بعد أن هُدّمت حلب بدأت القيادة الروسية في استثمار الانتصار المُدمّر بالذهاب مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليضع وزير الخارجية الروسي الانتصار في سلة الإدارة الأمريكية الجديدة عبر الدعوة الملحّة لهدنة في حلب تكون بمثابة استراحة للمتقاتلين وبداية لرؤية مشتركة للحلّ بين أميركا وروسيا .
هنا يتصرّف الروسي وكأنه وحده المسؤول عن سورية ووحده ما ينجز في الميدان دون مراعاة مصالح أحد من الحلفاء في المعركة يقيناً منه بأن النظام السوري والجمهورية الإسلامية وحزب الله ليس باستطاعتهم أو بمقدورهم حسم معركة حيّ في دمشق وهم يعانون العجز الكبير في استرداد مُدن بحجم حلب ولولا الدخول الروسي على خط المواجهة والمعركة لما رُفع علم النظام على الأطلال ولبقيت جولات الحرب محكومة لمعادلة راوح مكانك ولما تحسّنت شروط النظام في أيّ مكالمة دولية لتسوية تحفظ الرئيس الأسد في السلطة .
هذا اليقين جعل الروسي يتصرف على هواه في سورية وهو يبيع ويشتري وفق ميزانه الخاص ويحاول دائماً أن يرضي أميركا لتحسين شروطه في التسوية المقبلة في سورية وغيرها، وخاصة في المجالات المتاحة لروسيا كيّ يكون لها دوراً وازناً في الاستثمار والاستفادة من لحم الدول وثرواتها وأسواقها .
ثمّة قلق حقيقي لدى النظام من إمكانية بيع الوضع السوري من قبل روسيا القلقة من استمرار الحرب إلى ما لانهاية وهذا الاستنزاف لا يرضي القيادة الروسية وهي تحتاج إلى فرص عمل لتحسين أوضاعها الاقتصادية لا إلى زيادة العجز في الميزان التجاري خاصة وأن الديون المترتبة على سورية غير مضمونة إذا ما ذهب النظام ووّلت سلطته. لذا تلعب روسيا في الجيب المضمون ومن هنا محاولته الجدية والمتكررة إلى عقد اتفاق مع الادارة الأمريكية حول سورية يسمح بتسوية تلبي حاجة روسيا وتضمن لها الاستمرار في الأكل من الكتف السوري سواء في الأمن أو الاستثمار وهي حاضرة للدخول في إعمار سورية ما بعد الحرب كشريك مساهم مع الشركاء الدوليين وما يترتب على ذلك من تعاون فعلي أوسع بكثير من التعاون غير المشترك في الحرب .
يبدو أن المتضررين من الدور الروسي في مجال البيع العلني للأسقف الجديدة للميدان الروسي غير قادرين على إيقاف الدور الروسي وتعطيل تفاعلاته في الوسط المُضر بجوهر النظام، لذا سيكتفون بوضع العراقيل أمام الخطوات الروسية بتهديد أيّ حلّ أميركي أو ترتضيه واشنطن لأنه يخدم العدو الإسرائيلي .
في تفتّق رؤية حلفاء النظام في سورية باتت حسابات السماء الروسية مخالفة لحسابات الأرض الإيرانية وهذا ما سيعقّد الوضع أكثر وسيضاعف حدّة الأزمّة وسيصعّب إمكانية الاتفاق على حل نهائي لحرب لا مجال لإسكاتها بهذه الطُرق الملتوية .