يريد البعض للعهد ولنفسه وللبلد عموماً أن يغرق في تفاصيل التأليف الحكومي، لكأنّ هذه الحكومة صارت «حكومة الحكومات»، بينما لن يكون عمرها سوى مجرد أشهر قليلة إذا صدقت النيات بأن التمديد للمجلس النيابي ليس واردا في حسابات أحد من أهل القرار.
ولعل لسان حال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله هو دعوة الجميع إلى التواضع بالفعل لا بالقول، فمن يتنازل عن حقيبة يكسب في المقابل بلده وشعبه. أما من يراهن على ما بعد العهد الجديد، حتى من قبل أن يبدأ فعليا، فعليه ألا يستعجل لأن لبنان لطالما شكل تاريخيا مطحنة للأفكار والعقائد والتجارب، بفضل بنيته الطائفية التي لم يسعَ أحد حتى الآن إلى هز ركائزها، وهي أساس منظومات و«مافيات» كثيرة، أبرزها «مافيا» الفساد المستشري في معظم شرايين الدولة والحياة السياسية.
لا يعفي الانهماك في «بازار الحقائب» وحروب «تصفية الحسابات» التي يمكن تأجيلها، من وجود مخاطر أخرى، أبرزها الخطران الإسرائيلي والتكفيري.
ففي تطور نادر، نشر الجيش الإسرائيلي، أمس، على موقع «تويتر» خريطة تظهر بنكاً للأهداف (عشرة آلاف هدف) في القطاع الشرقي من الجنوب والبقاع الغربي، أي كل الخط المحاذي عمليا للحدود اللبنانية ـ السورية، بما فيها تماسه مع منطقة مزارع شبعا وجبل الشيخ التي يحتلها الجيش الإسرائيلي.
وفيما أشارت صحيفة «معاريف» إلى أن نشر هذه الخريطة يعد استثنائياً بأعراف الجيش الإسرائيلي، يبين حجم المواجهة المقبلة، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار واقع أن الجيش الإسرائيلي خرج إلى «حرب لبنان الثانية» (تموز 2006) وفي جعبته 200 هدف فقط ادّعى أنه دمّرها في الساعات والأيام الأولى من عدوانه قبل أن يتبين له عكس ذلك على مدى ثلاثة وثلاثين يوما.
وإذا كان جيش الاحتلال يزعم أنه صارت تتوفر له حاليا قدرة أفضل على جمع المعلومات عن «حزب الله» ومواقعه في الجنوب اللبناني، أوضح التلفزيون الإسرائيلي أن نشر الخريطة يتناغم مع التصريحات الحربية لوزير الحرب أفيغدور ليبرمان بشأن عزم جيش الاحتلال على المحافظة على مصالح إسرائيل الأمنية.
هذه الخريطة نُشرت على موقع رسمي إسرائيلي وتزامن ذلك مع قيام البعثات الإسرائيلية في واشنطن ونيويورك بالتسويق لها لدى فريق الإدارة الأميركية الجديدة في معرض التدليل «على المخاطر على أمن إسرائيل القومي»، جراء ترسانة الصواريخ التي يملكها «حزب الله». وبدا واضحاً أن تل أبيب قررت «الاستثمار» في الإدارة الأميركية الجديدة قبل أن تتولى مهامها رسمياً بنحو أربعين يوماً.
وفيما حذرت مصادر ديبلوماسية عربية في الأمم المتحدة من أبعاد التضخيم الإسرائيلي ومخاطره، دعت الحكومة اللبنانية إلى التعامل مع «الرسائل الإسرائيلية» بجدية «لأنها تحمل في طياتها شيئاً مبيّتاً ضد لبنان».
وتلتقي التحذيرات الديبلوماسية من الخارج مع تحذيرات ردّدها الرئيس نبيه بري في الآونة الأخيرة أكثر من مرة، لجهة تماهي المشروعين الاسرائيلي والتكفيري، خصوصا مع اتساع مناطق سيطرة «النصرة» في مناطق سورية على تماس مع الجولان السوري المحتل من جهة ومع منطقة مزارع شبعا المحتلة والعرقوب اللبناني المحرر من جهة ثانية.
وجاءت هذه التحذيرات استنادا إلى تقارير أمنية رسمية أشارت إلى تزايد أعداد النازحين السوريين في القرى السورية المحاذية للحدود اللبنانية، وفرض الأمر عقد اجتماعات عسكرية لبنانية ـ دولية (ضباط من الجيش اللبناني ومن قيادة «اليونيفيل») تمحورت حول الإجراءات التي يمكن للطرفين اللبناني والدولي اتخاذها تحسباً لأي تداعيات أمنية محتملة على المقلب اللبناني لجبل الشيخ، ومنها دفع «النصرة» إلى منطقة العرقوب.. وصولا إلى محاولة افتعال فتنة بين مخيمات النازحين السوريين وجوارهم اللبناني.
ووفق أوساط حزبية بارزة في «8 آذار»، فإن السيد حسن نصرالله سيؤكد في خطابه المتلفز، مساء اليوم، أهمية الثقة المتبادلة بين المقاومة والعهد، مثلما سيوجه التحية للجيش اللبناني الذي قام ويقوم بعمليات عسكرية ـ أمنية استباقية ضد الإرهاب على غرار عمليات مخيم عين الحلوة ووادي عطا في خراج بلدة عرسال وبقاعصفرين في الضنية. كما سيؤكد جهوزية المقاومة في الميدان في مواجهة الخطرين الاسرائيلي والتكفيري.