تكاد تكون عقدة تمثيل تيار «المردة» في الحكومة الشمّاعةَ التي يعلّق عليها كثيرون حججَهم لتأخير الاستحقاق الحكومي، في الوقت الذي بدأوا يعدّون العدّة للاستحقاق النيابي متجاوزين وعدَ العهد ورغبات الراغبين بإقرار قانون انتخابي جديد تُجرى الانتخابات النيابية في الربيع المقبل على أساسه.ويتصرّف هؤلاء على أساس أنّ الانتخابات حاصلة بإشراف حكومة جديدة، أو بإشراف حكومة تصريف الأعمال، فالمهمّ بالنسبة إليهم هو الاستحواز على الاكثرية النيابية في المجلس النيابي المقبل ليقبضوا من خلالها على زمام البلد، أو على الأقل، للتحكّم بمفاصل اللعبة السياسية، والطريق إلى ذلك سيكون من خلال أحلاف وتحالفات بدأت ترتسم معالمُها في الأفق وتستبطن نيّات النَيل من هذا الفريق أو ذاك.
بعض الأطراف السياسيين المعنيين بتأليف الحكومة وغير المعنيين يبدون مرتاحين إلى مسار الأوضاع، وبات لا يؤرقهم تأخُّر الولادة الحكومية، ويردّدون في مجالسهم أنّهم نجحوا في زرعِ الأسافين بين كثير من الأفرقاء من خصومهم وغيرِ الخصوم، بحيث إنّهم يعتقدون انّهم نقلوا الاشتباك من جبهة الى أخرى وأوقعوا بين خصومهم، ما سيمهّد لهم الطريقَ الى انتخابات يكتسحون فيها غالبية المقاعد النيابية في البرلمان المقبل.
وفي ضوء هذا التفكير يقول سياسيون إنّ البلد يقف على كفّ عفريت، ولن ينقذه إلّا قانون انتخابي يعطي لكلّ طرف حجمه الطبيعي، أمّا قانون الستين الذي يعمل «عُشّاقه» على تأبيده، فهو بات بمثابة جمرٍ تحت الرماد، وإنّ الجمر بدأ يهدّد بإشعال أزمة في البلاد، خصوصاً في ظلّ ما يُحكى عن تحالفات تتأهّب أطرافها لخوض الانتخابات على أساسه لاكتساح كلّ الدوائر وإقصاء الخصوم والقبض على السلطة.
ويرى هؤلاء السياسيون أن ليس من قبيل الترَف أو المصادفة أن يرفع رئيس مجلس النواب نبيه بري شعار: «لا للتمديد... لا لقانون الستين»، فإذا لم يقرّ قانون الانتخاب الموعود ولم تجرِ الانتخابات على أساس «الستين» ولم يتمّ التمديد للمجلس، إلى أين سيذهب البلد في هذه الحال؟
ويَستدرك هؤلاء ويجيبون: «البلد سيذهب في هذه الحال إلى كارثة، وفي أحسن الحالات إلى مؤتمر تأسيسي، أفلا يدرك العاملون على الاستثمار مجدّداً بقانون الستين أنّهم يمهّدون للمؤتمر التأسيسي الذي لطالما حذّروا منه؟ وكيف يمكن الذهاب إلى مِثل هذا المؤتمر الذي إذا دخَلت القوى السياسية فيه، تعرف كيف تبدأ ولكنّها لا تعرف كيف تنتهي، وكيف سيكون وضع البلد في هذه الحال؟.
ويقول هؤلاء السياسيون إنّ بري كان قد اتّفقَ مع «التيار الوطني الحر» قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية على مشروع قانون انتخاب يَعتمد النظام النسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة إذا أمكن، وإذا تعذّرَ فعلى أساس لبنان 13 أو 15 دائرة، والبعض قال ان تتمّ الانتخابات على مرحلتين؛ الأولى تأهيلاً على أساس القانون الأرثوذكسي وعلى أساس الاقضية، والثانية وفق النظام النسبي على أساس الدوائر الكبرى، أي المحافظات.
وفي ضوء هذا الاتفاق وقبله عقدة تمثيل رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في الحكومة يَعتقد بعض الأطراف المعنيين بتأليف الحكومة أنّ على العهد الإجابة على مجموعة أسئلة لعلّ أبرزها:
أوّلاً، ما هو موقفه من تعهّدِه في خطاب القسَم بإقرار قانون انتخابي جديد قبل الانتخابات النيابية المقبلة في ضوء معاودة البعض طرحَ القوانين المختلطة بين النظامين الاكثري والنسبي، والمفصّلة على اساس مصالحهم الانتخابية والسياسية؟
ثانياً، ما هو موقفه من قانون الستين الذي لطالما نادى بدفنِه، فيما يعمل البعض سرّاً وعلناً للإبقاء عليه لخوض الانتخابات المقبلة على أساسه.
ثالثاً، ما هو موقفه من الانتخابات نفسِها إذا تعذّرَ إقرار قانون انتخاب جديد؟
رابعاً، كيف سيبدّد العهد الهواجسَ والمخاوف القائمة من تحالفات قد تؤدي إلى إخلال في التوازنات القائمة في البلد؟ وهل يستقيم العهد في وقتٍ يبدو أنّ هذه التحالفات تستبطن هدفَ إلغاء قوى وبيوتات سياسية ومكوّنات طائفية ومذهبية؟
وإلى هذه الأسئلة، هناك أسئلة أُخرى، على «عشّاق» قانون الستين أن يجيبوا عنها، وأبرزُها:
أوّلاً، بعد كلّ ما جرى على البلد، هل ما زلتم تعتقدون أنّ في إمكانكم الاستحواز على الاكثرية النيابية وإقصاء هذا وذاك مِن الأفرقاء السياسيين، في الوقت الذي يشدّد العهد ومعه كثيٌر من المكوّنات السياسية على حكم الشراكة الوطنية.
ثانياً، هل لحستُم مواقفكم الرافضة قانون الستّين، الذي وصفتموه بـ»المُر العلقَم» وأنّه خرّب البلد، وناديتم بقانون جديد؟
ثالثاً، هل أنتم قادرون على إقصاء الآخرين والاستئثار بالسلطة، فيما كلّ التجارب أثبتَت أنّ أحداً لا يمكنه إقصاء أحد، وأنّ البلد لا يُحكم إلّا بالتوافق؟
عند تبَلوُرِ الأجوبة على هذه الأسئلة يمكن تلمُّس مصير الولادة الحكومية