الإسلاميون لا يعرفون الجماليات الأدبية، وهذا ليس تقليلاً من أهميتهم بقدر ما هو إثبات نظر إلى أنّ ما اتفق على تسميته بـ”الصحوة الإسلامية” في هذه المرحلة، لم نجد أنّ ثمّة أدباءً كانوا رموزاً بهذه الصحوة، فهذه الصحوة لم تنتج أدباً.
وأكاد أقول: إن كان ثمة من أدبيات للصحوة الإسلامية التي يتحدثون عنها فهي تقل كثيراً عن طموحاتها وتطلعاتها والشعارات التي تطرحها وتطلب من خلالها أن تغيّر وجه المنطقة إن لم أقل وجه العالم.
فكيف يمكنك أن تغيّر دون أن تملك مادة التغيير وحسّ التغيير وادب التغيير… أعرف ما جديده وأعرف أعماقه وأعرف المدى البعيد الواعد للسيد هاني فحص وهو جاوز الستين والسبعين من عمره. وكثيراً مما يريد قوله لم يقله، بينما نجد أنّ ما قاله كثير إذا قورن بغيره من الكتاب والأدباء والشعراء ورجال الدين، نجد أنّه قال الكثير.
لكن أهم ما يمكن قوله وهو أمر خطير جداً على المستوى الأدبي والسياسي هو أنّ “الصحوة الإسلامية“، إذا صح أنّ هناك صحوة اسلامية في عصرنا الراهن، فإنّ السيد هاني هو الأفق الثقافي الأدبي لهذه الصحوة.. ذلك أنّ ما يمكن أن يحمل على هذه الصحوة من سلبيات هو أكثر بكثير مما يمكن أن يحمل عليها من إيجابيات. الصحوة الإسلامية ليست ثورة أناس أو ثورة كتاب أو شكلاً من أشكال الطموح في الحكم والسلطة والاستبداد. إنّها في جوهرها بداية تحوّل حقيقي في الرؤية الإنسانية المسلمة للعالم وللكون وللحياة وللمستقبل، إن لم تكن رؤية لنهضة حضارية جديدة بعد أن تجمدت الحضارة الإسلامية مدة أكثر من سبعة قرون، فإنّها ستكون خطوة إلى الوراء إن لم اقل قفزة إلى الوراء.
إن لم تكن الصحوة تحمل شعار تحرير العقل الإنساني المسلم ورؤيته للوجود والكون والحياة، إن لم تكن تحمل تلك الرحابة الهائلة التي يتطلبها اجتماعنا العربي والإسلامي الذي نشعر أنه يعيش في الأنفاق، إن لم تكن افتتاحاً لهذه العصر الجديد وتبشيراً لعصر الحرية التي كانت وما زالت منذ سبعة قرون مصادرة، ومصادرة بالسكين باسم الإسلام، الذي تصل الأمور فيه أن يطلق رموز الصحوة على كل ما هو جميل ورائع ومحبب في عالمنا… فكيف يطلقون عليه تهمة الكفر والبغي.
وهذا ليس بعيداً عما حصل قبل أيام عندما منع طلاب في الجامعة اللبنانية من أن ينطلق صوت فيروز في باحتها، واستدعى هذا الأمر موقفاً بالغ القسوة إن لم اقل شيئاً آخراً، ضد ما هو جمال وابداع وسمو ورقي، هذا ليس شيئاً من الصحوة الإسلامية، هذا شكل جديد من أشكال الرجوع للوراء.
أفترض بالفقيه والسيد هاني أن غلبت عليه صفة المفكر والأدبي أكثر ولكنه كان فقيهاً، الفقيه الذي لا يستطيع في عصرنا هذا أن ينتج المعادل الفقهي الموضوعي لطبيعة هذا العصر فهو ليس فقيها. كلكم تعنون ماذا تعني كلمة الفقه، كلمة الفقه هي الفهم والفقيه هو الفاهم، وبالتالي إذا كان السلف الصالح قدم نظرة سلبية لفن الموسيقى والغناء بالتالي يجب أن يعرف الفقيه لماذا قدم السلف الصالح هذه الرؤية السلبية لما يسمى بالغناء أو الموسيقى.
عصر الغناء والموسيقى نشأ في أواخر العصر الأموي وازدهر في العصر العباسي، فاقترنت الأغنية في هذا العصر بمجالس اللهو والغلوّ في الانحطاط الخلقي والبغي وفي كل ما من شأنه أن يكون بعيداً عن جوهر الإسلام والفكر والحضارة، أعني لأنّ الفنون كانت هي صناعة أهل المجون بشكل خاص. وتحريمها لم ينشأ من كونها فناً خالصاً ومن كونها إبداعاً أو شكلاً من اشكال الابداع الذي دعا إليه الله سبحانه وتعالى وهو بديع السماوات والأرض… وحرّمها فقهاء حتى لا تكون مدعاة لإقبال الناس على مجالس اللهو وكلّ اشكال البغي والإثم والعدوان.
كلّ ما هو جميل هو إسلامي، ولا يمكن اعتبار الإسلام عدواً للإبداع وللجمال سواء كان من الفنون التشكيلية أو غيرها من كل اشكال الفنون، يجب أن نعيد النظر في كل هذه الأمور التي ألوّح بها الآن لأنها متضمنة في أفكار السيد هاني فحص….
(مقتطفات من حديث السيد محمد حسن الأمين خلال ندوة حول السيد الراحل هاني فحص في معرض الكتاب الدولي)