ما زالت الإيجابيات هي الطاغية على خط التأليف الحكومي، الّا أنها إيجابيات لكن مع وقف التنفيذ، على رغم الحراك الملحوظ على أكثر من خط، فيما الانجاز النوعي كان في الميدان العسكري حيث تمكن الجيش من القبض على خلية بقاعصفرين الارهابية، في عملية نوعية كان لها الأثر المريح محلياً وخارجياً.
اذا كانت المقرّات الرئاسية توحي بأنّ حركة الاتصالات الجارية ستتولّد عنها بركة حكومية في المدى المنظور، الا انّ أيّاً من المراجع الرئاسية، وإن كانت تقارب ملف التأليف بلغة ترفع منسوب التفاؤل، استطاعت ان تجازف بتحديد موعد معيّن للولادة الحكومية، بل اكتفت بالأمل في ان تتم هذه الولادة قبل الاعياد.
الّا انّ ذلك يبقى رهناً بنجاح ما وُصفت بأنها محاولة جديّة لتذليل «آخر العقد» الماثلة في طريق التأليف، على حدّ ما يقول عاملون في مطبخ التأليف، الذين لم ينفوا او يؤكدوا ان يكون المقصود بـ«آخر العقد» حصة النائب سليمان فرنجية ونوعية الحقيبة التي ستسند الى تيار «المردة».
مصر على الخط
الأجواء توحي في ظاهرها انها تحمل بعض البشائر الشكلية على خط التأليف، كما تعكس اهتماما خارجيا لافتا بانطلاقة حكومية سريعة، وهو ما اكدته مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، التي تحدثت عن دخول مصري متجدد على الخط الحكومي، تجَلّى بورود توجيهات مصرية الى طاقمها الديبلوماسي العامل في لبنان بضرورة التحرك تأكيداً لدورها المتجدد في لبنان.
.
وفي هذا الاطار اجتمع سفير مصر في لبنان نزيه النجاري مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك مع الرئيس المكلف سعد الحريري وفريقه المشارك في التأليف بعيداً من الاضواء، كما اجرى اتصالات في هذا الشأن بالنائب وليد جنبلاط وبالوزير جبران باسيل. لكن هذه الاتصالات توصّلت الى إيجابيات نظرية، ولكن ما زالت تنقصها الترجمة على ارض الواقع.
لا دخان أبيض
الى ذلك، وعلى رغم الايجابيات الشكلية، فإنّ تفاصيل حركة الاتصالات الجارية لم تظهر الى العلن اي دخان ابيض على اي تفصيل، سواء حول العلاقة بين بعبدا وبنشعي التي لا يبدو أنها تأثرت بالبيان الرئاسي الأخير، او حول حسم حصة «القوات اللبنانية» وحجم الحقائب ونوعيتها، في ظل كلام ترَدّد في الساعات الاخيرة عن إعادة خلط الحقائب من جديد، او حول شكل الحكومة وما اذا كانت ثلاثينية توسّع هامش المشاركة، وتضيّق مساحة الاختلاف. علماً انّ الصيغة الحكومية ما زالت محكومة بتأكيد رئاسي على تشكيلة من 24 وزيراً.
الحريري - فرنجية
ويندرج في هذا السياق اللقاء المسائي الذي عقد ليل أمس في «بيت الوسط»، بين الحريري وفرنجية بحضور الوزير روني عريجي، والدكتور غطاس خوري ونادر الحريري. وبحسب المكتب الإعلامي للحريري فإنّ البحث تناول آخر المستجدات والمشاورات والمساعي المبذولة لتشكيل الحكومة. وتخلل اللقاء مأدبة عشاء.
وفي تصريح له بعد اللقاء، قال فرنجية إنه جرى تبادل الآراء مع الرئيس الحريري، مشيراً الى أنّ «الحريري يعرف أننا لا نتمنى له إلّا الخير وأن تشكّل الحكومة قريباً».
وشدّد على أنّ «الحريري يتفهّم موقفنا ولا يقبل أن يتمّ الانتقاص من حقنا أو من حق أيّ فريق في البلد»، موضحاً أنّ «البعض يضعنا في موضع أننا نحن الذين نعطّل، ولكننا ولا يوم أردنا التعطيل، والتعطيل يتحمّل مسؤوليته الفريقان». وأكد «اننا والحريري متفاهمان، وطرحنا خريطة طريق والأمور يمكن أن تذهب نحو خواتيم سعيدة قبل الاعياد»، مشدداً على «اننا نريد حقيبة أساسية، والحريري تفهّم موقفنا ونشكره على ذلك».
