الحكومة لم تولد، الحكومة لن تولد، الحكومة ستولد... على هذه الأرجحية يدور إيقاع البلد، مع تساؤلات كثيرة عمّا يؤخّر ولادة الجنين الحكومي، خصوصاً أنّ الأجواء يقال عنها إنّها «إيجابية»، وبالتالي الولادة سريعة. لكنّ الاتصالات واللقاءات نشَطت مساء أمس لاستعجال تأليف الحكومة، وعلمت «الجمهورية» أنّ اتّفاقاً نهائياً حصَل على الحكومة التي ستبصر النور خلال ساعات بعدما أعدّ الحريري التشكيلة الوزارية في صيغتها النهائية تاركاً اللمسات الأخيرة عليها لاجتماعه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وبدا أنّ الاتّجاه تبدّلَ نحو حكومة ثلاثينية لتحقيق أوسعِ تمثيل للقوى السياسية، وذلك بعدما كانت قد راجت خلال النهار معلومات عن حكومة تضمّ 24 وزيراً.
وعلى رغم هذه الإيجابيات، التي أعقبَت انحسار موجة التفاؤل التي اجتاحت الاجواء السياسية في الساعات الماضية، ابدى بعض المراقبين حذرَهم، مؤكّدين انّه لا يمكن حتى الآن التكهّن بمسار الامور، لأنّ الغموض ما زال يكتنف الاسباب الحقيقية لتأخير ولادة الحكومة، بعدما كانت الساعات الـ 24 الماضية قد شهدت اجواءً ايجابية أوحَت بأنّ الحكومة باتت قابَ قوسين او ادنى من الإعلان، علماً انّ المراجع السياسية، ولا سيّما منها المعنية بالملف الحكومي، حضّرَت نفسَها في هذه الفترة لمواكبة الولادة السعيدة، إلّا انّها أُصيبت بالخيبة جرّاء التأخير غير المبرّر حتى الآن.

وتوقّفت اوساط مواكبة لمشاورات التأليف عند الاضطراب في بورصة التفاؤل والتشاؤم، ودعت عبر «الجمهورية» الى عدم الإفراط في التفاؤل كثيراً لأنه يتبيّن يوماً بعد يوم، انّ عقَد الحقائب المعلنة تخفي وراءها عقَد المواقف السياسية التي هي السبب الاساسي وراءَ، ليس تعثّرِ التأليف فقط، وإنّما ايضاً انطلاقة العهد الجديد.

فكلّ من القوى السياسية في البلد هي قوى طائفية او تمثّل الطوائف، وتسعى للتموضع والاصطفاف في بدايات العهد، فالبعض يريد الاحتضان والبعض الآخر يريد الاستيعاب والثالث يريد الهيمنة والامتلاك، وهذه امورٌ يرفضها الرئيس الجديد لأنّه يَعتبر نفسه رئيساً قوياً وليس رئيساً ضعيفاً».

وأضافت هذه الاوساط أنّ «التطورات الايجابية التي حصلت في الساعات الثماني والاربعين الماضية تبيّن انّ إيجابيتها كانت في الشكل، لكن في المضمون كانت محاولة التفاف على مرجعية تأليف الحكومة الموزّعة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. وهذا الأمر بَرز في التشدّد الذي أبدياه حيال محاولة اقتناص الصلاحيات». وتوقّعت «أن تجري اليوم محاولات للالتفاف على محاولة الالتفاف، علّها تؤدي الى إخراج التشكيلة الحكومية من عنق الزجاجة».

وكان لافتاً مساء أمس أنّ محطة «او. تي. في» التابعة لـ«التيار الوطني الحر» حمّلت رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية المسؤولية عن إحباط إعلان ولادة الحكومة، إذ قالت في مقدّمة نشرتها الإخبارية، إنّ التقدم الذي تَحقّق على الصعيد الحكومي، من خلال المسعى الذي قام به رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أطاحَ به فرنجية «من خلال تعاطيه في بكركي وعين التينة، خلافاً لِما كان متّفَقاً عليه في الصرح البطريركي وفي مقر الرئاسة الثانية من قبلِه، ما أدّى إلى تعقيدات تتمّ معالجتُها لتصحيح الوضع».

