«طبيعي» أن يقول سيرغي لافروف قولة عربدية من نوع أن روسيا «ستعتبر» كل مسلح يرفض مغادرة شرق حلب «إرهابياً»، بعد أن بقيت بلاده تنفي مشاركة طيرانها في الإغارة على المدينة وأحيائها ومستشفياتها وبناها التحتية! موحية بذلك بأنها غير موافقة على «الحسم العسكري» الذي يسعى إليه الثنائي الإيراني – الأسدي! ومتمسكة بالأجندة التي وضعها لافروف وجون كيري في فيينا والمتضمنة طلب الفصل بين «النصرة» (الإرهابية!) وباقي الفصائل المقاتلة (المعتدلة!)، ثم الشروع في خطوات ميدانية تُبقي في خلاصتها، الوضع على ما هو عليه!
والعربدة في قولة لافروف متأتية من حقيقة يعرفها أهل حلب ومعهم كل العالم. وهذه تفيد أن موسكو منذ أول أيام نزولها العسكري في سوريا، بل منذ أولى مراحل عسكرة الثورة، كانت تعتبر ولا تزال تعتبر كل مسلح معارض إرهابياً! ومعظم عملياتها الجوية لم تستهدف سوى كل أعداء «داعش» وبشار الأسد! فإذ بالرفيق لافروف اليوم يريد أن يقول إن هناك جديداً طارئاً على موقف بلاده! وإن مقاييس وتوصيفات «الإرهاب» صارت محصورة برفض أو قبول الخروج من شرق حلب! وليس بأي تعريف (عالمي) آخر!
لا يعربد فكرياً وسياسياً وزير خارجية روسيا فقط، بل يمعن في ذلك! ويجد نفسه مرتاحاً ومطمئناً طالما أن نظيره الأميركي يواكبه (حرفياً) ويوافقه على ما يقول مثلما تبين في اليومين الماضيين!
وذلك «تطوّر» في موقف إدارة أوباما، ما كان ممكناً تصوّره برغم كل الدلائل القائلة بأنها الأم الشرعية لوصول النكبة السورية إلى مراحلها القصوى الراهنة وتحوّلها إلى واحدة من أشنع وأفظع مآسي العالم الحديث.. وإلى ميدان مسرحي دموي وعبثي لخيالات فلاديمير بوتين من جهة و«تطلعات» إيران من جهة ثانية!
كانت هناك بقايا من حياء، تحرّك قصة «التفاوض» مع الروس تحت ستار البحث عن حل سياسي، وتسمح للوزير كيري أن يستعرض ملكاته الديبلوماسية لتغطية خبث رئيسه. وكان ذلك في عناوينه يشتمل على بعض المناورات الأخلاقية والسياسية.. لكن هناك اليوم أمراً آخر! وكأن هذه الإدارة تريد «التأكيد» في سوريا على عمق ارتباطها بالإيرانيين! وعلى التزامها استراتيجية عرجاء إزاء الروس تقوم على تنفيس جموحهم الاحيائي في سوريا بدلاً من أن يذهبوا إلى ما بعد القرم وأوكرانيا..
لم ينفِ أي مسؤول أميركي ما قاله لافروف، من أن كيري وافق معه على قصة إخراج كل المسلحين من شرق حلب وليس فقط عناصر «النصرة»! وأنه بذلك يكون نسف كل ما قيل سابقاً عن سعي إلى إبقاء الستاتيكو قائماً في المدينة إلى ما بعد تسلّم الإدارة الأميركية مهامها! وأن ذلك في جملته جزء من سياق البحث عن حل سياسي وليس عسكرياً! بل تبيّن ويتبيّن، أن إدارة أوباما لم تعد تأبه لأي قناع! ولم تعد تسأل عن شيء! ولم تعد مهتمة ولا حتى بالشكليات والتوريات.. بل ربما تراها في آخر أيامها تتحسر على عدم «مشاركتها» ميدانياً في الفتك بالشعب السوري وثورته، و«تحسد» الروس والإيرانيين على ذلك!
... في مقابل ذلك البؤس في جملته، يقول مقاتلو شرق حلب شيئاً آخر، حاسماً ومحزناً وقطعياً: لا انسحاب ولا استسلام.. خلص الكلام!