يوظّف "سامي" (50 عاماً) الفتيات في الشركة على "الطبلية"، فعلى المتقدّمة إلى الوظيفة أن تستوفي شروط إثارة غرائزه، وأن تنال إعجاب نظراته الوقحة وهو يمرّرها بشهوانية على تضاريس جسدها خلال المقابلة الأولى. هو يعرّي طالبة العمل بعينيه وإن أعجبته وظّفها ودأب على تعريتها فعلياً خلال الأيام المقبلة، وإلّا... لم تتمالك زينا نفسها من الفرح عندما نالت الوظيفة حيث نُصّبَ هذا القذر مديراً. ولم تدرك الفتاة البالغة من العمر 25 عاماً أنّ حصد الترقيات في هذا العمل لا يكون بالاجتهاد إنما بتلبية "رغباته" الخاصة.
"يمكنكِ أن تكوني في مركز أفضل بكثير، ولكنكِ غير راغبة"، هذا ما قاله لها مديرها، في مكتبه خلال تقييم الشهر الأول من عملها. فور دخولها المكتب أقفل الباب بالمفتاح ليهيَّأ جوّ الاختلاء بها، وراح يمعن النظر في وجهها القلق ومكامن الإثارة في جسدها.
"أنتِ قادرة تقبضي دوبل معاشك... جسمك حلو"، ووسط سكوتها يسترسل في سرد إنجازاته المهنية علّه يؤثر في نفسها فيجذبها، ليعود ويرميها بإطراء خبيث، قبل أن يقترب ليضع يده بمياعة على شعرها. فهو يحاول إفهامها بأنها لن تتقدّم في العمل دون "إرضائه".
لا يفجّر المدير سيل تحرّشاته بزينا وحدها، ولا يحصرها ضمن نطاق مكتبه، فذلك الصباح انتظر فانيسا ليطبع قبلة "ممحونة" على خدها مُصدراً أصوات الأنين، وقد تسمّرت في مكانها ممتعضة. وما إن رأى فاديا تدخّن في غرفة الطعام، حتى لحق بها، وجلس بقربها واضعاً يده على رجلها.
أما ندى التي صدّت مضايقاته و"هَرأته" متابعةً عملها، فافتعل لها مشكلة كبيرة في اليوم التالي واتهمها زوراً أمام الإدارة باستعمال هاتف مكتبها لإجراء اتصالات شخصية، ما كاد يتسبّب بطردها. كما يستفحل بتوجيه الانتقادات المتكرِّرة والأوامر غير المبرَّرة لكلّ مَن لا "تعطيه وج"، ويحمّلها أعمالاً فوق طاقتها.
تسيّب هذا المدير، شجّع غيره من الموظفين الذكور في الشركة، على إطلاق عنان شهواتهم على زميلاتهم، فهذا الذي يدعو زميلته خلال الاستراحة لتشاهد صوراً على تلفونه، وإذا به يفتح فيلماً جنسياً ليقول لها إنّ ملامح الممثّلة تشبهها، وذاك الذي يتغزّل بأخرى
عبر "واتس آب" داعياً إياها إلى شقته دون مقدّمات.
حالة بائسة
عرفت زينا 6 أشهر من اليأس والقلق، تنقّح فيها يومياً سيرتها الذاتية وترسلها إلى أيّ مؤسسة قد تهتم بتوظيفها، قبل أن تجد هذه الوظيفة بمعاشٍ متدنٍّ. وهي تحتاج لإضافة هذه الخبرة على مسيرتها المهنية، علّها تدعمها في تبوُّء مركز أفضل في المستقبل. ولكنّ كسب بعض المهارات والقليل من المال يكلّفها قلقاً، واكتئاباً، ويأساً. هي تشعر بالإذلال، وانعدام الأمان، والخوف، والغضب، وعدم القدرة على التركيز.
فإن تركت الوظيفة لن تجد أخرى وإن صدّت المدير استشاط غضباً وفجّر مشكلة وراح يصرخ عليها، وإن سكتت على تمادياته من نظراته الخسيسة، وتعابير وجهه اللاأخلاقية، وتلمّسه لكتفيها، وتحرّشه اللفظي المقزّز بها والذي لا صلة له بالإطراء الجميل، دمّرت كرامتها. فالتحرّش ليس غزلاً بل إنه ابتزاز وإهانات، وتهديدات، وعنف. ولن ينقذها من هذا الكابوس سوى إيجاد عمل آخر غير متوفّر حتّى الساعة.
تحرّشات بالجملة
زينا ليست حالة فردية في المجتمع اللبناني، بل تكشف إحصاءات أجرتها جمعية "قلْ لا للعنف" عام 2013 أنّ 39 في المئة من النساء العاملات في منطقة بيروت الإدارية يتعرّضن للتحرّش الجنسي، بينما بلغت نسبة التحرّش بالموظفات 33 في المئة في جبل لبنان، و29 في المئة في محافظة الجنوب.
تمادي المدراء في تحرّشاتهم الرخيصة، يشجّعه عدم وجود قانون لبناني يعاقب على جرم التحرّش الجنسي في أماكن العمل، وبناءً عليه، "انتِ وحظّك" فإن قرّر مديركِ إخضاعك لأهوائه بسلطته، لا شيء يردعه سوى هربك! وفي كلّ الحالات أنتِ خاسرة ومُستغَلَّة.
أين القانون؟
وها هي والدة زينا تتبعها بوابل من الإرشادات التقليدية والنصائح والنكد إن ارتدت الفتاة تنورة فوق ركبتها لتخرج مع أصدقائها: "لا ترتدي هذه التنورة القصيرة"، "لا تسهري لوقت متأخر في الليل، عودي باكراً"، ولكن لا تلك الوالدة ولا أبناء وبنات جيلها طالبوا بقوانين تحافظ على حقوق بناتهم وتكبح الاعتداء عليهنّ في أماكن العمل، بل يتذكرون فقط تضييق الخناق عليهنّ، كلما خرجن للمرح مع الأصدقاء. وكم من امرأة عانت في سبيل لقمة العيش اعتداءات وتحرّشات وإهانات، لم تكن لتتعرّض لها في أصخب السهرات!