بالله عليكم، هل تحتاجُ حربٌ أهلية "كامنة" الى عبارة في فيلم لتفجرها، وهل شحنَ مرتكبو أحداث "السبت الأسود" أو غيرها نفوسَهم بعد مشاهدة فيلم يسمّي بعض الأشياء بأسمائها.
تحت عناوين كتهديد السلم الأهلي وخدش الحياء مرة وتهديد علاقات لبنان بدول صديقة والتطبيع مع العدو مرة أخرى، يتخذ الرقيب قراره بمنع هذا الفيلم أو ذاك مشهراً تطبيقه قانوناً يعترف بحاجته الى تعديل ملّح، ومطبقاً اياه على فئة من اللبنانيين "المبدعين" لا تملك نفوذاً سياسياً وتحارب فقط بسلطتي البوح والرأي العام.
كانت مواجهة حامية لم تخلُ من دهشة وضحك، بين ممثلين عن الرقابة ومتضررين من فعلهم. الحدث نظمته "مؤسسة سمير قصير" لمناسبة توزيع جائزة وجيه العجوز بنسختها الثالثة لأفضل حملة تعنى بحقوق الانسان وحرية التعبير، وحضره جمهور مهتم في مبنى عليان في الجامعة الأميركية في بيروت.
وأعلن عن فوز جمعية "سكر الدكانة" بالجائزة، واحتلّ المركز الثاني على التوالي جمعيات: نحن، Celebrating arab women ،WED ، وحلت "بحر لبنان" في المركز الثالث.
على المنصة، جلسَ الرائد طارق الحلبي ممثلاً "المديرية العامة للأمن العام"، وأنطوان زخيا ممثلاً لجنة الرقابة على الأفلام السينمائية، والمخرج لوسيان بورجيلي، والمخرجة لينا خوري، ومديرة مهرجان بيروت السينمائي كوليت نوفل، والمخرجة رين متري، وأدارت الحوار الزميلة جيزيل خوري.
نوفل تكاد لا تفهم المعيار المعتمد لاتخاذ قرار بمنع هذا الفيلم او ذلك لكنها تلاحظ ان الرقابة اشتدت منذ العام 2011، "أذكر انه سُمح بعرض فيلم يتناول البيدوفيليا وفق عدد عروض معيّن، لكن الأفلام التي احتجّت عليها سفارات تم منعها"، نتحدث عن فيلم للمخرج الايراني محسن مخملباف اعتبرته السفارة الايرانية متعاطفاً مع المعارضة، وفيلم عن "الصحراء الغربية" اعترضت عليه السفارة المغربية... ولا يفوتنا فيلم "أحوال شخصية" للمخرجة الفلسطينية مهى الحاج الممنوع من العرض بسبب حيازة المخرجة جنسية اسرائيلية رغم ان رائحة صمود فلسطينيي 48 والرسوخ في الأرض تفوح من الفيلم.
لكن مهلاً يبدو ان للرائد الحلبي رداً يخاله قاطعاً، فها هو يذكرنا باحتجاج متظاهرين أرمن على عرض فيلم في ذكرى الحرب العالمية الأولى في مجمع "ABC"، "كادوا ان يحطموا المكان لاعتبارهم الفيلم منحازاً الى الرواية التركية"، بمعنى "اننا حين نمنع فيلماً انما نحمي السلم والجمهور". وفي سياق حديثه، يستعيد ردة الفعل العنيفة للبنانيين شاهدوا كاريكاتوراً اعتبروه يسخر من زعيمهم على التلفاز "هل نسيتم كيف قطعوا الطرق واحتجوا وكادت الأمور تتطور....". لكن هل من واجب الدولة منع الأفلام وتقييد الحرية أو منع ومحاسبة من يقطع الطريق ويحطم في الشارع؟ "الأمن يتعاطى بواقعية...".
