العشرون من كانون الثاني موعد بدء الولاية الرسمية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. عند بلوغ هذا التاريخ، يفترض أن يبدأ الحوار الأميركي ـ الروسي من مرحلة ما بعد سقوط حلب بيد الجيش السوري، وخصوصا أن موسكو وواشنطن تفضلان عدم تدشين الولاية الترامبية باشتباك ثنائي أو دولي سواء على صلة بالأزمة السورية أو أي ملف دولي آخر.
وعندما يدخل ترامب إلى البيت الأبيض، سينتقل ملف سوريا من الخارجية الأميركية إلى البنتاغون. هذا القرار قد اتخذه الفريق الرئاسي ويبقى فقط موعد تنفيذه.
ما يسري على الملف السوري يسري على ملفات أخرى. كل العالم يتصرف على أساس أننا أمام حقبة ريغانية (من وحي رونالد ريغان) جديدة، وأساسها الردع وليس بالضرورة المغامرات العسكرية.
ومن سبق له أن تعرّف في بيروت إلى الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الذي اختاره ترامب وزيرا للدفاع يقول إنه يكفي أن تنظر إلى طيات بدلته العسكرية النافرة ودرجة لمعان حذاء الرجل الأسود وربطة الحذاء الحالكة السواد ووجه الرجل الصنمي، حتى تدرك أنك أمام محارب لا يعرف في قلبه مكانا للشفقة. أكثر من 44 سنة في السلك العسكري، خرج بعدها هذا العازب ليحمل لقب «الكلب المجنون». اختبر الميدان في العراق وأفغانستان ويعرف لبنان كما اليمن وإيران وسوريا وتركيا ومعظم دول المنطقة من موقع مسؤوليته عن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي.
طهران كما الرياض وأنقرة. الكل يتحسب ويتأهب لما بعد وصول ترامب. جولة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في عواصم الخليج تهدف إلى إعلان مجلس الاتحاد الخليجي. الخطوة يريد السعوديون تكريسها قبل العشرين من كانون الثاني، على أن تستثنى منها سلطنة عُمان. التخاطب مع الولايات المتحدة سينتقل من مربع دول مجلس التعاون الى دول الاتحاد. يشعر السعوديون بأنهم سيكونون عرضة لضغط غير مسبوق من الادارة الأميركية الجديدة.
الشعور بالحذر والترقب موجود في طهران، لكن بفارق جوهري هو طبيعة العلاقات التي تربط الايرانيين بكل من الروس والصينيين. هذا المثلث قادر على جعل طهران مطمئنة الى أن الإدارة الأميركية قادرة على التشويش على الاتفاق النووي لكنها ستكون محكومة بضوابط داخلية وخارجية تمنعها من نسف الاتفاق، خصوصا أن منظومة المصالح المشتركة بين البلدين تتفوق على منظومة المخاطر التي يسعى اللوبي اليهودي إلى تكبيرها وربما ينجح في استدراج الإدارة الجديدة الى بعض الخطوات التي لن تغير في أصل الاتفاق.
التعاون بين موسكو وطهران «في القضايا المصيرية والاستراتيجية».. «أساسي وعميق»، و«لدى البلدين مصالح مشتركة في المنطقة» على حد تعبير متحدث رسمي باسم الخارجية الإيرانية، فيما دعا مرجع لبناني واسع الاطلاع إلى التدقيق في المشهد الدولي، إذ إننا أمام اشتباك اقتصادي أميركي ـ صيني كبير يبدو للوهلة الأولى أنه اشتباك روسي ـ أميركي!
ولعل المفارقة الأبرز، تتمثل في الانطباع الذي عاد به مسؤولون عرب زاروا إسطنبول مؤخرا، وسمعوا كلاما جديدا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغارق في أزمة سياسية واقتصادية لن يكون من السهل الخروج منها من دون دفع كبير الأثمان. يقول أردوغان لضيوفه العرب إنه حسم خياره بالانضواء تحت السقف الروسي ـ الصيني في مقاربة ملفات المنطقة وخصوصا الملف السوري. صار أقصى طموح «الرجل المريض».. سورياً، أن يمنع قيام الدولة الكردية عند حدوده عبر جعلها ضفتين يتحكم بهما!