أضاف فرنجية: «أنا متفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما مع الحريري»، لافتاً الى أنّ «الموضوع موضوع مبدأ ولا يتعلّق بالحقائب والتفاصيل الصغيرة».
وأشار الى «أننا وقفنا مع حلفائنا ضد أنفسنا. وإنّ حلفاءنا اليوم يقفون معنا بمطلب محقّ»، معتبراً أنّ «البعض يرفض مطالبنا من منطلق التحجيم، ولكن لا أحد يستطيع أن يحجّمنا».
عون – جعجع
في غضون ذلك، زار رئيس حزب «القوات» بعبدا والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وأبدى جعجع تفاؤله، متمنياً ان تشكّل الحكومة قبل الاعياد، واعتبر «انّ الامور بدأت تأخذ مسارها الطبيعي الفعلي والحقيقي الذي سيوصِل الى نتيجة».
وكشفت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ اللقاء كان ودياً للغاية، وخرج جعجع من الجلسة بارتياح تام، حيث أنّ التفاهم شمل كل الملفات التي تمّ التطرق إليها والتي يمكن وضعها في سياقين: اليوميات السياسية المتصلة بالحكومة وقانون الانتخاب وغيرهما، والسياق الآخر المتصل بالجانب المعمّق الذي فَضّل جعجع عدم التطرق إلى تفاصيله تاركاً للأيام كشفه وتبيانه وإظهاره.
وأشارت المصادر الى انّ جعجع لمس تفاؤلاً كبيراً حيال الموضوع الحكومي لدى عون الذي يعوّل على المساعي التي يتولاها «حزب الله» لتذليل العقبات، ويتوقع أن تثمر بتحقيق اختراق في نهاية الأسبوع.
اضافت المصادر: وفي حين لم يتمّ التطرق إلى مسألة الحقائب، شدد عون على رفض الدخول في أي مساومات ترتدّ سلباً على موقع رئاسة الجمهورية وهيبتها ودورها، فيما التنسيق هو على قدم وساق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري.
وقد لمس جعجع أيضاً تمسّك عون بتطبيق الدستور واحترام المواقع الدستورية، ولكنه حريص كل الحرص على أن يمارس رئيس الجمهورية دوره انطلاقاً ممّا يمنحه إيّاه الدستور من صلاحيات.
وقالت المصادر إنّ النقاش تطرّق أيضاً إلى قانون الانتخاب، حيث أكد عون إصراره على إقرار قانون انتخاب جديد يعطي العهد اندفاعة قوية، وانه لن يقبل بتشويه صورة العهد من خلال الإبقاء على القانون الحالي.
قانون الانتخاب
وفي وقت جَدّد فيه بري الدعوة الى دفن قانون الستين، بالتوازي مع الاعلان المتكرر لـ«القوّات» و «التيار الوطني الحرّ» رفضهما العودة الى الستين، كان لافتاً في الساعات الماضية دخول مجلس المطارنة الموارنة على الخط الانتخابي والتأكيد على «ضرورة الابتعاد عن تمييع مطلب أساسي ورئيسي، هو قانون جديد للانتخاب يُنتظر أن تقدّمَه الحكومة الجديدة إلى المجلس النيابي لإقراره قبل فوات الأوان، ويكون ضامناً لِما يقتضيه التوافق الوطني، على قاعدة الميثاق، من مناصفة حقيقية تعكس خصوصية لبنان الفريدة، ويضمن حقّ المشاركة السياسية الفاعلة لجميع اللبنانيّين بلا استثناء، ويجدّد نسيج تمثيلهم تحت القبّة البرلمانية».
وأبدى المجلس قلقه «من تعثّر تشكيل الحكومة بسبب التجاذبات السياسية بين الأطراف، والتشبّث في المواقف والمطالب من مختلف الجهات. الأمر الذي يأتي على حساب المصلحة الوطنية العليا وخير اللبنانيين، ويعطّل ممارسة مهام السلطة الإجرائية فيما الاستحقاقات كثيرة وملحّة».