وقال أحد السياسيين لـ«الجمهورية» إنّ هذا الكلام يعني أمرَين: الاوّل، أنّ الرئاسة لا تقبل الالتفافَ عليها. والثاني أنّ مشاركة فرنجية غير محبّذة لدى البعض». وتساءل: «أيّ حكومة وحدة وطنية ستؤلّف بعد هذا التوتّر»؟

برّي

في هذا الوقت، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره امس: «منذ الساعة الثالثة بعد ظهر الاثنين أستطيع ان أؤكد انّه لم يعُد هناك ما يبرر التأخيرَ في إصدار مراسيم تشكيل الحكومة لأنّ كلّ فريق أخَذ «حصّتو وبزيادة» من حقائب سيادية او خدماتية او عادية».

وردّاً على سؤال هل هناك عراقيل جديدة، قال: «حتى الآن أنا لا اعرف شخصياً ما هو السبب الذي يؤخّر، وفي الحقيقة لا اعرف اين هي العقدة الآن، ويفترض ان لا تكون هناك عقَد».

وعن شكل الحكومة، قال برّي: «لم تُحسَم بعد ما إذا كانت 24 أو ثلاثين وزيراً، لكن في اجتماعي الأخير أنا والرئيسين ميشال عون وسعد الحريري اتّفقنا على التعجيل بالحكومة وأن تكون حكومة وحدة وطنية ومن ثلاثين وزيراً، وأن تصدر مراسيم تأليفها قبل الاستقلال، وحتى الآن ليس على حدّ عِلمي انّ هناك تراجعاً عن الثلاثين».

وردّاً على سؤال آخر، قال بري: «الحكومة هي حكومة وحدة وطنية، والتأليف يجب ان يراعي هذا العنوان وهذا المبدأ، وبالتالي اذا اردنا ان نذهب الى حكومة وحدة وطنية فيجب ان تتمثّل كلّ الاطراف، لأنّ عدم تمثيل هؤلاء او استثناء احد يُفرغها من عنوانها ومن مضمون الوحدة الوطنية».

وكرّر بري القول «إنّني أعطيت حقيبة الاشغال للنائب سليمان فرنجية من منطلق التسهيل».

رسالة دعم أميركية

وفي غمرة انهماك المسؤولين بترتيب التشكيلة الحكومية، تلقّى العهد الجديد رسالة دعمٍ اميركية، حمَلتها الى قصر بعبدا مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط السيّدة آن باترسون التي نَقلت الى رئيس الجمهورية رسالة شفوية من وزير الخارجية الاميركية جون كيري كرّر له فيها التهنئة بانتخابه رئيساً، مؤكّداً استعداد الولايات المتحدة الاميركية للاستمرار في دعمِ لبنان سياسياً وأمنياً ومالياً لتمكينه من مواجهة الاستحقاقات المرتقبة.

من جهتها، جدّدت باترسون استعداد بلادها لمواصلة الدعم للجيش اللبناني وتلبيةِ حاجاته، وأشادت بالدور الذي يلعبه في مكافحة الارهاب وتعزيز الاستقرار في البلاد.

وشدّد عون امام المسؤولة الاميركية على أنّ الارتياح الاقليمي والدولي الذي تَحقّق بعد الانتخابات الرئاسية، يعطي زخماً لمسيرة النهوض التي انطلقت والتي ستتعزّز بعد تشكيل الحكومة الجديدة قريباً. وأكد أنّ الجيش حقّق نجاحات كبيرة في العمليات الامنية الاستباقية التي يقوم بها في إطار حربه على الإرهاب.

وكانت باترسون قد زارت امس الرئيس المكلف سعد الحريري وقائد الجيش العماد جان قهوجي، على ان تجتمع ظهر اليوم مع وزير الخارجية جبران باسيل.

وكشفَت مصادر ديبلوماسية رافقَت زيارة المسؤولة الاميركية لـ«الجمهورية» انّ مهمّتها الأساسية كانت استطلاعية لاستكشاف التطورات في المنطقة على رغم انّ الإدارة الأميركية الحالية ستغادر «البيت الأبيض» والمواقع الأخرى مطلعَ السنة الجديدة، لكن توجّهاتها ستبقى على ما هي عليه في ظلّ الإدارة الأميركية الجديدة، وهي لا ترى تغييرات اساسية في خطوطها الاستراتيجية الكبرى في لبنان والمنطقة.

