واعتقلت العشرات بتهمة التنصر في البلاد، إلا أن انشغالها بتدخلات خارجية بآليات طائفية وبراغماتية في شؤون المنطقة والتي خلفت الفوضى والانقسام حال دون تنفيذ خططها للحد من انتشار المسيحية في إيران، وهو ما انعكس على نظامها الداخلي المرتبك لتنامي رفض السياسة القمعية لنظام الفقيه.
واضطر الكثير من السكان المسيحيين في إيران إلى تلقي المواد والتعاليم الديانة المسيحية من الفضائيات والمنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي مثل تلغرام وإنستغرام وجميع خدمات العبادة في بيوت القساوسة ورجال الدين الآخرين.
وفي تصريح لموقع فوكس نيوز، قال ديفيد ييغنازار، وهو المدير التنفيذي لـ”كنيسة إيلام”، إن “الحكومة الإيرانية تقول إنها تجمعات غير قانونية بالأساس. وهم مجبرون على الالتقاء في هذه الكنائس المنزلية السرية التي يرى النظام أنها غير قانونية”.
ووفق مراقبين تعتبر إيران من أكثر الدول التي تضطهد المسيحيين في العالم، حيث تقوم بحملات اعتقال مستمرة نحوهم. كما أن أعدادا كبيرة من الكنائس في إيران موجودة تحت الأرض ويُطلق عليها اسم الكنائس غير المنظورة.
وأفادت الصحافة الألمانية أن 19 منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان ومنها الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في إيران، طالبت النظام الإيراني بوقف المضايقات على المواطنين الإيرانيين الذين غيروا ديانتهم إلى المسيحية حديثا، وعدم إيذائهم.
وأوضحت هذه المنظمات أن السلطات الإيرانية رفعت من مستوى مضايقاتها ضد الإيرانيين المسلمين الذين غيروا ديانتهم إلى المسيحية، بشكل كبير خلال الصيف الماضي، وأن السلطات الأمنية ألقت القبض على 79 ناشطا إيرانيا في مجال ترويج المسيحية خلال فترة أبريل إلى يوليو الماضي فقط.
وأشارت إلى أن وزارة المخابرات والأمن الإيرانية تستجوب بشكل يومي بعض الناشطين المسيحيين الإيرانيين، وأنها تطلب منهم تقارير عن أعمالهم اليومية، وأنها طردت بعضهم من وظائفهم. ووصف ماركوس روده، الخبير في الشؤون الإيرانية لدى منظمة “الأبواب المفتوحة”، في حديث سابق أدلى به لتلفزيون دوتشي ويله الألماني، وضع المسيحيين الإيرانيين بـ”المأساوي جدا”.
ولفت إلى أن وضع المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية أسوأ بكثير، بسبب تعرضهم “لمتابعة شديدة” من قبل السلطات الإيرانية، حيث يتم الزج بالكثير منهم في السجون، ويتعرضون للتعذيب أو للإعدام لأسباب واهية.
ومع زيادة عدد المسيحيين في إيران ومنذ عام 2012، يمنع النظام الإيراني تغيير ديانة المسلمين الإيرانيين إلى المسيحية في الكنائس الرسمية للبلاد، ومنذ ذلك الحين تكفلت الكنائس السرية بتعميد هؤلاء الإيرانيين لتحولهم إلى المسيحية.
العرب