بات واضحاً أنّ الأزمة الراهنة التي يعيشها لبنان هي أبعد من تأليف الحكومة، بل إنّها تبدو أعمقَ مِن ذلك بكثير، وتتّصل بشكل الصورة التي يُفترض أن يرسوَ عليها الوضع السياسي العام ومستقبله. ويبدو أنّ التسوية التي أفضَت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وإلى تكليف الرئيس سعد الحريري تأليفَ الحكومة، لم تسحَب نفسَها على التأليف نفسِه، ولهذا السبب يبدو أنّ هذا التأليف معلّق حتى إشعار آخر. في وقتٍ يشكّل القانون الانتخابي الجديد نقطة مدّ وجزر بين الأفرقاء السياسيين، وكلّ الدلائل وما يحوط بهذا القانون من اختلافات وتباينات تؤشّر إلى أنّ الوصول إليه يعترضه حاجز سياسيّ سميك جداً، وثمّة صعوبة كبرى في اختراقه إلّا إذا توافرَت الإرادات الجدّية والصادقة للذهاب إلى مِثل هذا القانون.
أمام هذا المشهد الذي يزداد تعقيداً، تبرز محاولات بعض الأطراف ودورُها، إذ تبدو وكأنّها تحاول الهيمنة على العهد واحتواءَه وإحراجَه، في وقتٍ لم يجفّ بعد حبرُ الكلام الرئاسي بأنّ رئيس الجمهورية فوق الطرَفيّة ولن يكون مع طرف ضدّ آخر.

ولا يبدو أنّ هذه المحاولة تلقى قبولاً في أوساط سياسية مختلفة، وكذلك لدى المراجع الدولية التي أبدت ارتياحَها إلى الواقع الرئاسي الجديد، وعكسَت ذلك بالزيارات التي شهدها لبنان في الفترة الأخيرة، وشدّدت على ما يردّه عون لانطلاقة قوية للعهد وتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها التصدّي لكلّ الأزمات والملفات المتراكمة.

على أنّ هذا الدعم الخارجي الذي عبّرَت عنه زيارات الموفَدين، على أهمّيته، يبقى في الإطار الكلامي الذي ينتظر الترجمة، في وقتٍ يؤكّد سياسيّون أنّ لبنان مقبلٌ في نهاية المطاف على تأليف حكومته، لكن يبدو أنّ ما يَحول دون ذلك حتى الآن هو أسباب خارجية أكثر منها داخلية، ولعلّ أهمّها، بحسب معلومات هؤلاء السياسيين، أنّ بعض القوى الإقليمية الفاعلة والتي لها تأثير مباشر في لبنان، ما زالت تنتظر بَلوَرة صورةِ الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وخصوصاً فريق عملِه الذي سيتسلّم ملفّ الشرق الأوسط، وطريقة التعاطي معه. وحتى ذلك الحين، يُخشى أن يبقى الوضع اللبناني معلّقاً في ظل احتدام معركة حلب وانتشار صور لجنود روس أمس على أرض المدينة.

وعلى أهمّية الزيارات الدولية إلى لبنان، فإنّ بعضَها يتجاوز الدعمَ الكلاميّ إلى إثارة مواضيع خلافية، على ما نَقل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي استغلّ منبرَ وزارة الخارجية لكي يشنّ هجوماً عنيفاً على الرئيس السوري بشّار الأسد، من دون أن يراعي حساسية الوضع اللبناني وسياسة «النأي بالنفس» التي يعتمدها، ومن شأن هذا الأمر أن يزيد على تعقيدات تأليفِ الحكومة تعقيداً إضافياً، علماً أنّ الكلام التركي استدعى ردَّ وزير الخارجية جبران باسيل الذي أكّد لنظيره التركي «أنّ الشعب السوري هو صاحب الصلاحية والحقِّ في رسمِ مستقبل بلاده ونظامه».

لا تطوّر ملموساً...

