لم يفهم اللبنانيّون دواعي زيارة مفتي نظام بشّار الأسد إلى لبنان، كثيرون بالأمس عبّروا عن استيائهم من الرّجل الذي جاء إلى لبنان ليهلّل لانتصارات بشّار الجزّار “الوهميّة” في حلب ومن الصّرح البطريركي تحديداً وعلى لسان بطريرك الموارنة في المشرق العربي!!

ولأنّ شرّ البليّة ما يضحك، لم يجد “المنفصل عن الواقع” بشّار الأسد مكاناً أفضل من بكركي ليبتهج بانتصاره الموهوم في حلب، والذي سارع بالأمس للاحتفاء به على اعتبار أنّه استعاد سيطرته على كامل الأراضي السوريّة، ولكن هيهات، أيّ حكم هذا المعرّض لخسارات عظمى كلّما توقّف قصف طائرات السوخوي الروسيّة عن رؤوس الأطفال العزّل والنساء العاجزات!!

بالكاد بشّار الأسد ما زال موجوداً بقوّة قتلى حزب الله اللبنانيين، وبالتدخل الجوي الروسي الذي غادر سريعاً أرض المعركة فاضطرّت إيران إلى التدخّل البري بإرسال قوات خاصة من الفرقة “65 نوهد”، الاستمرار بدماء الآخرين ليس بالأمر اليسير، وهذا نظام “مصّاص دماء” يقتات على جثث القتلى وأشلاء الأطفال، الرّجل “المنفصل عن الواقع” ما زال لبنان يقضّ مضجعه، وربما علينا إنعاش الذاكرة السوريّة المثقلة بأضغاث أحلام القبض على لبنان، وإنعاش الذاكرة اللبنانيّة الغارقة في تفاصيل التأليف الحكومي ما بين التعطيل والتفاؤل بالحلحلة، ثمّة ذاكرة من دماء الشهداء وعقوداً من الاحتلال لم ولن ينساها اللبنانيّون، مهما توهّم “مفتي الجزّار” أن الكلام عن المصالحة والمصافحة يبعث الرّوح في أوهام النظام!!

للذاكرة، لم يتصوّر أيّ لبناني من الأجيال التي عايشت حقبة الاحتلال السوري أن يوماً ما سيأتي ويشاهدوا فيه الجيش السوري يغادر لبنان بهذه الطريقة المذلّة حتى عاشوا يوم 26 نيسان من العام 2005، لا بُدّ من استعادة هذا اليوم بكلّ الأحداث التي عايشناها معه، في العام 2005 من يتذكر اليوم عندما خرج الجيش السوري من لبنان، مشهد بعض اللبنانيين على قنوات التلفزة المحلية والأجنبية يكسرون جرار الفخار خلف آخر الدبابات السورية المغادرة من نقطة المصنع بإتجاه نقطة جديدة يابوس…

من يتذكر تلك اللحظة التي جلس فيها اللبنانيون ليروا بشار الأسد واقفاً أمام نواب التصفيق في مجلس الشعب السوري في 5 آذار 2005، أي بعد تسعة عشر يوماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليعلن انسحاب جيشه من لبنان تنفيذاً للقرار 1559، وحتى وهو يعلن ذليلاً هذا الانسحاب لم يعترف بالجرائم التي ارتكبها نظامه في لبنان بل تحدّث عن أخطاء ارتكبت!!

من يتذكر مشهد “البندقية الإسرائيلية” في تلك العلبة الفاخرة قبل يومين من خروج الجيش السوري وأمين عام حزب الله يضحك ملء فيه مكرّماً رستم غزالة جزّار عنجر ومهدياً إياه في حينها بندقية المقاومة، بوصفه رجل سوريا، و”رفيق السلاح”، وللمفارقة لقد مات رستم غزالة مقتولاً بيد نظامه المجرم وقبل يومين من حلول الذكرى العاشرة لخروج الجيش السوري من لبنان؟!

من يتذكّر اليوم ذاك المشهد أمام معتقل البوريڤاج الذي أضحك اللبنانيين حتى سالت دموعهم وعاصم قانصوه ومعه ناصر قنديل عاقداً الكوفيّة كما يفعل السوريون عندما يستعدون لـ”مشكل” وقد بُحّ صوتهما وهما يهتفان “بالروح بالدم نفديك يا بشار”!!

لم يكن ما مرّ سهلاً طوال عقود ثلاثة من الاحتلال، وحتى أحد عشر عاماً مرت منذ العام 2005 ما زالت أشباح الاحتلال قائمة عبر أزلام بشّار الضعيف، ما زالوا يسرحون ويمرحون في لبنان ومعهم ما يقارب مليوني سوري نزحوا هرباً من موت وبراميل بشار الجزّار المتفجرة، واللبنانيّون اليوم ومعهم الشعب السوري المظلوم والمقتول ينتظرون أن يشاهدوا المشهد الذي سيختم جرح عذابات اللبنانيين والسوريين مشهد خروج بشار الأسد من سوريا حيّاً أو ميتاً، وهو يومٌ لا بُدّ آت…


 
 

 الكاتب:ميرفت سيوفي

المصدر: الشرق