بغض النظر عن النتائج الميدانية٬ التي يمكن أن تتمخض عنها معركة حلب٬ فإن المعركة تمثل حدث على النظام وحلفائه٬ ولا لأنها كلفت السوريين أكبر الخسائر البشرية والمادية٬ التي ترتبت على معركة واحدة٬ وليس لأنها أكدت أن السوريين لا صديق ولا نصير لهم في معركتهم من أجل الحرية والكرامة٬ بل إضافة لما سبق٬ كشفت عورات السوريين أمام أنفسهم٬ وهو أمر كان يجري الحديث فيه وعنه طوال سنوات ماضية٬ دون أن يصبح عا ًما وسائًدا في أوساط السوريين٬ ويطرح أسئلة٬ تتعلق بالماضي والحاضر٬ والأهم بالمستقبل٬ وما يمكن أن تتمخض عنه تطورات الصراع٬ وأغلبها أسئلة صار من المفترض الإجابة عليها٬ أو على الجوهري منها على الأقل.
أول الأسئلة وأهمها سؤال عما بعد حلب٬ وعما إذا كانت معركة حلب تفتح الباب باتجاه حل سياسي للقضية السورية٬ كما يقول البعض ومنهم الروس ٬ أم أن معركة حلب سوف تفتح الباب نحو معركة في إدلب وفق إطار الحل العسكري الذي يصر النظام وحلفاؤه من روس وإيرانيين على متابعته إلى النهاية٬ وأًيا تكن فواتير الحل العسكري التي سيدفعها السوريون من دماء أولادهم ودمار بلدهم؟
ثاني الأسئلة٬ لا يقل أهمية عما سبقه٬ ويتعلق بأداء المعارضة السورية السياسية والعسكرية في معركة حلب وقبلها٬ وإذا كان هذا الأداء سوف يستمر لاجقا سواء ذهبت المعارضة إلى مفاوضات في جنيف أو غيرها٬ أو أنها دخلت معركة إدلب المحتملة٬ وفي الحالتين٬ فإن المعارضة السياسية أو العسكرية٬ لن يكون بمقدورها فعل شيء مختلف٬ إذا بقيت في الوضع الذي كانت عليه قبل وأثناء معركة حلب لا سياسيا ولا عسكريا.
إن الأمر الجوهري في تطورات القضية السورية عبر سنواتها الماضية٬ هو تحول الثورة إلى السلاح الذي بدأ بـ”الحاجة” إلى حماية التظاهرات السلمية من عسف وإرهاب نظام الأسد وأجهزته العسكرية والأمنية٬ ثم امتد للدفاع عن حواضن الثورة بعد أن ولدت تشكيلات الجيش السوري الحر٬ وإلى جانبها أخذت تظهر تشكيلات مسلحة٬ ما لبثت أن أخذت وجه الإسلام السياسي٬ ورغبة في إقامة نظام إسلامي٬ وكلاهما كان يغطي نفسه بثورة الشعب الطامح إلى الحرية والكرامة لنهب ثورة الشعي.
لقد قادت تلك التطورات إلى أمرين٬ تصفية ظاهرة الجيش السوري الحر من جهة وتطييف الثورة بجعلها ثورة السنة٬ مما يعني تضييق حدود الثورة٬ بل إنها٬ شجعت في أمر ثالث على قتال “الإخوة” سواء المتعددي الاتجاهات٬ أو المنتمين إلى اتجاه واحد على نحو ما حصل مؤخرا في غوطة دمشق وفي إدلب وفي داخل حلب المحاصرة وفي قلب معركتها الراهنة٬ وكله ساهم في تدمير تجربة خروج السوريين من سيطرة النظام٬ وبدل أن تكون المدن والقرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة صورة لحلم السوريين بالحرية والكرامة٬ وقعت أسيرة سيطرة حملة السلاح٬ وأبشعهم كان المتطرفون الإرهابيون وأمراء الحرب
ولم تكن أخطاء وخطايا المسلحين وما ترتب عليها من ممارسات٬ هي الأخطر في معالم السنوات الماضية٬ إنما أخطاء وخطايا المعارضة السياسية٬ التي فرطت وتنازلت في أغلب الأحيان لأسباب متعددة ومعقدة عن دورها المفترض في خلق إطار سياسي موحد يقود أو ينسق مسار الثورة على الأقل. وكلاهما لم يضع برامج تخرج سوريا والسوريين من الكارثة٬ ودون أن يوفر إرادة حقيقية لتحقيق آمال السوريين المنتفضين.
خلاصات السنوات الماضية٬ تؤشر إلى المسار٬ إذا قررت المعارضة خلع رداء الأخطاء والخطايا في أن تذهب إلى وحدتها٬ وأن تنتقل إلى موقع القيادة المباشرة٬ وتخضع السلاح للقرار السياسي٬ وأن تلزم حملته بعلم الثورة وأهدافها في الحرية والعدالة والمساواة في دولة لكل مواطنيها٬ وأن تعلن وتسعى من أجل حل سياسي٬ يوفر ما أمكن من دماء السوريين ويوقف تدمير ما تبقى من قدراتهم الفردية والمجتمعية٬ وتوظف كل قدراتها وإمكانياتها وعلاقتها الإقليمية والدولية في خدمة قرار وطني مستقل.
وإذا كان من الصحيح قول٬ إن المعارضة لا تملك الكثير٬ فإن الأصح٬ أنها ستملك الأكثر٬ إذا وحدت صفوفها٬ وصوبت رؤيتها٬ ووفرت إرادة وبرنام ًجا سياسًيا وعملًيا قابلاً للقياس والتصويب٬ ومضت وفق رؤية وطنية٬ تخفف ما استطاعت من التدخلات الخارجية ومن ضغوط الأصدقاء والأعداء على حد سواء.