لكن صاحب الكامل يروي أنّه لمّا قام رجلٌ إلى عمر، فقال له: أرخوا، قال عمر: ما أرّخوا؟ ، ممّا يعني أنّ الخليفة الثاني لم يكن قد سمع بكلمة التاريخ من قبل، ويضيف ابن الأثير: لم يكن للعرب تاريخ يجمعهم، بل كانت كل قبيلة أو جماعة تُؤرّخ (دون استعمال الكلمة) بالنسبة لحدثٍ بارز يحدث بين ظهرانيها. وقد أرّخوا بعام الفيل، وبناء الكعبة، وموت قصي، كما يذكر الطبرسي في تفسيره، وهو لا يعني إلاّ قريش، ولكن من ذا الذي يعلم كيف أرّخت تميم وقيس وأسد، أو ربيعة وغطفان..؟ ورغم ذلك فقد كان العرب يعيشون فيه، هذا التاريخ،ولم يكونوا خارجه بالطبع، على العكس، كانوا حسّاسين جدا لحدثانه ونوازله ونكباته..
أولاً: تاريخ العرب المسلمين (عصر الفتوحات)
بدأ العرب "المسلمون" في عهد عمر عصر الفتوحات، فدخلوا التاريخ من أبوابه الواسعة، فاجتاحوا إمبراطوريتين عظيمتين ،الفارسية في الشرق، والبيزنطية في الغرب، أمّا الأولى فقد احتلّوا عاصمتها المدائن، وأزالوا حكم الأكاسرة، فاعتنقت شعوبها الإسلام، أمّا الثانية فقد أجلوها عن بلاد الشام، ونازلوها في بلاد الأناضول، حتى افتتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية، ليتّسع بعدها سلطان الامبراطورية العثمانية فتقف جيوشها على أبواب فيينا في القرن السادس عشر.
إقرأ أيضا : الانهزام العربي أمام التقدم الروسي في سوريا
ثانياً: العرب في تاريخ القرن العشرين
ما أن أطلّ القرن العشرون،حتى بدأت ملامح الأمة العربية بالظهور، فقد تنبّه العرب إلى مميزات أمّتهم وحضارتهم ولغتهم وحقوقهم، وخاصة عندما تنامت النزعة الطورانية التركية وأظهرت عداءها للعرب، فخرجت الجمعيات العربية إلى العلن كادوات تعبيرية جديدة، وكانت جمعية التآخي العربية التركية باكورة الجمعيات التي دعت إلى تعزيز قضية العرب دون المساس بمصالح السلطنة، وظهرت بعدها جمعية "المنتدى الأدبي" برئاسة عبدالكريم الخليل، وظهرت بعد ذلك "الجمعية القحطانية" (١٩٠٩) وضمت ضباطاً ومدنيين عرب، ثم الجمعية العربية الفتاة، وكان لها دور أساسي في انعقاد المؤتمر العربي الأول في باريس (١٩١٣)، وكان الجامع المشترك لهذه الجمعيات إحياء اللغة العربية وتنمية الشعور القومي، ممّا أفرز نهضة فكرية وأدبية، برز فيها صلاح الدين القاسمي، وعبد الغني العريسي عبر جريدة المفيد، وعمرحمد وعمر فاخوري ، وما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى تخلّص العرب من أثقال العثمانيين وانصرفوا إلى بلورة ملامح دولهم كما قسّمها الاستعماريون،، وظلت أحلام الوحدة والنهضة والتنمية تراود أبناء هذه الأمة التي مزقها الاستعمار وزرع في قلبها (فلسطين) كيانا غاصباً، مما عجّل في صعود الأنظمة العسكرية، فاجهضت كل الآمال المعقودة على وحدة أو ديمقراطية أو تنمية، وافرزت فيما أفرزت من خيبات، الجماعات الأصولية الإسلامية، حتى عرفت الأمة انتفاضات مباركة للقضاء على الأنظمة العسكرية الاستبدادية، فلاقت بعض النجاح في تونس وليبيا ومصر واليمن، وعندما حطّ "الربيع العربي" رحاله في سوريا، تضافرت القوى الإقليمية والدولية لحماية النظام، لحسابات جيوسياسية ، لعلّ أبرزها حماية إسرائيل من كلّ سوءٍ ممكن أن تفرزه انتفاضة الشعب السوري، الشعب المهجر والمثخن بالجراح والآلام، ولعلّ حلب، الضحية التي تحمل مع الفضائع التي لحقت بسكانها وارثها الحضاري، أكبر فضيحة في تاريخ العرب، والذي على ما يبدو ،ومع سقوط حلب، سيخرجون منه، من أبواب حلب المشرّعة للغزاة المدجّجين بالسلاح الفتاك الذكي، بإنتظار، عمر آخر أو معتصم أو صلاح الدين آخر ، ويُستحسن إغفال ذكر أي زعيم عربي من الذين تربّعوا على أكتاف هذه الشعوب طيلة نصف قرنٍ مضى، يكفي أنّ من بقي منهم يكافح منذ شهور "لتحرير"حلب الشرقية من سكانها، ليلحقوا بسكان داريا، ومن ينتظر.