إنجاز أمني
من جهة ثانية، وعلى مسافة ايام قليلة من الاعتداء الارهابي على احد مراكز الجيش في منطقة بقاعصفرين – الضنية الذي أدى الى استشهاد الجندي عامر المحمد وإصابة الجندي عبد القادر نعمان، تمكن الجيش اللبناني من كشف المنفذين والقبض عليهم.
وفي معلومات «الجمهورية» انّ القبض على الارهابيين تمّ في عملية دقيقة أشرفت على تنفيذها قيادة الجيش مع مديرية المخابرات، ونفّذت بحرفية عالية حيث أُطبق على الارهابيين في غرف نومهم من دون أن تتاح لهم فرصة المقاومة، وسيقوا الى مديرية المخابرات حيث بوشر التحقيق معهم.
التحضير للإنجاز
وبحسب المعلومات كما لخّصها مصدر أمني، فإنّ العملية الارهابية التي استهدفت مركز الجيش في بقاعصفرين ليل الاحد الماضي، أدخلت المؤسسة العسكرية في حال استنفار قصوى بهدف معرفة الجناة، وإلقاء القبض عليهم في أسرع وقت ممكن، إذ انّ هذا الأمر هو بمثابة تحد كبير للمؤسسة العسكرية ولا يمكن السكوت عليه أو التأخير في إماطة اللثام عن المنفذين وكل الملابسات التي تحيط بالهجوم الارهابي على حاجز الجيش.
إذ كلما تأخر ذلك فإنّ من شأنه ان يرفع معنويات الارهابيين ويجعلهم يسترخون ويشعرون بأنهم حققوا هدفهم ووجهوا ضربة معنوية كبيرة، ليس فقط باستهداف الجنود بل للمؤسسة العسكرية كلها. ومن هنا كان القرار الحازم على مستوى قيادة الجيش ومديرية المخابرات بضرورة التعجيل في الرد على الهجوم وإلقاء القبض على الارهابيين.
وفي هذا السبيل، يضيف المصدر الامني، تكثّف الجهد الامني والرصد والاستخبار وتقاطع المعطيات في أكثر من اتجاه، حتى تمكنت مخابرات الجيش من الوصول الى خيوط تدلّ على الفاعلين، وعلى الجهة التي ينتمون اليها. وبالفعل عملت المخابرات على تجميع الخيوط الى ان تكوّنت لها الصورة كاملة وتمكنت من الوصول الى هويات الجناة، ومن تحديد أماكن تواجدهم.
وتشير المعلومات الى انّ الساعات الاربع والعشرين السابقة لتنفيذ العملية كانت حاسمة في اتجاه التنفيذ، وبالفعل عقد اجتماع عسكري بإشراف قيادة الجيش وبمشاركة مديرية المخابرات، ووضعت خطة محكمة، أعطيت فيها التعليمات للقوة العسكرية المنفذة بضرورة القيام بعملية نظيفة وناجحة مئة في المئة، خصوصاً انّ هذا العمل الارهابي الذي تعرّض له مركز الجيش في بقاعصفرين قد يكون مقدمة لأعمال إرهابية أخطر، وبالتالي من الضروري أن يُساق الارهابيون الى التحقيق لكشف مخططهم.
وبناء على هذا الاجتماع، تمّ تحديد ساعة الصفر لتنفيذ العملية، وتمّ توزيع القوى العسكرية المنفذة بحسب توزيع أماكن الارهابيين، اي في ثلاثة منازل داخل بلدة بقاعصفرين، حيث أسندت لكل منها مهمة اقتحام واحد من المنازل الثلاثة وفي وقت واحد، اي في ساعة الصفر التي تحددت في الرابعة والربع فجر الاربعاء، وذلك حتى لا يعطى للارهابيين إمكانية المقاومة او الفرار. فيما تولّت دورية كبيرة مؤازرة القوى العسكرية عبر فرض طوق على البلدة وعند مداخلها.
وبالفعل، إقتحمت القوى العسكرية الثلاث هذه المنازل في عملية ثلاثية استغرقت دقائق قليلة، وقبضت على كل من ابراهيم وردة، ادهم نايف، زكريا شبيب وهلال شبيب، وجميعهم لبنانيون من بلدة بقاعصفرين.
