إذ لم يخرج ملفّ تأليفها من دائرة الجمود والمراوحة بعد، على رغم الاتصالات والمشاورات الجارية في مختلف الاتّجاهات وعلى مستوى المعنيّين بالتأليف، لتذليل ما تبَقّى من عقَد. وفي وقتٍ أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استمرارَ الاتصالات لمعالجة الوضع الحكومي. تتّجه الأنظار إلى المواقف التي سيُعلنها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله في إطلالة قريبة. وعلمت«الجمهورية» أنّ الحزب مستمرّ في مساعيه للتقريب بين عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، إلّا أنّ هذه المساعي لم تثمِر حتى الآن، بسبب تمسّكِ كلّ طرف بموقفه، إذ يعتبر رئيس الجمهورية أنّ البيان الذي صَدر عن مكتبه الإعلامي كافٍ كمبادرة حسنِ نيّة، أمّا فرنجية فهو مصِرّ على أنّ هذا البيان لا يتناسب مع الموقف وأنّه غيرُ معنيّ به، والموضوع ليس هواجس، بل مشكلة فعلية تحتاج إلى تواصلٍ مباشر لا تُحلّ ببيان.أمام التعطيل المتحكّم بالمشهد الداخلي، تعرّضَ لبنان لضربةٍ موجعة في خاصرته الأمنية، تمثّلت في الاعتداء الإرهابي على الجيش في بلدة بقاعصفرين في قضاء الضنّية ليل أمس الأوّل، من خلال هجوم مسلّح على حاجز له، أسفرَ عن استشهاد الجندي عامر مصطفى المحمد وجَرحِ الجندي عبد القادر نعمان. وقد لقيَ هذا الاعتداء الهمجيّ إدانة واسعة لدى جميع الفئات اللبنانية، وتأكيداً متجدّداً على الالتفاف حول الجيش في معركته الدائمة ضدّ الإرهاب.
وبدا أنّ هذا الاعتداء ليس موضعياً، ضدّ حاجز عسكري بعينِه، بل ضدّ المؤسسة العسكرية تحديداً، ولبنان خصوصاً، وقد دلّت التحقيقات الأوّلية إلى أصابع «داعشية» تكفيرية، تقف خلفَ هذا الاعتداء، لا سيّما وأنّ الأجهزة الأمنية والعسكرية تملك معطيات عن أنّ المجموعات الإرهابية تخطط لعملية إرهابية ضدّ الجيش والمناطق اللبنانية. وهذا ما أكّدت عليه اعترافات الإرهابيين الذين أوقفَتهم مخابرات الجيش في الآونة الأخيرة.
مرجع أمني
وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية»: «إنّ الجيش يُجري التحقيقات اللازمة لكشفِ ملابسات العملية الإرهابية والغاية من استهدافه في هذا التوقيت، علماً أنّنا لا نتعاطى مع هذه العملية كحدثٍ بسيط وعابر، بل بأنّها عملية خطيرة، تضع الجيشَ أمام واجب زيادة جهوزيته، لمنعِ تحقيقِ هدفِ الإرهابيين في إشاعة الفوضى في لبنان، انطلاقاً من منطقة الشمال.
ولذلك أعطى الجيش توجيهاته إلى قطعاته لاتّخاذ أعلى درجات الجهوزية والاستنفار، لكشف الفاعلين والنَيل منهم وسَوقِهم إلى القضاء». وأضاف: «لن نسمح للإرهابيين بأن يَمسّوا بأمننا، ونتركهم بلا عقاب، وسنلاحقهم إلى أوكارهم وغرَفِهم السود».
من جهته، أكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «التحقيقات بدأت، وهناك سبعةُ موقوفين مرتبطين بتنظيم «داعش» أو قريبين من فكرِه». ولفتَ إلى وجود «احتمالين لتنفيذ الهجوم، يُنتظَر أن تحسمهما التحقيقات، الأوّل هو أنّ المسلحين كانوا داخل سيارة وأطلقوا النار في اتّجاه الحاجز، والثاني أنّهم تسللوا إليه سيراً وأطلقوا النار عليه من مسافة قريبة».
ونفى المصدر ما تمّ تداوُله في بعض وسائل الإعلام عن أنّ «الهجوم حصَل جرّاء ردّة فِعل على عملية دهمِِ تمّ خلالها توقيفُ أحد الأشخاص الإرهابيين في البلدة»، وشدّد على أنّ «الجيش مصِرّ على حسمِ القضية وعدمِ السماح بتحويلها مسلسلَ استهدافٍ لمراكزه».
وتوازياً، استمرّت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة طوال أمس في تنفيذ أعمال تفتيشٍ ودهم بحثاً عن مطلِقي النار للقبض عليهم وسَوقِهم إلى القضاء.
مراوحة في التأليف
سياسياً، دلّت المعطيات أمس إلى أنّ عملية تأليف الحكومة ذاهبة إلى مزيد من المراوحة التي تكاد تتحوّل جموداً يهدّد العهد بالاستنزاف. وبدا أنّ عقدةَ تمثيل فرنجية ليست هي ما يَعوق الولادة الحكومية، وإنّما ذهابُ غالبية القوى السياسية إلى الانتخابات النيابية قبل موسم الانتخابات، بدليل أنّ التحالفات الانتخابية وربّما السياسية، بدأت تُنسَج منذ الآن، على مسافة أقلّ مِن ستّة اشهر من موعد الانتخابات.
