الخطاب السنوي لفلاديمير بوتين أمام البرلمان الروسي، الذي عرض سياسته على الصعيدين الداخلي والخارجي للسنة المقبلة، يناقض في جوهره كل قواعد الإستراتيجية التي عكستها قراراته في السنة المنتهية، وخصوصاً عندما يقول إنه يريد توسيع حلقة أصدقاء روسيا في العالم.
"إن روسيا لا تريد مواجهات مع أي طرف، بل تحتاج الى أصدقاء، لكننا لن نسمح بانتهاك مصالحنا أو إهمالها...".
عظيم ولكن هل يعني هذا أنه سيعيد النظر في هذه الإستراتيجية أو سيطبق قواعد جديدة في سياسته الحازمة داخلياً والهجومية خارجياً؟
قطعاً لن يحدث هذا، على الأقل لأن ما حققه في سياسته الخارجية خلال العام الماضي ظهرت نتائجه جلية في الإنتخابات الروسية الأخيرة لمجلس الدوما، التي اكتسحها حزب "روسيا الموحدة" الحاكم وهو ما يمثل في نظر بوتين ترجمة عملية للروح القومية، التي ينفخ فيها عبر اندفاعاته لإعادة فرض روسيا لاعباً إستقطابياً على الساحة الدولية.
لم يحمل خطابه أي مفاجآت باستثناء الحديث عن الرغبة في إكتساب الأصدقاء حين يمضي سريعاً في صنع الأعداء، والدليل انه نجح في تعميق العداءات مع الأوروبيين عبر تدخله في أوكرانيا، ما عمق العقوبات الإقتصادية التي فرضت على روسيا، وكذلك عبر دخوله الحرب في سوريا لدعم النظام السوري بذريعة محاربة "داعش" والإرهابيين، لكنه ركّز معظم عملياته العسكرية منذ البداية على قهر المعارضة على قاعدة ان كل معارض للنظام ارهابي، وهو ما ينعكس سلباً على علاقاته مع الدول العربية السنية خصوصاً، التي يغيظها ان تجده يقاتل في خندق واحد مع ايران الشيعية !
حاول بوتين ان يربط تعثّر الإقتصاد الروسي بقضايا داخلية وليس بالعقوبات الأميركية والأوروبية، تحدث عن غياب الإستثمارات والتكنولوجيا الحديثة وضعف القدرات التنافسية، لكن ذلك لن يخفي حقيقة الأمر المتصل بالعقوبات نتيجة إندفاعاته الخارجية، التي زادت حدتها طبعاً سياسة باراك أوباما النأي بالنفس عن مسرح الأحداث الملتهبة دولياً، وهو ما شاهدناه ولا نزال في سوريا تحديداً وفي أوكرانيا. "عقيدة السياسة الخارجية الروسية" التي عرضها الكرملين تؤكد ان بوتين سيمضي في تشديد مواجهته لواشنطن وحلف شمال الأطلسي، على خلفية اعتبار نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا بمثابة تهديد مباشر تملك روسيا حق الرد عليه، لكن قائمة خلافات بوتين مع الغرب تبقى طويلة: سوريا - اوكرانيا - توسّع "الناتو" - والدرع الصاروخية كما قلنا.
ملامح العودة الى الحرب الباردة واضحة لا بل ان الإحتكاكات العسكرية أخيراً في مضيق هرمز أوصلت الأمور الى حافة أزمة خليج الخنازير، ومع مغادرة أوباما البيت الأبيض! ليس هناك ما يطمئن الى ان الأمور مع دونالد ترامب ستكون أيسر، إذ يكفي النظر الى تعييناته العسكرية!