وبرغم حذر الأتراك وترقبهم لمرحلة ترامب، يمضي أردوغان في برنامجه الهادف إلى فرض نظام رئاسي وصولا إلى إلغاء منصب رئاسة الحكومة (استنساخ النموذج الأميركي)، واللافت للانتباه أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو أصبح في شبه إقامة جبرية ويمنع على أي مسؤول رسمي التواصل معه بقرار من أردوغان نفسه، حسب الزوار العرب للعاصمة التركية.
في ظل هذا المناخ الدولي ـ الإقليمي، تعلن إيران أنها تعاونت مرتين مع السعودية، الأولى، كانت في ملف الرئاسة اللبنانية، والثانية، خلال اتفاق منظمة «أوبك» على تحديد مستويات الإنتاج.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، فإن «تعاوناً كهذا يمكن أن يحلّ المشاكل على الساحة الدولية»، مشدداً على أن المنطقة تواجه في الوقت الراهن العديد من الأزمات، وبالتالي فإن الحلّ يكون بالتشاور، مذكراً بأنه «في ما مضى، أثبتت إيران أنها تمدّ يدها إلى أي دولة جارة في حالة امتلاكها حسن النية وتريد العمل من أجل تعزيز الاستقرار في المنطقة».
ووفق سياسي لبناني مخضرم، فإن الحوار السعودي ـ الإيراني غير المباشر كان هو الأساس في إنتاج التسوية الرئاسية ـ الحكومية (ميشال عون لرئاسة الجمهورية وعودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة)، ويقول إن سعد الحريري ينتظر تمرير تشكيلته الحكومية بأقل الخسائر الممكنة في مرحلة أولى، وبعد نيل حكومته ثقة مجلس النواب، يصبح متحررا من القيود الحكومية وأكثر اندفاعا في مقاربة الملف الانتخابي، ولو اقتضى الأمر الإقدام على مقاربات سياسية جديدة تشبه في مضمونها خيار تبني ميشال عون رئاسيا.
حتى الآن، لا يستطيع أحد تحمل كلفة القبول بـ «قانون الستين»، ولو أن هذا «الفيل الكبير» يجلس في أحضان الجميع، ولكن من دون أن يقر أحد بمشاهدته ولا حتى بالشعور بأصل وجوده. أيضا لا يريد الكل أمام «الدول» من جهة وأمام جمهوره من جهة أخرى، تحمل مسؤولية تطيير الانتخابات (التمديد) تحت أي عنوان سياسي أو تقني كان.
مشكلة التأليف الحكومي أن الأطراف المسيحية تُقارب الأمور من زاوية ما سينتجه المجلس النيابي المقبل من أحجام ربطا بالواقع المسيحي المتحرك، وخصوصا الحسابات الرئاسية المفتوحة بعد ست سنوات.
معظم الخطوط السياسية مفتوحة يوميا، خصوصا بين نادر الحريري مدير مكتب رئيس الحكومة المكلف وبين المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي الوزير علي حسن خليل. الاثنان كانا قد اجتمعا في نهاية الأسبوع وأطلعا مباشرة الرئيس بري على الأفكار المطروحة لكسر الجمود الحكومي، خصوصا أن نادر الحريري على تواصل يومي مع وزير الخارجية جبران باسيل.
في السياق نفسه، بقيت القنوات مفتوحة بين باسيل وممثل قيادة «حزب الله» في المفاوضات الحكومية الحاج وفيق صفا. التفويض للرئيس بري ما زال قائما والعرض الذي قدمه لم يأت أحد ببديل أفضل منه.. ولا بأس بترجمة سريعة للتواصل بين بعبدا وبنشعي.
حتى الآن، كل المؤشرات لا تبشر بأي انفراج حكومي قريب. التبريد المتعمّد يجري استثماره إعلاميا وسياسيا بإظهار أن المعرقل هو جماعة «8 آذار» خصوصا في ظل التناقض الواضح القائم بين «التيار الحر» و «المردة». السؤال الأساس من سيصرخ أولا إذا طال أمد مشاورات التأليف؟
حتما لا أحد محرج بالوقت إلا العهد الجديد.
المبادرة بيد رئيس الجمهورية وكل يوم تأخير يؤدي إلى الإنقاص من رصيده الشعبي والسياسي.