وتمّ سوقهم الى مديرية التحقيق وبوشر التحقيق معهم. حيث تبيّن من اعترافاتهم انّ الارهابيين كانوا معاً لحظة تنفيذ الهجوم على مركز الجيش ومزوّدين برشاشين حربيين من نوع كلاشينكوف، وانّ مطلق النار على عناصر الحاجز العسكري هو ابراهيم وردة.
فيما لم يستخدم الرشاش الثاني في إطلاق النار... فوجىء المحققون بسرعة انهيار الارهابيين وتبيّن من اعترافاتهم بأنهم ينتمون الى تنظيم «داعش» الارهابي، ويشكلون خلية نائمة وجاهزة غب الطلب لتنفيذ عمليات ارهابية، علماً انّ أفرادها كانت لهم أدوار ضد عناصر الجيش في المنطقة.
وبحسب المعلومات، فإنّ الارهابيين لم يعترفوا بعد بارتباطهم بأي خلية اخرى، بل أبلغوا في افاداتهم انهم هم وحدهم يشكلون خلية لـ«داعش»، تلقّوا أمر تنفيذ العملية من مشغّليهم في الرقّة، حيث تلقّوا من امير «داعش» هناك تعليمات بتنفيذ هجوم على اي موقع عسكري للجيش اللبناني وإيقاع اكبر عدد من القتلى في صفوفه، وذلك بقصد إعادة نقل اجواء التوتير الامني الى لبنان وإشغال الجيش اللبناني انطلاقاً من الشمال.
على انّ ما أثار ريبة المحققين هو انّ اعترافات الارهابيين جاءت متطابقة ايضاً لناحية نَفيهم اي صلة بينهم وبين اي خلية ارهابية اخرى، وهو امر لا يصدقه المحققون، وبالتالي يركز التحقيق حالياً في هذا الاتجاه.
مرجع أمني
وقال مرجع أمني كبير لـ«الجمهورية»: انّ إنجاز الجيش بإلقاء القبض على الارهابيين، اكّد مرة جديدة انّ عين الجيش ساهرة، وانه لا يمكن ان يسمح بتمادي الارهابيين ومحاولة زرع فتائل التوتير والفتنة في لبنان.
وما عملية الأمس سوى دليل على انّ المبادرة هي في يد الجيش، وانه يستطيع الوصول الى عمق أوكار الارهابيين والقبض عليهم، على غرار العملية النوعية بإلقاء القبض على الارهابي عماد ياسين في مخيم عين الحلوة وكذلك العملية الكبرى التي نفذها الجيش أواخر الشهر الماضي، وتمكن خلالها من اصطياد 11 ارهابياً بينهم امير «داعش» في عرسال أحمد يوسف أمون الذي يُعدّ من اخطر الارهابيين.
وبحسب المرجع، فإنّ عملية الأمس تثبت انّ الجيش، وبالانجازات التي يحققها، قد أرهب الارهابيين، بحيث لم تعد المبادرة في ايديهم، بل نقلنا المعركة الى أوكارهم.
ولن يسمح لهم الجيش في ان يأخذوا زمام المبادرة مجدداً او يحاولوا نقل المعركة إلينا، واستهداف الوحدات العسكرية وحواجزها وأماكن تواجدها. وبالتالي، عملية الأمس هي رسالة جديدة للإرهابيين بأنّ الجيش لهم بالمرصاد، وانّ في يده تحديد زمان المعركة ومكانها حتى في عمق أوكارهم لضربهم واصطيادهم.
الجدير بالذكر انّ قيادة الجيش ومديرية المخابرات تلقّتا أمس اتصالات تهنئة من العديد من الملحقين العسكريين الأجانب، على الإنجاز النوعي الذي حققه الجيش بالقبض على إرهابيي بقاعصفرين المُعتدين على الجيش، في فترة زمنية قياسية.
