أيّاً كانت الظروف التي قادت الى معركة «حلب الكبرى» فهي بلا شك ليست المعركة الأولى ولن تكون الأخيرة منذ اندلاع النزاع في سوريا بين أبنائها وفيها وعليها. وبعدما تعدّدت وجوه القادة المحليين والإقليميين والدوليين في حرب اقتربت أن تقفل سنتها السادسة بقي «قائد المعارضة» المفقود الوحيد. ولذلك سيبقى السؤال مطروحاً عن المحطة التالية لحلب؟!بعد أربعة أشهر وعشرة أيام من اليوم تقفل الحرب السورية سنتها السادسة من دون أن تظهر أيّ بشائر لمخارج او حلول سياسية رغم حجم المبادرات العربية والدولية ومسلسل تفاهمات جنيف وبات صعباً إحصاء جولات العنف التي تعدّدت بين مدينة وأخرى في بلد كانت تدير فيه القوى المتنازعة بقواها المحلية والإقليمية والدولية أكثر من 97 جبهة مشتعلة في وقت واحد.
فقد تابع العالم بقلق شديد المعلومات التي تحدثت عن عدد كبير من الجبهات التي كان صعباً إحصاؤها بعدما امتدت على مساحة البلاد الواسعة. فقد أحاطت النيران العاصمة دمشق واريافها وعمقها الحيوي وصولاً الى مرحلة تعرّضت فيها أسوار «قصر الشعب» الرابض فوق تلة كبرى غرب العاصمة للقنص امتداداً الى المخاطر التي وضعت الساحل السوري أمام مصير أسود لأيام كانت تحصى بساعاتها.
وكلّ ذلك جرى تزامناً مع فقدان الدولة سيطرتها على حدودها كاملة بعدما أُلغيت الحدود مع العراق وفقد النظام السيطرة على المعابر المؤدية الى الأردن وتركيا وبقيت له الحدود اللبنانية المتنفس الوحيد ولكلّ مَن يتعاطى الشأن السوري من فرق الأمم المتحدة المتعددة الإختصاصات والبعثات السورية والدولية.
لا يمكن أحد أن يتنكر لهذه الحقائق التي اكتملت وبلغت الذروة في نهاية السنوات الأربع من الحرب بكلّ ما رافقها من جولات عنف لم توفر أيّاً من المدن وتحديداً تلك التي أحاطت بدمشق وأريافها الى القنيطرة ودرعا والسويداء جنوباً الى القلمون وحمص وإدلب واللاذقية غرباً والحسكة والقامشلي وكوباني شمالاً وصولاً الى المواجهات الكبرى في حلب وحماه وأريافها.
وكلّ ذلك جرى قبل أن يضع التدخل الروسي المباشر في الأول من تشرين الأول العام 2015 حدوداً للعديد من الجبهات التي أُقفلت فانحصرت المواجهات بما يقارب 74 جبهة داخلية ما زالت مشتعلة. وإن لم تكن على لائحة الإهتمامات الإعلامية بمقدار ما باتت دافعاً الى إنشاء المواقع والشبكات الإلكترونية المحلية التي نبتت بالعشرات في المدن بنحو وفّر تغطية مباشرة لأيّ حادث يمكن أن يشهده أيّ حيّ أو شارع فيها.
وبناءً على ما تقدّم، بات من الواضح أنّ تأريخ الأزمة السورية لن يكون سهلاً على أيّ جهة محلّية أو دولية وباتت بعض المعارك الفاصلة هي التي تحدّد مسار الأحداث. فمعارك دمشق وحمص والساحل السوري هضمت إثنين من مؤتمرات جنيف عدا عن لقاءات الجامعة العربية التي تعطلت منذ ثلاثة اعوام بطرد الممثلين الشرعيّين للنظام السوري من مؤسساتها وهيئاتها.
وتوالت المعارك في تدمر وحلب وكوباني وحماة وادلب والرقة والساحل السوري لتبتلع مؤتمرين آخرين من جنيف ولقاءات روما وفيينا وبرلين، عدا عن تلك التي عقدت على مستوى أصدقاء سوريا على هامش قمم دول عدم الإنحياز ومجموعة «البريكس» أو مجموعة العشرين والدول الصناعية العشر الكبرى بالإضافة الى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومجلس الأمن والقمم الثنائية والثلاثية التي جمعت قادة من المنطقة والعالم.
ومخافة أن تُحتسب معركة حلب كسائر جولات العنف الجانبية الأخرى، تصرّ المراجع الدبلوماسية على اعتبارها محطة فاصلة في مسيرة الحرب السورية في حالتين:
- الأولى، إن نجح الروس وحلفاؤهم في اقفال ملفاتها قبل أن تتسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها في الثلث الأخير من الشهر المقبل بحيث ستفرض آلية عمل جديدة عليها تمهّد لها روسيا بغزل غير مسبوق مع الرئيس الجديد دونالد ترامب وفريق عمله الذي لم يقدم أيّ مقاربة لما سيكون عليه الدور الأميركي هناك.
- الثانية، إن انتقلت روسيا وحلفاؤها سريعاً الى مناطق الثقل الأخرى في ادلب والرقة حيث المعقل الأخير لـ«داعش» والمنظمات المعارضة ووضعت حداً فورياً للعملية التركية في الشمال السوري وشلّ قدرتها على التوسع والسيطرة على مدينتي منبج والباب.
وما بين الحالتين لا يتجاهل المراقبون غياب قوات الحلف الدولي عن المشهد السوري منذ اشهر رافقت حرب حلب وسحب الدول الأوروبية طائراتها من المعارك تزامناً مع غياب الطائرات الأميركية والخليجية عن سماء الشمال السوري بلا أيّ تفسير أو تبرير ما يقود الى الاعتقاد أنّ المنطقة سلّمت الى موسكو، وإن بكلفة غالية تسدّدها يومياً ومعها النظام وحلفاؤه.
وختاماً لا بدّ من الإشارة الى أنّ حرب حلب لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فالأفق مقفل على كلّ أشكال الحلول والمبادرات الخارجية في ظلّ فقدان المبادرات الداخلية وأنّ هناك جولات جديدة من العنف سواء انتقلت الى مناطق جديدة او أُعيد فتح جبهات قديمة. فكلّ السيناريوهات واردة سوى ذلك الذي يقود الى إقفال ملف الأزمة السورية في وقت قريب.