أعرفه جيّداً وتماماً، بمواصفاته وأشكاله وتجلّياته وأسمائه كلّها. هو لا يمكنه أن يهرب من رأسي. لا شيء، لا قوة، في مقدورهما أن يمحواه من ذاكرتي الروحية والعقلية، ولا من باصرتي العينية.
أعرفه من عينيه. من نظراته. من يديه. من ثيابه. من الخدش الجريح الذي يُمنى به الهواء لدى مروره. من الألم الذي يعتري الشجر. والينبوع. والحلم. وأعرفه من الحذاء الذي ينتعله. من ظلّه على الطريق. من هواجسه. من كوابيس أحلامه. من سجلّه. ومن تراثه الأبدي في القتل والدم.
وأعرفه جيّداً وتماماً. من حضوره القسري في عقولنا وفضائنا الواقعي والافتراضي. وأعرفه من تلقائه. من الحقن التي يحقنوننا به. من مندوبيه أعرفه. من رُسُله. من مبعوثيه. من كَتَبَته. من رجاله. من أزلامه. من نفاياته. من لغاته. من مقالاته. من خطبه. من أمواله. من أهواله. من دهائه. من الهواء المضروب بالجنون. من الجبال المنحنية بسبب الذلّ. ومن العهود التي ينكثها أصحاب العهود.
لن يخرج هذا القاتل من ذاكرتي. ولا من حياتي اليومية. لكنه لن يستطيع أن يستولي عليَّ. لن يتمكن من أن يجعلني خادمه. ولا تابعه. ولا متكلّماً باسمه. ولا مُوارِباً في ما أكتب. ولا مُداهِناً. ولا مرائياً. ولا متخابثاً. ولا متذاكياً. ولا من أهل الذمّة في أرض ملكوته وسيطرته.
سأقاتله دائماً وجيّداً. مثلما أقاتله كلّ يوم. في الوعي. وفي اللاوعي.
سأقاتله بالحرية. بالحرية لا غير. فأنا أكره السلاح. أكره كلّ أنواع الأسلحة. لكني سأقاتل. سأظلّ أقاتل بلغة الحرية. بأفكارها. بقيمها. وخصوصاً من خلال الكتابة. وهنا، في الكتابة الصحافية.
سأقاتله حيث يدري. وحيث لا يدري. ليس من أجل جبران أو سمير، أو سواهما. بل من أجلي خصوصاً. ومن أجل بلدي. ومن أجل الأجيال المقبلة.
ولا أخافه. لأني أنتصر عليه كلّ يوم، كلّ لحظة، بالكلمة. بالعقل. وبالحرية.
ولن يكون هو المنتصر، على رغم أنه هو المنتصر حقّاً... بالقتل. وبمفاعيل القتل.
من المقدَّر ربّما أن يبقى هذا القاتل بلا محاكمة. لأن لبنان الدولة مهيض الجناح. ولأن العدالة فيه "بلا بيضات".
هذا كلّه لا يثنيني. ولن.
القاتل أعرفه. وأعرف كيف لا أكونه. وكيف أنتصر عليه. من أجل نفسي. من أجل الأبناء. من أجل البلاد. من أجل الكلمة. ومن أجل الحرية.
أيّها الناس، إنّي أعرف مَن قتله.