تكشف كواليس على صلة بموسكو أنّ المرحلة الراهنة من الجهد العسكري الروسي بالتحالف مع الجيش السوري وحلفائه، لإخراج مسلحي المعارضة من حلب، هي جزء من معركة أشمل، ستكون لها استتباعاتها الميدانية في قابل الأسابيع، ويُطلَق عليها تسمية معركة «إم 5».هذه التسمية تدل إلى أنّ الهدف النهائي للمعركة الجارية الآن انطلاقاً من حلب، هو تأمين الطريق الدولي الممتد من الحدود الاردنية الجنوبية وصولاً الى دمشق وامتداداً إلى الساحل السوري والمسمّى اوتوستراد «إم 5».
وعلى ذلك فإنّ معركة حلب الراهنة ليست ملفاً بذاتها، بل هي جزء من خطة حرب أشمل يطلق عليها إسم «إم 5»، وتهدف الى تنظيف المناطق الواقعة على جانبيه من كل وجود للمعارضات السورية المسلحة فيها.
وضمن التقدير الخاص بروزنامة معركة «إم 5»، فإنّ حسم معركة السيطرة الكاملة على حلب ستستغرق نحو اسبوع من الآن، او نحو اسبوع وأيام قليلة على أبعد تقدير، وفي إثرها تبدأ معركة إخراج المجموعات المسلحة المعارضة الموجودة عند كلّ التقاطعات والمدن الواقعة على طريق « إم 5 ».
وفي التفاصيل انّ معركة «إم 5» ستستمر طوال فترة ما يسمّيه الروس «تبديل الحرس» في البيت الابيض (أي الفترة المتبقية لتسلّم الرئيس دونالد ترامب مهماته الرئاسية، وبقي منها نحو خمسين يوما)، وهي ستسير وفق روزنامة عسكرية ترمي الى تحقيق هدف تأمين هذا الطريق الذي يؤمن الربط التجاري والإمداد العسكري بين المدن الحضرية الاساسية، في سوريا، كدمشق وحلب وحمص واللاذقية وطرطوس.
وتتعامل هذه الخطة مع حسم معركة حلب، بصفته أنه سيشكّل دور الدينامو الكفيل بإطلاق الزخم المعنوي والعسكري الذي سيمكّن الروس والجيش السوري وحلفاءه من المضيّ قدماً في استكمال أهداف خطة «إم 5» العسكرية.
يمتد الطريق السريع «إم 5» من دمشق الى وسط مدينة حمص ومن ثمّ الى حلب، ويُعتبر بمثابة شريان حيوي بالنسبة الى الجيش السوري، نظراً لاستخدامه لنقلِ الإمدادات الى قواته والسلع لمناطق سيطرة الحكومة.
خلال السنوات الاخيرة استولى المسلّحون على أجزاء من طريق «إم 5» بين حمص وحلب، وحاولت داعش وفصائل أُخرى السيطرة على جزء من القسم الرئيس الذي يربط بين حمص ودمشق، لكنها فشلت.
وأخيراً استولى تنظيم «داعش» على بلدة «القريتين» التي تبعد 50 كلم عن الطريق، فيما حقّق مقاتلون من فصائل معارضة أخرى تقدماً نحوه من جهته الغربية وباتت تبعد عنه 35 كلم فقط. وثمة وقائع عسكرية كثيرة جرت وفق سباق النظام والمعارضة لإثبات حضور عسكري عند أجزاء من هذا الطريق.
ومنذ أن اشتعلت الحرب السورية كانت خطة المعارضات المسلحة الأساسية، تقوم على شطر طريق «إم 5»، بغية عزلِ المدينتين الساحليتين طرطوس واللاذقية عن دمشق فعلياً.
وكانت ترى في ذلك تعويضاً عن عدم قدرتها على إسقاط دمشق، وحصر النظام في مناطقه الساحلية. وفي مقابل ذلك اعتمد النظام منذ العام 2013، استراتيجية الحفاظ على سيطرته على أكبر جزء من هذا الطريق، وحرمان المعارضة من التمركز على النقاط التي سيطرت عليها فيه.
وهي كانت استراتيجية تقع في نقطتين:
الأولى تتمثّل بالمحافظة على سيطرتها على هذا الطريق لضمان بقاءِ سيطرتها على المراكز الحضرية في دمشق وحمص والمدن الساحلية، لأنّ سقوطه أو سقوط أجزاء استراتيجية منه، يُفقد هذه المدن اتصالها بعضها ببعض.
أمّا النقطة الثانية والتي سيجري تطبيقها الآن بعد كسبِ معركة حلب، فترمي ليس فقط للسيطرة على طريق «إم 5» بكامله، بل أيضاً إلى تأمينه بحيث يصبح بعيداً عن قدرة المعارضة على قطعِه بالنار من مناطق قريبة منه تتمركز فيها.
لا تزال هناك نقاط كثيرة تتمركز فيها فصائل مسلحة قرب مسار الطريق «إم 5»، وأبرزها الرستن في حمص، وأيضاً القلمون ونقاط في ريفي حماه ودمشق الخ... وكل هذه القواطع الموجودة داخل شعاع أمن هذه الطريق، ستكون مسرح الهجوم العسكري الروسي ـ السوري وحلفائه، فور حسمِ معركة حلب.
وضمن تقدير الموقف المتصل بمعركة «إم 5»، يتوقع على نطاق واسع عودة منطقة القلمون الى الالتهاب خلال الفترة المنظورة، تطبيقاً لخطّة «إم 5» المتّسمة بأنها قرار استراتيجي سوري ـ روسي، حُدِد سقفٌ زمني لتنفيذه أقصاه قبل دخول ترامب الى «البيت الابيض».
عام 2013 وأثناء تركّزِ القتال حينها بين النظام والمعارضة على المقاطع المتنازَع عليها من الطريق، سيطر حزب الله على القصَير، ووعَد بفتح معركة شاملة في القلمون، لكن تمّ تأجيلها لاحقاً، بسبب مستجدّات أعطت الأولوية لحلب.
سيطرة النظام على كلّ القواطع والحواضر المؤثّرة والمطلّة على طريق «إم 5»، تعني بسط سيطرته الاستراتيجية على المنطقة الحضرية الداخلية والساحلية في سوريا، وتأمين حرّية حركة إمداداته على الجبهات الجنوبية والغربية.
وسيَجعل نسبة السكان المقيمة في مناطقه المكوّنة من المدن الرئيسة وأريافها، هي الغالبية، وسيَحصر المعارضة في الحواضر الريفية الحدودية (إدلب ودير الزور والرقة)، ما يعني أنّ كلّ ما سيتبقّى منها هو «داعش» و«النصرة» وإلى حدّ ما الجزء التركي من «أحرار الشام» و»الجيش الحر» المُدجّن ضمن قوات «درع الفرات»، أمّا ما عداها من المعارضات فستصبح شُللاً معزولة.