لا جديد تحت "شمس" التأليف! العرقلة مستمرة، والرسائل تتطاير من كل حدب وصوب، وفي كل اتجاه. الرئيس المكلف سعد الحريري يعرف أن المشكلة ليست معه، وان "الثنائي الشيعي" يقلّم أظفار العهد ومن خلفه "الثنائي المسيحي" المتحمس لابتلاع الأحجام الأصغر في الساحة المسيحية. و"الثنائي الشيعي" غير مهتمّ بـ"العدالة" في توزيع الحصص المسيحية بمقدار ما هو مهتم بأمور جوهرية عدة لا بد أن يذكر بها الرئيس ميشال عون. يريد أولا ان يذكر عون ببنود "تفاهم مار مخايل" وكل ما نتج منه في السنوات التي أعقبت توقيعه، وانضمام عون الى ما يسمّى "محور الممانعة" الذي يقوده "حزب الله". وفي معرض التذكير ثانيا بما يمكن ان يواجهه العهد من مصاعب إذا فشل في إعادة عقارب الساعة الى الوراء (بالنسبة الى التحالف مع "القوات اللبنانية") فإنه قادر على ان يرسم امامه مشهدا لا يشبه بداية عهد، بل يشبه نهاية عهد، فتتحول "نشوة" البدايات الى "يأس النهايات". أما ثالث الأمور التي يذكر بها سلوك "الثنائي الشيعي" الرئيس عون، فهو أن كل ما يحكى عن "تغيير" في البلاد، هو أوهام، وان التغيير الوحيد الممكن هو قبول كل الاطراف اللبنانية بتحويل "الاعراف" التي تراكمت في الاعوام الماضية الى "ثوابت" على طريق أن تصبح نصوصا لدى أي تعديل دستوري مقبل، ومن الامثلة على ذلك محاولة تثبيت حصول الطائفة الشيعية على وزارة المال في شكل نهائي. والامر الرابع الذي يريدون تذكير العهد به، هو أن للدولة رئيسا وحكومة، ولكن للبلاد مرجعا أعلى يتربع فوق كل المناصب، ويستمد شرعيته من موازين القوى وليس من نصوص دستور يعتبرون أن روحه صارت من الماضي!
أمام هذا كله، ماذا يمكن الرئيس ميشال عون أن يفعل؟ هل يستنجد بالمرجع الاعلى بطريقة أو أخرى، لكي يطلق سراح عهده، او ما تبقى منه، باعتبار أن ثمة واقعا لا يمكن التغافل عنه، هو ان "مائدة الخلافة" رتبت، وقد جلس اليها أكثر من طرف، وبينهم الوزير سليمان فرنجية، بدليل هذه الاحاطة غير الاعتيادية لموقعه، ومعنوياته ومستقبله منذ الآن، عبر جعله رقما صعبا في موضوع تشكيل الحكومة؟ وكأنه يجري التعامل مع العهد الحالي على أنه انتقالي، بالرغم من ان انتخاب عون نفخ شيئا من الحيوية في الجسم المسيحي، وطوى في شكل أو آخر شعار "الحقوق المسلوبة" الذي رفع طويلا بوجه المسلمين.
إن الرئيس ميشال عون ينتظر من السيد حسن نصرالله ان يتدخل لإنهاء حالة القضم التي يتعرض لها عهده وهو في بداياته. وقد أعاد في اليومين الماضيين تأكيد عمق التزامه مندرجات التحالف مع "حزب الله"، بصرف النظر عن الهوامش التي يتحرك ضمنها كرئيس للجمهورية. لكن هل توقيت الرئيس ينطبق على توقيت "المرجع الاعلى"؟ هذا هو السؤال بعدما وصلت الرسالة بمضامينها المتعددة (عرقلة في تأليف الحكومة الاولى، عراضات عسكرية، احتفالات مذهبية في مرافق عامة، واستفزازات في الجامعة اللبنانية) الى وجهتها الرئيسية. ويبقى أن نذكر أن النظرية القائلة بأن الحكومة الاولى ليست حكومة العهد، بل آخر حكومات مجلس الـ ٢٠٠٩، لن تمر على أحد، لأن "قانون الستين" باق!