وقالت هذه المصادر إنّ ابرزَ ما توقّفت عنده باترسون في لقائها مع عون يمكن اختصاره بثلاثة عناوين اساسية:

- الأوّل، انّ كيري سيزور المنطقة الأسبوع المقبل وهي تحضّر له تقريراً مفصّلاً عن التطورات فيها بعدما طلبَ كيري منها زيارة بيروت لتحديد حاجات اللبنانيين في المجالات الحيوية على المستويات الإقتصادية والأمنية والسياسية، وأنّه مستعدّ لتشجيع دول الخليج العربي وحضّها على زيادة مساعدتها للبنان.

- الثاني، أن الولايات المتحدة تدرك الأعباء التي ألقَتها الأزمة السورية على لبنان نتيجة حجم النازحين الذين أرهقوا الإقتصاد الوطني والمجتمعات المضيفة، وأنّها ستواصل دعم لبنان وستحضّ الدول المانحة على زيادة المساعدات لتقاسم الكلفة مع اللبنانيين.

- الثالث، التركيز على الأوضاع الأمنية اللبنانية ودور الجيش والمؤسسات الأمنية في مواجهة المخاطر المحيطة بلبنان، سواء على الحدود او في الداخل. وستواصل الإدارة الأميركية عبر مكتب التعاون العسكري الأميركي مع الجيش اللبناني برامج الدعم العسكري للبنان.

وقد رغبَت الموفدة الأميركية بالاطلاع على توجّهات العهد الجديد على كلّ المستويات، خصوصاً الاقتصادية والأمنية وعلاقات لبنان الخارجية. وسمعَت من عون عرضاً مفصّلاً للخطط الإصلاحية التي يستعدّ لمقاربتها في الإدارة وفي كلّ المجالات الحيوية. كذلك تناولَ توجّهات العهد الجديد لاستعادة حضور لبنان في المنتديات العربية والإقليمة والدولية وخصوصاً مع العالم العربي، لافتاً إلى تلقّيه مجموعةَ دعوات من دول الخليج العربي، مؤكّداً أنه سيلبّيها قريباً لتعزيز كلّ أشكال التعاون معها.

قانون الانتخاب

وتزامنا مع الاهتمام بمسار التأليف، ظلّ قانون الانتخابات النيابية العتيد محورَ الحركة السياسية في ضوء اقتراب تساقط المهل.

وفي هذا السياق واصَل وفد تكتل «التغيير والاصلاح» جولاته على الكتل النيابية للبحث في إنتاج قانون جديد، فزار أمس «بيت الوسط» و«الصيفي» على أن يزور بنشعي في الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، وحزب الطاشناق بعد الظهر، و»اللقاء الديموقراطي» بعد غد الجمعة.

في هذا الوقت، رحّب رئيس مجلس النواب بحركة «التكتّل» «لأنّ من شأنها التعجيل في التوصل الى قانون انتخابي جديد، خصوصاً أنّ الوقت يضغط. وقال: «إنّ اللجنة التي يُفترض ان تنكبّ جدّياً على البحث في قانون الانتخاب يجب ان تحدّد لها مدة بأيام وليس أسابيع أو أكثر من ذلك، أو أيّ مدّة مفتوحة، لأنّ الوقت لم يعُد يتحمّل».

ملف العسكريين

على صعيد آخر، بدأ ملفّ العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» يتّخذ منحى جدّياً نحو حسمِ مصيرهم بعد تحديد مكان عدد الجثث عند الحدود اللبنانية ـ السورية.

وكشفَت مصادر في الأمن العام لـ«الجمهورية» أنّه أُجريَت بالفعل فحوص الـ DNA لأهالي العسكريين تحضيراً لمطابقتها مع فحوص DNA
للجثَث، وأنّ النتيجة ستحدّد خلال أيام.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الوسيط الذي كان قد تحدّث عنه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم منذ أيام ساعدَ على تحديد موقع تقريبيّ للجثث، وقد أكملَ الأمن العام المهمّة في عملية سيكشف عن تفاصيلها لاحقاً، ولا تداخل فيها مع أيّ جهة أخرى.