وكانت قيادة الجيش قد أصدرت البيان الآتي: «بنتيجة البحث والتقصّي ومتابعة حادث الاعتداء على حاجز الجيش في محلة بقاعصفرين – الضنية بتاريخ 4/12/2016، والذي أدّى إلى استشهاد أحد العسكريين وإصابة آخر بجروح، تمكنت قوّة من مديرية المخابرات ووحدات الجيش المنتشرة في المنطقة فجر اليوم (أمس) بعد تنفيذها عمليات دهم واسعة من توقيف جميع منفذي الاعتداء وهم: (أ.و)، ( أ.ن)، (ز.ش)، (ب.ش)، كما ضبطت في الأحراج المجاورة الأسلحة الحربية المستعملة في الاعتداء المذكور. تمّ تسليم الموقوفين مع المضبوطات إلى المرجع المختص لإجراء اللازم».
الّا انّ ذلك يبقى رهناً بنجاح ما وُصفت بأنها محاولة جديّة لتذليل «آخر العقد» الماثلة في طريق التأليف، على حدّ ما يقول عاملون في مطبخ التأليف، الذين لم ينفوا او يؤكدوا ان يكون المقصود بـ«آخر العقد» حصة النائب سليمان فرنجية ونوعية الحقيبة التي ستسند الى تيار «المردة».
مصر على الخط
الأجواء توحي في ظاهرها انها تحمل بعض البشائر الشكلية على خط التأليف، كما تعكس اهتماما خارجيا لافتا بانطلاقة حكومية سريعة، وهو ما اكدته مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، التي تحدثت عن دخول مصري متجدد على الخط الحكومي، تجَلّى بورود توجيهات مصرية الى طاقمها الديبلوماسي العامل في لبنان بضرورة التحرك تأكيداً لدورها المتجدد في لبنان.
.
وفي هذا الاطار اجتمع سفير مصر في لبنان نزيه النجاري مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك مع الرئيس المكلف سعد الحريري وفريقه المشارك في التأليف بعيداً من الاضواء، كما اجرى اتصالات في هذا الشأن بالنائب وليد جنبلاط وبالوزير جبران باسيل. لكن هذه الاتصالات توصّلت الى إيجابيات نظرية، ولكن ما زالت تنقصها الترجمة على ارض الواقع.
لا دخان أبيض
الى ذلك، وعلى رغم الايجابيات الشكلية، فإنّ تفاصيل حركة الاتصالات الجارية لم تظهر الى العلن اي دخان ابيض على اي تفصيل، سواء حول العلاقة بين بعبدا وبنشعي التي لا يبدو أنها تأثرت بالبيان الرئاسي الأخير، او حول حسم حصة «القوات اللبنانية» وحجم الحقائب ونوعيتها، في ظل كلام ترَدّد في الساعات الاخيرة عن إعادة خلط الحقائب من جديد، او حول شكل الحكومة وما اذا كانت ثلاثينية توسّع هامش المشاركة، وتضيّق مساحة الاختلاف. علماً انّ الصيغة الحكومية ما زالت محكومة بتأكيد رئاسي على تشكيلة من 24 وزيراً.
الحريري - فرنجية
ويندرج في هذا السياق اللقاء المسائي الذي عقد ليل أمس في «بيت الوسط»، بين الحريري وفرنجية بحضور الوزير روني عريجي، والدكتور غطاس خوري ونادر الحريري. وبحسب المكتب الإعلامي للحريري فإنّ البحث تناول آخر المستجدات والمشاورات والمساعي المبذولة لتشكيل الحكومة. وتخلل اللقاء مأدبة عشاء.
وفي تصريح له بعد اللقاء، قال فرنجية إنه جرى تبادل الآراء مع الرئيس الحريري، مشيراً الى أنّ «الحريري يعرف أننا لا نتمنى له إلّا الخير وأن تشكّل الحكومة قريباً».
وشدّد على أنّ «الحريري يتفهّم موقفنا ولا يقبل أن يتمّ الانتقاص من حقنا أو من حق أيّ فريق في البلد»، موضحاً أنّ «البعض يضعنا في موضع أننا نحن الذين نعطّل، ولكننا ولا يوم أردنا التعطيل، والتعطيل يتحمّل مسؤوليته الفريقان». وأكد «اننا والحريري متفاهمان، وطرحنا خريطة طريق والأمور يمكن أن تذهب نحو خواتيم سعيدة قبل الاعياد»، مشدداً على «اننا نريد حقيبة أساسية، والحريري تفهّم موقفنا ونشكره على ذلك».
أضاف فرنجية: «أنا متفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما مع الحريري»، لافتاً الى أنّ «الموضوع موضوع مبدأ ولا يتعلّق بالحقائب والتفاصيل الصغيرة».
