بعد 53 سنة على مغادرته منصبه، يحاول أول رئيس للوزراء في إسرائيل ديفيد بن غوريون، أن يقارن بين مرحلة تأسيس دولة إسرائيل، وكيف استطاعوا تهجير السكان الأصليين والانتصار على الجيوش العربية في «حرب الاستقلال»، وما تلاها من حروب مع محيطها.. ومرحلة فوضى الربيع العربي. كيف لا وهو القائل إن قوة إسرائيل ليست بسلاحها النووي ولا بترسانتها العسكرية بل هي في تدمير مصر وسوريا والعراق؟!
فهو عندما يستهدف هذه الدول، يدرك جيدًا معنى المخاطر الاستراتيجية التي تشكلها العلاقة الطبيعية بين بغداد ودمشق، فبالنسبة لقادة إسرائيل هما تشكلان الرافعة لأي توازن استراتيجي معهم، فبنظر الباحثين الإسرائيليين تاريخيًا كان الترابط بينهما العائق الأكبر أمام كل الغزاة الذين حاولوا العبور من شرق المتوسط باتجاه بر الشام حتى مصر، فيؤكد بن غوريون هنا لمحدثه أن أول انتكاسة تعرضت لها الحملات الصليبية هي عندما أحكم السلطان نور الدين زنكي السيطرة على الممرات البرية بين حلب والموصل، ّسس لوقف الزحف ُ ثم وضع المدينتين تحت سلطته، فأمن ظهره، مما أتاح له حينها إرسال أحد قادته، وهو صلاح الدين الأيوبي، إلى القاهرة، ليضعها ضمن مثلث جغرافي، أ الصليبي على بلاد الشام، ومن ثم مّهد لفتح بيت المقدس. هنا يبتسم بن غوريون بخبث ويقول: «من حظ إسرائيل أن سوريا والعراق حكمهما البعث بعقلية عسكرية أقلوية استبدادية دمرت العراق، وهي الآن تدمر سوريا، ونحن نرى أن الغزاة يسيطرون على الطريق بين حلب والموصل من جديد، ويتحكمون ببر الشام، وعليه، لم يعد في العراق جيش يمكن أن يهددنا، أما الجيش السوري الذي واجهنا في الجولان، تغيرت بنيته بعد سنة 1975 ،ودخل لبنان بدل أن يقاوم في الجولان، وقام بمهمتين لم يقدر عليهما أحد؛ الأولى هزيمة الحركة الوطنية، والثانية ضرب المقاومة الفلسطينية.
يسأله محدثه: «وكأنك لا تشعر اليوم بأي خطر يهدد أمن إسرائيل؟» يرد بن غوريون: «منذ سنوات كانت منظمة (حزب الله) تشكل تهديدًا فعليًا لشمال إسرائيل، وكان جنرالاتنا مرتبكين في التعامل مع صواريخ هذه المنظمة، فقبل 5 سنوات كان جنود (حزب الله) الذين يتقنون محاربة إسرائيل فقط على بعد 140 كلم من القدس.
أما اليوم، فهم في حلب وإدلب وحمص، يحاربون إخوتهم في العروبة والعقيدة على بعد آلاف الكيلومترات من حدودنا، ولم يعد زعيمهم يحظى بتلك الشعبية العربية والإسلامية بعد أن خسر رصيده في حرب أهلية سورية تأخذ طابعًا مذهبيًا بين السنّة والشيعة، والأهم أن (حزب الله) اليوم ممنوع من الرد على الضربات التي يوجهها له الطيران الإسرائيلي، وذلك بأمر من أصدقائنا الروس، الذين حددوا نطاق وجوده في سوريا في إطار حماية حكم الأسد الذي لا يزعجنا وجوده في السلطة!
فقد أمن النظام و اقعا مريحا في الجولان يعجز أن يقيمة أي حاكم آخر في دمشق، خصوصا أنه لا ينتمي للأغلبية التي تشكل عمقا تاريخيًا للأغلبية الفلسطينية. ومحاولاته فقد أمن هذا النظام واقعًا مري ًحا في الجولان يعجز أن يقيمه أي حاكم آخر في دمشق، خصو ًصا أنه لا ينتمي للأغلبية التي تشكل عمقً تثبيت حكم الأقلية عبر حلفائه في طهران، تس ِّهل على إسرائيل المطالبة بدولة يهودية، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة فشل الأنظمة العربية في التأسيس لدولة وطنية ديمقراطية، والجميع بات يطالب بدويلات مستقلة على أساس عرقي وطائفي.
في سبيل ذلك، يبحث كل طرف عما يعزز روايته التاريخية بأحقيته في المكان، ولكن...»، يقول بن غوريون: «ما أستغربه أنه عندما قام بعض الباحثين التاريخيين في إسرائيل بمحاولات تثبيت يهودية القدس، قامت الدنيا ولم تقعد، على الرغم من أننا لم نهدمها، فجل ما قمنا به أنه بحثنا عن آثار أجدادنا فتم طردنا من منظمة (اليونيسكو)!
والمفارقة أن العالم يشهد تدمير حلب وقبلها حمص، وهما من أعظم الحواضر التاريخية على يد الأسد دون أي اعتراض من أحد، لا، بل أكثر من ذلك، يحاول بعض الأوروبيين المعادين للسامية تحميل دولة إسرائيل مسؤولية ما قامت به جماعات (الهاغانا) فيما يصفونه بالمجازر ضد العرب في دير ياسين وكفر قاسم، وهل يمكن بعد الآن ِهمنا بطردهم من أراضينا بحق العودة من الأمم المتحدة، بينما طرد أكثر من 8 مقارنة ذلك بما يجري حاليًا من مجازر في سوريا؟! والأكثر من ذلك: لقد حصل العرب الذين اتُّ ملايين سوري ومليون عراقي من قراهم ومدنهم دون أن يتحرك مجلس الأمن، كما أن العرب الذين يعيشون الآن في إسرائيل لديهم أغلب الحقوق التي يحصل عليها الإسرائيلي، بينما يعيش من تبقى من السوريين في بلادهم تحت الترهيب والإذعان، لذلك الآن بات المطلوب أن يتوقف حديث العالم عن الاستيطان وهو يغض الطرف عن أوسع عملية تحول ديموغرافي في هذا القرن»!
ويختم بن غوريون حديثه بالقول: «إسرائيل أصبحت أقل عنفًا بنظر محيطها، وعليك أن تنتبه إلى موقف المواطنين العربي الإيجابي من كلام مندوبنا لدى الأمم المتحدة في رده على مندوب الأسد، فإسرائيل اليوم أكثر أمنًا».