اعتبرت الأوساط السياسية اللبنانية أن انتقاد الرئيس السوري بشار الأسد لسياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الحكومة اللبنانية حيال الأزمة السورية تمثّل التداعيات الأولى لمعركة حلب على لبنان لجهة استثمار “الإنجاز الحلبي” لإعادة ترويض لبنان وإعادته كاملا إلى حضن السياسة السورية.
وأضافت هذه الأوساط أن للأسد ثأرا شخصيا مع لبنان لأنه يعتبر أن إجباره على سحب القوات السورية من لبنان عام 2005 مثل اللبنة الأولى لسياق تنازلي انتهى بالأزمة التي انفجرت منذ عام 2011 والتي مازالت تهدد نظامه.
ويعد نشر تصريحات الأسد في صحيفة الوطن السورية شبه الرسمية، بمثابة بلاغ رئاسي سوري يكشف الوجهة التي سيعتمدها النظام في مقاربة الحالة اللبنانية بصفتها جبهة من جبهات المعارك التي يخوضها النظام شأنها في ذلك شأن جبهة حلب أو إدلب أو اللاذقية.
ويهدف توقيت التصريح إلى الإدلاء بدلو سوري ثقيل قبل ساعات من خطاب حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله وفي قلب المداولات الحالية لتشكيل الحكومة اللبنانية.
واعتبر الأسد في المقابلة أنه “لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سمي بسياسة النأي بالنفس”.
وتأتي تلك التصريحات رغم هشاشة قرار “النأي بالنفس” الذي اتخذته طاولة الحوار الوطني اللبناني عام 2012 بسبب تدخل الآلاف من مقاتلي حزب الله للقتال إلى جانب النظام السوري، على نحو يمثّل تدخلا لبنانيا صارخا لا يمت بصلة لمفهوم النأي بالنفس المزعوم.
ورغم تنويه الأسد بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان، إلا أن مراقبين رأوا أن تصريحات الأسد تحمل ألغاما تستهدف مباشرة العهد الجديد وتهدف إلى دفع اللبنانيين إلى الانتقال من مستوى المداولات حول الحصص الحكومية وقانون الانتخابات باتجاه السجال حول الموقف من دمشق بعد “سقوط حلب”.
واعتبر هؤلاء المراقبون أن الأسد يريد إثبات أنه مازالت لنظامه اليد الطولى داخل لبنان رغم الضعف الذي أصابه خلال سنوات الأزمة الأخيرة.
ورأت مصادر مسيحية أن رسائل الأسد تستهدف رأس السلطة في بعبدا بشخص الرئيس ميشال عون، باعتبار أن دمشق تصنف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عدوا تتهمه وأوساطه بدعم الإرهاب، فيما تعتبر الثنائية الشيعية من ضمن نفوذها في لبنان، خصوصا بعد تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي الذي صنف فيها حركة أمل من ضمن القوات الإيرانية.
وأضافت المصادر أن التصريحات هدفها إرباك الصفقة بين عون والحريري والتي أنهت الفراغ الرئاسي في لبنان.
ويأتي موقف الأسد بعد أسابيع على تصريحات لرئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل طالب فيها حزب الله وبقية الميليشيات بالانسحاب من سوريا و”ترك سوريا للسوريين”.
وأثار هذا التصريح قلقا لدى الحزب كما لدى حلفاء دمشق في لبنان، يضاف إلى خشية هذا المعسكر من خطط الرئيس اللبناني لإعادة الدفء إلى العلاقات اللبنانية السعودية وتخصيص الرياض بزيارته الأولى إلى خارج لبنان. وهذا ما استدعى تصريحات لباسيل لتأكيد التحالف مع الحزب ونفي أي اشتباك مسيحي شيعي حول تشكيل الحكومة.
وأشار الأسد إلى أنه لم تتم دعوة عون بعد إلى زيارة دمشق بسبب انشغال بيروت بتشكيل الحكومة.
إلا أن مصادر سياسية لبنانية مقربة من دمشق اعتبرت إثارة موضوع الزيارة إنذارا لعون من مغبة الذهاب بعيدا في الخيار السعودي وأن عدم توجيه الدعوة له لزيارة دمشق، رغم أن موفد الرئيس السوري كان أول من زار الرئيس الجديد في بعبدا، هدفه عدم التصادم العلني مع عون بانتظار “تعقلن” خياراته باتجاه “حلفاء الأمس واليوم”.
وتأتي تصريحات الأسد في إطار حملة بدأتها دمشق لاستعادة لبنان إلى الحضن السوري، لعدم استطاعة حزب الله إخضاع لبنان الرسمي بما يتناسب مع أجندة دمشق.
ورأت مراجع دبلوماسية في لبنان أن دمشق التي تمّ لها ضبط الحراكين التركي والأردني على حدودها تسعى إلى ضبط ذلك اللبناني طالما أن العراق على حدودها الشرقية ملتزم بدقة بأجندة طهران.
واعتبر مراقبون لبنانيون أن زيارة مفتي النظام السوري أحمد بدر حسون إلى لبنان والتي أثارت جدلا واسعا داخل البلد هي جزء من الحملة السورية التي ستستمر مستفيدة من مفاعيل الإنجاز الحلبي.
فيما رأى آخرون أن الرئيس السوري يرمي أوراقه مكشوفة باتجاه لبنان في المرحلة الرمادية التي تفصل ما بين انقضاء ولاية أوباما وبدء رئاسة ترامب.
وفيما يشبه الرد على تصريحات الأسد قال وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان إن انتصار الأسد الوشيك في حلب سيزيد من النفوذ السوري والإيراني في لبنان.
وأكد جنبلاط أن “الأسد انتصر في حلب مستفيدا من تخلي معظم المجتمع الدولي عن الشعب السوري ولاحقا سينقض على إدلب”.
وأضاف “هذا يعني أن تأثير الأسد في لبنان سيزداد وأن القبضة الإيرانية ـ السورية على البلد ستشتد”.
ويعتبر جنبلاط من السياسيين الذين يوفرون مؤشرات على الاتجاهات السياسية في الشرق الأوسط وتغيرت مواقفه حيال سوريا أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة. وكان جنبلاط من الأصوات البارزة في الحركة المناهضة لسوريا لكنه خفف من موقفه عقب تقاربه مع حلفاء سوريا في لبنان ومنهم حزب الله.
وقال جنبلاط في تصريحات صحافية إنه لا يخطط لإصلاح العلاقات مع الرئيس السوري. مؤكدا أنه لن ينهي حياته السياسية بإعادة ترميم العلاقة مع الأسد “لست بهذا الصدد بتاتا.. حتى لو حقق النظام انتصارا شاملا”.
العرب