ويتظهّر من خلفِ المواقف رغبةٌ جامحة لدى كثيرين بالتمسّك بأهداب قانون الستّين النافذ. لكن ثمَّة مخاوف بدأت تثيرُها خلفية القوى المتمسّكة بهذا القانون، إذ إنّه سيُعيد إنتاجَ الحياة السياسية القائمة «معجَّلةً مكرّرة» بحيث لا يَدخل دمٌ جديد إلى هذه الحياة، وتنعدم بذلك فرَصُ تطوير النظام نحو الأفضل.
ويقول مواكبون لأجواء التأليف المتعثّر «أنّه إذا كان وضعُ التأليف كما يقول المعنيون بالملفّ الحكومي قد استوى باستثناء عقدةِ تيار «المردة»، وأنّ بقيّة التفاصيل منجَزة، فما الداعي لتأخير الحكومة، خصوصاً أنّ حلّ عقدةِ فرنجية قد تكفّلَ به رئيس مجلس النواب نبيه بري على أساس أن يُعطى فرنجية حقيبةً أساسية، حتى إذا لم يقبَل بها سارَع بري إلى معالجتها معه».
في غضون ذلك، قال مطّلعون على المفاوضات الحاصلة «إنّ الأحاديث عن زيارة يمكن أن يقوم بها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى بنشعي ليست مطروحة، وهي أثيرَت فقط في الإعلام، وإنّ فرنجية أبلغَ الوسطاء رأيَه بشكل واضح وبسيط، فهو لا يربط لقاءَه بعون بتشكيل الحكومة، فلماذا اعتبارُ أنّ العقدة تُحَلّ بمجرّد أن يزور بعبدا، وأنّه سيقدّم تنازلات ؟ اللقاء يخفّف من الحدّية حتماً لكنّه لا يحلّ المشكلة.
وفي السياق، قال الوزير السابق يوسف سعادة لـ«الجمهورية»: «لا ربطَ بين ملفّ تشكيل الحكومة ولقاء عون ـ فرنجية، فالأوّل منفصل تماماً عن الآخَر، وموقفُنا منه معروف، أمّا الثاني فهو جلسة مصارحة يمكن أن تؤسّس لعودة العلاقة إلى طبيعتها، وإلّا ستبقى هذه العلاقة رسمية تَحكمها الأصول والبروتوكول».
مصادر «القوات»
في هذا الوقت، قالت مصادر حزب «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ اللقاءات بين الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس الحزب سمير جعجع «تتّسم دائماً بطابعٍ ودّي وشخصيّ بفِعل الصداقة بينهما، وذلك في معزل عن تحالفهما السياسي».
وعن مضمون اللقاء بينهما في «بيت الوسط» مساء أمس الأوّل أكّدت المصادر نفسُها أنّ «الطرفين متّفقان على أنّ رئيس الجمهورية يقود البلاد في شكل حكيم، ما انعكسَ ارتياحاً على الأوضاع العامة الاقتصادية والاجتماعية، وما سينعكس بمقدار كبير بعد تأليف الحكومة، وقد نوَّها بإدارته التي تستظلّ الدستور».
وأشارت المصادر إلى أنّ الطرفين «توقّفا طويلاً عند الوضع الحكومي، فاستعرَضا ما آلت إليه الأمور، والخلفيات الكامنة وراء عرقلة التأليف، كما الحلول والمخارج التي تقود إلى تشكيل الحكومة».
وأكّدت أنّ «قانون الانتخاب شكّل طبقاً رئيسياً، فشدّداً على ضرورة الذهاب إلى قانون انتخاب جديد انطلاقاً من القانون المختلط الذي قدّمته «القوات» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي».
ولفتَت المصادر إلى «أنّ الطرفين استعرَضا الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وما يَجري في حلب خصوصاً، وسوريا عموماً. كذلك عرَضا للوضع الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة وطبيعة انعكاساتها على أحداث المنطقة بدءاً من الحدث السوري، لِما لذلك من انعكاسات على لبنان».
وكانت «القوات» قد ذكرت في بيان أصدرَته الدائرة الإعلامية فيها «أنّها كانت أوّلَ من دعا إلى إقرار قانون انتخابي جديد، وذلك بعد انتهاء انتخابات العام 2009 مباشرةً». وقالت إنّها «خاضت وتخوض أشرسَ المواجهات السياسية من أجل إسقاط القانون الحالي الذي يؤدّي إلى تشويه التمثيل النيابي على مساحة الوطن ككلّ».
وأكّدت تمسّكها و«المستقبل» والاشتراكي بالقانون المختلط، ووضَعت «محاولة تحويرِ موقفها الجازم من قانون الانتخاب في سياق الحملة المبَرمجة التي تتعرّض لها مجدّداً منذ انتخاب الرئيس ميشال عون».
«الكتائب»
بدوره، طالبَ حزب «الكتائب» وبإلحاح بـ«دفن» قانون الستّين «الذي يضرب الشراكة ويُقصي جزءاً كبيراً من اللبنانيين، ووضعِ قانونٍ للانتخاب يَضمن صحّة التمثيل وعدالتَه». واستعجَل تأليف حكومة «تضع في أولويتها إقرارَ قانون الانتخاب والموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى معالجة الأوضاع الحياتية كبندٍ دائم على جدول أعمال السلطة».