وأشار الى «أننا وقفنا مع حلفائنا ضد أنفسنا. وإنّ حلفاءنا اليوم يقفون معنا بمطلب محقّ»، معتبراً أنّ «البعض يرفض مطالبنا من منطلق التحجيم، ولكن لا أحد يستطيع أن يحجّمنا».
عون – جعجع
في غضون ذلك، زار رئيس حزب «القوات» بعبدا والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وأبدى جعجع تفاؤله، متمنياً ان تشكّل الحكومة قبل الاعياد، واعتبر «انّ الامور بدأت تأخذ مسارها الطبيعي الفعلي والحقيقي الذي سيوصِل الى نتيجة».
وكشفت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ اللقاء كان ودياً للغاية، وخرج جعجع من الجلسة بارتياح تام، حيث أنّ التفاهم شمل كل الملفات التي تمّ التطرق إليها والتي يمكن وضعها في سياقين: اليوميات السياسية المتصلة بالحكومة وقانون الانتخاب وغيرهما، والسياق الآخر المتصل بالجانب المعمّق الذي فَضّل جعجع عدم التطرق إلى تفاصيله تاركاً للأيام كشفه وتبيانه وإظهاره.
وأشارت المصادر الى انّ جعجع لمس تفاؤلاً كبيراً حيال الموضوع الحكومي لدى عون الذي يعوّل على المساعي التي يتولاها «حزب الله» لتذليل العقبات، ويتوقع أن تثمر بتحقيق اختراق في نهاية الأسبوع.
اضافت المصادر: وفي حين لم يتمّ التطرق إلى مسألة الحقائب، شدد عون على رفض الدخول في أي مساومات ترتدّ سلباً على موقع رئاسة الجمهورية وهيبتها ودورها، فيما التنسيق هو على قدم وساق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري.
وقد لمس جعجع أيضاً تمسّك عون بتطبيق الدستور واحترام المواقع الدستورية، ولكنه حريص كل الحرص على أن يمارس رئيس الجمهورية دوره انطلاقاً ممّا يمنحه إيّاه الدستور من صلاحيات.
وقالت المصادر إنّ النقاش تطرّق أيضاً إلى قانون الانتخاب، حيث أكد عون إصراره على إقرار قانون انتخاب جديد يعطي العهد اندفاعة قوية، وانه لن يقبل بتشويه صورة العهد من خلال الإبقاء على القانون الحالي.
قانون الانتخاب
وفي وقت جَدّد فيه بري الدعوة الى دفن قانون الستين، بالتوازي مع الاعلان المتكرر لـ«القوّات» و «التيار الوطني الحرّ» رفضهما العودة الى الستين، كان لافتاً في الساعات الماضية دخول مجلس المطارنة الموارنة على الخط الانتخابي والتأكيد على «ضرورة الابتعاد عن تمييع مطلب أساسي ورئيسي، هو قانون جديد للانتخاب يُنتظر أن تقدّمَه الحكومة الجديدة إلى المجلس النيابي لإقراره قبل فوات الأوان، ويكون ضامناً لِما يقتضيه التوافق الوطني، على قاعدة الميثاق، من مناصفة حقيقية تعكس خصوصية لبنان الفريدة، ويضمن حقّ المشاركة السياسية الفاعلة لجميع اللبنانيّين بلا استثناء، ويجدّد نسيج تمثيلهم تحت القبّة البرلمانية».
وأبدى المجلس قلقه «من تعثّر تشكيل الحكومة بسبب التجاذبات السياسية بين الأطراف، والتشبّث في المواقف والمطالب من مختلف الجهات. الأمر الذي يأتي على حساب المصلحة الوطنية العليا وخير اللبنانيين، ويعطّل ممارسة مهام السلطة الإجرائية فيما الاستحقاقات كثيرة وملحّة».
إنجاز أمني
من جهة ثانية، وعلى مسافة ايام قليلة من الاعتداء الارهابي على احد مراكز الجيش في منطقة بقاعصفرين – الضنية الذي أدى الى استشهاد الجندي عامر المحمد وإصابة الجندي عبد القادر نعمان، تمكن الجيش اللبناني من كشف المنفذين والقبض عليهم.