وأمام هذه الصورة، لم تحمل عطلة نهاية الأسبوع أيَّ تطوّر ملموس على جبهة تأليف الحكومة، بل إنّ ما شاع يَشي بمزيد من التأخير في الولادة الحكومية، أللهمّ إلّا إذا حصَل «فتحٌ ما» يفضي إلى فكفكةِ العقَد، الظاهر منها والخفيّ.

الظاهر يتمثّل بتمثيل هذا الفريق وحرمان ذاك، والخفيّ قانون الانتخاب الذي يَجول في الدهاليز، في محاولةٍ من البعض للإبقاء على واقع الحال، أي قانون الستّين النافذ.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ هناك حراكاً يَجري في ضوء لقاء رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في«حزب الله» الحاج وفيق صفا، والذي لم يتمكّن من حلّ عقدةِ رئيس تيار«المردة» النائب سليمان فرنجية، وتَوازى مع لقاءٍ جمعَ المعاونَ السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري الوزير علي حسن خليل بمستشار الحريري نادر الحريري، وتمَّت خلاله جوجلة للأفكار، لكن لم يحصل حتى الآن أيُّ تقدّم على صعيد فكفكة العقَد.

وأشارت المعلومات إلى أنّ حقيبة «المردة» ما زالت تُمثّل العقدةَ في طريق تأليف الحكومة، وهو ما تؤكّد عليه معلومات بعبدا التى تَعتبر أنّ أحجام العقَد بسيطة جداً، وتجري حلحلتُها، في موازاة أجواء عين التينة التي توحي بأنّ الحكومة تبصِر النور في حال حُلّت عقدة «المردة».

إتّصالات لتزخيم المبادرة

وفي معلومات «الجمهورية» أنّ الرسالة التي وجّهها قبل أيام رئيس الجمهورية عبر مكتبه الإعلامي كانت محلَّ ارتياح في أوساط سياسية مختلفة، وتوقّفت عندها عين التينة بإيجابية، علماً أنّ بري لم يكن في جوِّها، إلّا أنّه في لقائه الأخير مع عون في عيد الاستقلال، طرَح عليه المبادرةَ إلى احتضان الأطراف السياسيين واللقاءَ بهم، وأن يشكّلَ نقطةً جامعة على حدّ ما ورد في خطاب القسَم.

وكشفَت مصادر واسعة الاطّلاع لـ»الجمهورية» أنّ حركة الاتّصالات بقيَت طوال عطلة نهاية الأسبوع ناشطةً على أكثر من مستوى بهدف تفعيل مبادرة عون الخاصة بإعادة التواصل مع مختلف الأطراف، ولا سيّما منهم رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية.

وقالت أوساط معنية إنّ حلفاء وأصدقاء مشترَكين قرّروا أن يلعبوا دور «وسطاء الخير» لتوفير الأجواء التي ستترجم المبادرة التي لم تكن معزولة عمّا أحاط بها ولم تأتِ من فراغ، لا بل فهي ثمرةُ اتّصالات ومساعٍ بُذِلت لتصحيح العلاقات بين حلفاء الأمس وتسهيل الطريق أمام ورشة تشكيل الحكومة.

ولفَتت المصادر إلى أنّ عون قام بما عليه، وعلى الساعين إلى الحلّ تكثيفُ الاتّصالات وتوفير المناخات والأجواء التي تَسمح بتفعيل المبادرة لتنتهيَ إلى ما رمت إليه. ودعَت إلى انتظار بعض الوقت للحُكم على الخطوة «فعمرُ الأزمة شهر تقريباً، والمبادرة لم يمضِ عليها أكثر من يومين».

إتّصالات خجولة

وذكرَت مصادر تواكب الحركة القائمة أنّ نهاية الأسبوع شهدت اتّصالات خجولة لم تحمل جديداً، لكنّ تفاهمات سابقة توحي بأنّ الأسبوع الطالع سيَشهد من اليوم حركة مشاورات واسعة لا بدّ من أن تأخذ مداها ووقتَها الضروريَين لتذليل العقبات.

