عندما أباح الخليفة يزيد بن أبي سفيان مدينة الرسول لجنوده من أهل الشام لمدة ثلاثة أيام، عاثوا في المدينة قتلاً ونهباً وخراباً وسبياً واغتصاباً، حتى ذُكر بعد ذللك أنّ أكثر من ألف عذراء حملت سفاحاً بعد هذه المجزرة الرهيبة. لكن في تلك الأيام كانوا عرباً يذبحون عربًا، ومسلمون يستبيحون أعراض مسلمين، وكان الخليفة هو الآمر المطاع الذي يضرب بسيف الشرع، ومن يخرج عليه ينصبُّ عليه عذاب الدنيا والآخرة، وكانت البشرية في أيام يزيد واقعة تحت وطأة الحروب الدينية المقدّسة وبعض الأعراف والتعاليم التي تدعو للرحمة بالأسرى، تمهيداً لتجميعهم وبيعهم في أسواق النخاسة. وفي أيام يزيد لم يكن المسلمون قد توزّعوا فرقاً وشيعاً وأحزاباً كما هي حالهم اليوم، وكلّ حزبٍ بما لديهم فرحون، وفي أيام الخليفة المأفون لم تكن البشرية قد تطوّرت بما يكفي لإنشاء عصبة أمم، وبعد ذلك أممًا متحدة لنشر السلم وصيانة الاستقرار وسيادة الدول الأعضاء، وما يتفرّع عنها من مؤسساتٍ لعلّ أبرزها مجلس الأمن الدولي، الذي يهتم بحفظ الأمن العالمي ووقف الحروب والحدّ من انتشارها، ولم تكن البشرية قد توصّلت إلى إعلان حقوق الإنسان، وإنشاء المحاكم الجنائية الدولية لمحاكمة من يرتكب جرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. هذا وفي أيام يزيد كان من المحال الاستعانة بطائرات وأساطيل الكفّار لاستباحة مدينة إسلامية، ومع ذلك فقد حصر يزيد الاستباحة بثلاثة أيام، في حين أنّ بشار اليوم يستبيح حلب منذ أشهر عدة، بلا حسيبٍ أو رقيب؛ فالأمم المتحدة ما عادت متّحدة، ومجلس الأمن مهمّتهُ الرئيسية عرقلة صدور أي قرار بوقف إطلاق النار، والاتحاد الأوروبي لا حول ولا طول، وأميركا ما زالت تحت حكم أوباما الخائب، وروسيا (الاتحاد السوفيتي) والتي كانت قبلة أحرار العالم ومستضعفيه، تقوم بالأعمال الحاسمة في إبادة حلب وسكانها، ويبقى السؤال: على من تعوّل جماهير حلب المسحوقة والمشرّدة اليوم؟ على مجلس الأمن؟ على الجامعة العربية؟ على تيجان الملوك والرؤساء العرب؟ على الولي الفقيه؟ على السلطان أردوغان؟
لم يبق إلاّ ما قاله يوماً زياد الرحباني في إحدى أغنياته:
كنّا اتّكلنا عليكم. عدنا اتّكلنا عالله.