وفي معلومات «الجمهورية» انّ القبض على الارهابيين تمّ في عملية دقيقة أشرفت على تنفيذها قيادة الجيش مع مديرية المخابرات، ونفّذت بحرفية عالية حيث أُطبق على الارهابيين في غرف نومهم من دون أن تتاح لهم فرصة المقاومة، وسيقوا الى مديرية المخابرات حيث بوشر التحقيق معهم.
التحضير للإنجاز
وبحسب المعلومات كما لخّصها مصدر أمني، فإنّ العملية الارهابية التي استهدفت مركز الجيش في بقاعصفرين ليل الاحد الماضي، أدخلت المؤسسة العسكرية في حال استنفار قصوى بهدف معرفة الجناة، وإلقاء القبض عليهم في أسرع وقت ممكن، إذ انّ هذا الأمر هو بمثابة تحد كبير للمؤسسة العسكرية ولا يمكن السكوت عليه أو التأخير في إماطة اللثام عن المنفذين وكل الملابسات التي تحيط بالهجوم الارهابي على حاجز الجيش.
إذ كلما تأخر ذلك فإنّ من شأنه ان يرفع معنويات الارهابيين ويجعلهم يسترخون ويشعرون بأنهم حققوا هدفهم ووجهوا ضربة معنوية كبيرة، ليس فقط باستهداف الجنود بل للمؤسسة العسكرية كلها. ومن هنا كان القرار الحازم على مستوى قيادة الجيش ومديرية المخابرات بضرورة التعجيل في الرد على الهجوم وإلقاء القبض على الارهابيين.
وفي هذا السبيل، يضيف المصدر الامني، تكثّف الجهد الامني والرصد والاستخبار وتقاطع المعطيات في أكثر من اتجاه، حتى تمكنت مخابرات الجيش من الوصول الى خيوط تدلّ على الفاعلين، وعلى الجهة التي ينتمون اليها. وبالفعل عملت المخابرات على تجميع الخيوط الى ان تكوّنت لها الصورة كاملة وتمكنت من الوصول الى هويات الجناة، ومن تحديد أماكن تواجدهم.
وتشير المعلومات الى انّ الساعات الاربع والعشرين السابقة لتنفيذ العملية كانت حاسمة في اتجاه التنفيذ، وبالفعل عقد اجتماع عسكري بإشراف قيادة الجيش وبمشاركة مديرية المخابرات، ووضعت خطة محكمة، أعطيت فيها التعليمات للقوة العسكرية المنفذة بضرورة القيام بعملية نظيفة وناجحة مئة في المئة، خصوصاً انّ هذا العمل الارهابي الذي تعرّض له مركز الجيش في بقاعصفرين قد يكون مقدمة لأعمال إرهابية أخطر، وبالتالي من الضروري أن يُساق الارهابيون الى التحقيق لكشف مخططهم.
وبناء على هذا الاجتماع، تمّ تحديد ساعة الصفر لتنفيذ العملية، وتمّ توزيع القوى العسكرية المنفذة بحسب توزيع أماكن الارهابيين، اي في ثلاثة منازل داخل بلدة بقاعصفرين، حيث أسندت لكل منها مهمة اقتحام واحد من المنازل الثلاثة وفي وقت واحد، اي في ساعة الصفر التي تحددت في الرابعة والربع فجر الاربعاء، وذلك حتى لا يعطى للارهابيين إمكانية المقاومة او الفرار. فيما تولّت دورية كبيرة مؤازرة القوى العسكرية عبر فرض طوق على البلدة وعند مداخلها.
وبالفعل، إقتحمت القوى العسكرية الثلاث هذه المنازل في عملية ثلاثية استغرقت دقائق قليلة، وقبضت على كل من ابراهيم وردة، ادهم نايف، زكريا شبيب وهلال شبيب، وجميعهم لبنانيون من بلدة بقاعصفرين.
وتمّ سوقهم الى مديرية التحقيق وبوشر التحقيق معهم. حيث تبيّن من اعترافاتهم انّ الارهابيين كانوا معاً لحظة تنفيذ الهجوم على مركز الجيش ومزوّدين برشاشين حربيين من نوع كلاشينكوف، وانّ مطلق النار على عناصر الحاجز العسكري هو ابراهيم وردة.