الحريري وجعجع

وخرق أجواء التأليف الملبدة لقاء عقد ليلاً في «بيت الوسط» بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وأفاد بيان للمكتب الإعلامي للحريري أنّهما عرضا «التطورات السياسية الراهنة، ولا سيما الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة».

وحضر الاجتماع الذي استكمل إلى مائدة عشاء، النائب عقاب صقر ومستشار الحريري الدكتور غطاس خوري والسيدان نادر الحريري وملحم رياشي.

برّي

وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره مجدّداً أمس: «إنّنا بتنا في سباق مع الوقت في ما يتعلق بقانون الانتخاب، وبالتالي فإنّ هذا الأمر لا يواجَه بالاسترخاء، بل بالانصراف إلى إعداد قانون للانتخاب، ولا عذرَ أمام أحد في تأخير هذا الأمر، كذلك لا موجب للتذرّع بأيّ مهَل معطّلة أو ضاغطة على القانون، إذ يستطيع مجلس النواب وخلال مناقشةِ القانون الانتخابي أن يوجِد الحلّ الملائم لهذه المهَل ضمن نصّ القانون نفسِه، وبالتالي هنا يأتي دور الحكومة ورئيس مجلس النواب، والأهمّ من ذلك هو تأليف الحكومة».

وأكّد بري أنّه لن يستسلم في السعي إلى إنتاج قانون جديد للانتخابات، «فهذا هو الهدف الذي يُفترض أن يجمع الجميع، وأقول كما أكّدتُ مراراً: لا للتمديد تحت أيّ عنوان أو ظرف، ولا لقانونِ الستّين، ولا مهاودة عندي في مواجهته».

وقيل لبري: إذا خُيّرتَ بين التمديد للمجلس وقانون الستّين فماذا تختار؟ فأجاب: «كلاهما شرّ على لبنان، نخسر أو نربح لا يهمّ، المهمّ أن يبقى البلد، والتمديد وقانون الستّين لا يبقيان البلد».

وعن حديث البعض عن «استهداف الشيعة»، قال بري: «قلتُ: لا أكون ظالماً ولا أكون مظلوماً، لا أحد يستطيع أن يعزلنا، أو هو قادر على عزلنا، كما أنّ أيّ أحد لا يستطيع أن يعزل أحداً. أنا أعمل وسأعمل وأقاتل من أجل البلد».

بكركي

في هذا الوقت، تَخوَّفت بكركي من تعثّرِ تأليف الحكومة، ودعَت السياسيين إلى تسهيله. وقال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إنّ «انتخاب رئيس للجمهورية تعثّرَ سابقاً على مدى سنتين و5 أشهر، ذهبَت كلّها ضياعاً وخلّفَت في الوقت عينه نتائجَ وخيمة في الحياة السياسية والاقتصادية والمعيشية، وفي نشاط المؤسسات العامة.

واليوم، بعد شهرٍ كامل على تكليف رئيس الحكومة الجديد تأليفَ الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، بحيث تكون جامعة وقادرة وفقاً للميثاق الوطني والدستور، نخشى أن يتعثّر هذا التأليف للخلل نفسِه، ولمدّةٍ غير معروفة، على حساب المصلحة الوطنية العليا، وممارسة مهام السلطة الإجرائية، كما يقتضيها الدستور».

وناشَد الراعي الكتل السياسية والنيابية «التقيّدَ بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني، والمؤازرة في تسهيل تأليف الحكومة، واضعين أمام أعينِهم خيرَ البلاد، وقيامَ دولة المؤسسات والقانون، والصالح العام».

أمنياً

إلى ذلك، سجل تطور أمني في الضنية تمثل في اطلاق النار على مركز بقاعصفرين التابع للواء المشاة العاشر في الجيش اللبناني وأفادت المعلومات عن سقوط شهيد وجريح للجيش.