النظرية نفسها يتبناها بهدوء ممثل لجنة الرقابة انطوان زخيا في سجاله مع المخرجة رين متري التي منع فيلمها "لي قبور على هذه الأرض" من العرض بحجة اثارته النعرات الطائفية. لدى زخيا خوف من ان يقع اشكال او عراك بين الجمهور في ظلام صالة السينما، في حال استفز احدهم لسماعه عبارة قد يعتبرها مسيئة الى طائفته. يصاب بعض الحضور بدهشة من مقاربة الظلام التي يكررها زخيا بهدوءه المعتاد. فهل يشاهد المتحدث ما يعرض على الاعلام متى ما كان القرار هو المواجهة بين الأطراف السياسية، هل يستمع الى ما تحتضنه الشاشات من كلام طائفي ومقاربات مخزية لامعانها في تهشيم ما يُعتبر "سلماً أهلياً". يقول الرجل ان التلفزيون ليس "شغله"، عليه اذاً بفيلم رين متري التي أثارت موضوع التهجير ومخاوف فئات لبنانية متبادلة من مسألة بيع الاراضي، أي القليل من الكلام العلني عما يقال في الصالونات. عبارة كأن "الشيعة سيسكنون هذه المباني التي بنيت في مناطق مسيحية" هي التي ستثير النعرات، لكن الكلام العلني اليومي عن هيمنة الطوائف وغبن هذه الفئة او تلك وأدبيات حقوق الطوائف التي تسمي الاشياء بأسمائها على الشاشات تكاد لا تثير شيئاً. منطق غريب.
"اذهبي الى الانترنت، اليكِ بيوتيوب، لكن تذكري أن طرح الفيلم على "دي.في.دي" في الاسواق ممنوع أيضاً"، خلاصة الحلول المقدمة الى رين التي تستمر في دعواها المرفوعة أمام مجلس شورى الدولة ضد "الأمن العام" ووزير الداخلية. تختصر المخرجة منفعلة "أنتم حراس هذا النظام السياسي... وكفى".
ليس بيد الرائد الحلبي حلول كما يقول غير الاستمرار في القيام بعمله، "عليكم بالضغط على المشرعين لتبديل القانون، تضعوننا في الواجهة، نحن الذين لا نفعل سوى تطبيق القانون..."، الرائد يستدرك ان القانون "العثماني" نفسه اذا طُبق بحرفيته يمنع ارتداءالنساء لباس البحر.
المخرجة لينا خوري تعبت من تكرار الكلام على ما تقول، هي المتهمة بخدش الحياء والتعدي على المقدسات في عمل "لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟"، تجدها تختزل "ليت أعضاء اللجنة يُختارون من أفق أرحب ليفهم أحدنا على الآخر جيّداً".
المخرج بورجيلي وجد نفسه في نقاش مع زخيا حول زواج المتعة وسن اليأس عند النساء، في معرض المحاججة بينهما حول منع فيلم "وهبتك المتعة" الذي اعتبرته اللجنة "مضللاً". في منطق زخيا "هل يعقل ان تعقد سيدة عقد متعة مع رجل اليوم، وعقداً ثانياً مع رجل آخر في اليوم التالي كما يصوّر الفيلم". لكن "لماذا لا تقيمون وزناً للخيال في الفن وهل تضم لجنتكم شيوخاً..."، يسأل بورجيلي.
ينتهي النقاش عند تشبث الرقابة بمقولة تطبيق القانون ودعوتها المعارضين الى العمل على تعديله.
تعد "سكايز" بالعمل على اقتراح قانون معدل علّه يجد طريقه الى التشريع، ليس كغيره من المسودات، في دولة تهلل لدستور الحريات ونجدها تخاف من خدش مبهم للحياء واثارة فنانين لنعرات! وكأن كل ما ارتكب في حق المواطن من سياسات فاشلة وهدر حقوق لا يخدش الحياء، او ان ما يرتكبه سياسيون وأحزاب بين فينة وأخرى في خطابهم وسلوكياتهم لا يراكم جبل البارود المهدِد للسلم الأهلي!