فيما لم يستخدم الرشاش الثاني في إطلاق النار... فوجىء المحققون بسرعة انهيار الارهابيين وتبيّن من اعترافاتهم بأنهم ينتمون الى تنظيم «داعش» الارهابي، ويشكلون خلية نائمة وجاهزة غب الطلب لتنفيذ عمليات ارهابية، علماً انّ أفرادها كانت لهم أدوار ضد عناصر الجيش في المنطقة.
وبحسب المعلومات، فإنّ الارهابيين لم يعترفوا بعد بارتباطهم بأي خلية اخرى، بل أبلغوا في افاداتهم انهم هم وحدهم يشكلون خلية لـ«داعش»، تلقّوا أمر تنفيذ العملية من مشغّليهم في الرقّة، حيث تلقّوا من امير «داعش» هناك تعليمات بتنفيذ هجوم على اي موقع عسكري للجيش اللبناني وإيقاع اكبر عدد من القتلى في صفوفه، وذلك بقصد إعادة نقل اجواء التوتير الامني الى لبنان وإشغال الجيش اللبناني انطلاقاً من الشمال.
على انّ ما أثار ريبة المحققين هو انّ اعترافات الارهابيين جاءت متطابقة ايضاً لناحية نَفيهم اي صلة بينهم وبين اي خلية ارهابية اخرى، وهو امر لا يصدقه المحققون، وبالتالي يركز التحقيق حالياً في هذا الاتجاه.
مرجع أمني
وقال مرجع أمني كبير لـ«الجمهورية»: انّ إنجاز الجيش بإلقاء القبض على الارهابيين، اكّد مرة جديدة انّ عين الجيش ساهرة، وانه لا يمكن ان يسمح بتمادي الارهابيين ومحاولة زرع فتائل التوتير والفتنة في لبنان.
وما عملية الأمس سوى دليل على انّ المبادرة هي في يد الجيش، وانه يستطيع الوصول الى عمق أوكار الارهابيين والقبض عليهم، على غرار العملية النوعية بإلقاء القبض على الارهابي عماد ياسين في مخيم عين الحلوة وكذلك العملية الكبرى التي نفذها الجيش أواخر الشهر الماضي، وتمكن خلالها من اصطياد 11 ارهابياً بينهم امير «داعش» في عرسال أحمد يوسف أمون الذي يُعدّ من اخطر الارهابيين.
وبحسب المرجع، فإنّ عملية الأمس تثبت انّ الجيش، وبالانجازات التي يحققها، قد أرهب الارهابيين، بحيث لم تعد المبادرة في ايديهم، بل نقلنا المعركة الى أوكارهم.
ولن يسمح لهم الجيش في ان يأخذوا زمام المبادرة مجدداً او يحاولوا نقل المعركة إلينا، واستهداف الوحدات العسكرية وحواجزها وأماكن تواجدها. وبالتالي، عملية الأمس هي رسالة جديدة للإرهابيين بأنّ الجيش لهم بالمرصاد، وانّ في يده تحديد زمان المعركة ومكانها حتى في عمق أوكارهم لضربهم واصطيادهم.
الجدير بالذكر انّ قيادة الجيش ومديرية المخابرات تلقّتا أمس اتصالات تهنئة من العديد من الملحقين العسكريين الأجانب، على الإنجاز النوعي الذي حققه الجيش بالقبض على إرهابيي بقاعصفرين المُعتدين على الجيش، في فترة زمنية قياسية.
وكانت قيادة الجيش قد أصدرت البيان الآتي: «بنتيجة البحث والتقصّي ومتابعة حادث الاعتداء على حاجز الجيش في محلة بقاعصفرين – الضنية بتاريخ 4/12/2016، والذي أدّى إلى استشهاد أحد العسكريين وإصابة آخر بجروح، تمكنت قوّة من مديرية المخابرات ووحدات الجيش المنتشرة في المنطقة فجر اليوم (أمس) بعد تنفيذها عمليات دهم واسعة من توقيف جميع منفذي الاعتداء وهم: (أ.و)، ( أ.ن)، (ز.ش)، (ب.ش)، كما ضبطت في الأحراج المجاورة الأسلحة الحربية المستعملة في الاعتداء المذكور. تمّ تسليم الموقوفين مع المضبوطات إلى المرجع المختص لإجراء اللازم».