أياً تكن المبررات التي دفعت طلاب حزب الله في كلية الهندسة في مجمع رفيق الحريري في الجامعة اللبنانية في الحدت الى منع طلاب آخرين من إحياء ذكرى زميل لهم في الكلية، فإنها ممارسات ضد الآخر والتنوع في الجامعة، ولو كانت من خارج السياسة. فليس منع أغاني فيروز مثلاً أو إحياء مناسبات وحفلات، إلا للقول أن حرم الجامعة اللبنانية تحكمه ضوابط شرعية وأحكام يمنع تجاوزها، فيكون هؤلاء هم المقرر والآمر والناهي في شؤون الحرم الجامعي أو الكلية، ولماذا لا يكون الأمر كذلك في الدراسة والمناهج والامتحانات وغيرها من أمور تشهد عليها ممارسات تترجم نتيجتها بتكفير الآخر.
فأن تكن هذه الممارسات تستند الى قرار حزبي وشرعي، ذلك يعتبر مشكلة في الجامعة وخارجها وفي الأحياء التي يسيطر عليها "حزب الله" في المناطق، وإن كانت فردية أو من شغل مجموعات معينة، فتلك مشكلة أيضاً لأنها تعبر عن مناخ حزبي وصل الى مرحلة يريد فيها فرض آرائه وأحكامه الشرعية، ما يعني أنه التيار الغالب داخل الحزب. وإذا كان هؤلاء الحزبيون يمثلون الطلاب في كلية الهندسة ويشكلون مجلس الفرعالثالث، فإن صدقيتهم كممثلين للطلاب تسقط عند أي قرار يتخذوه ضد زملاء لهم، خصوصاًوأن المناسبة أو الذكرى كانت حزينة في مرور أربعين يوماً على رحيل أحد الطلاب وهو محمد حمادي، علماً أن لا وجود لمجالس طالبية منتخبة في كليات الجامعة اليوم بعد قرار وقف الانتخابات منذ عام 2008، ولا أحد يقنعنا بأن مجلس الفرع منذ ذلك الوقت لا يزال هو نفسه بعد ثماني سنوات، من دون أن يتخرج طلابه.
يكفي أن يعتبر طلاب الحزب أن إقامة مناسبات واحتفالات في أحرام الجامعة، تتضمن أغان وموسيقى، حتى لو كانت وطنية، تخالف معتقداتهم وتوجهاتهم ويجب منعها أو تقييدها وعزلها، يعني أنهم مقتنعونبأن الشرع هو الذي يحكم الجامعة وليس القانون الذي ينظم عملها ويحمي التنوع فيها، ولذا يصبح التصرف في الجامعة مثله مثل المنزل والعائلة والحي أيضاً، حيث ممارسة الشعائر الدينية وفق المعتقدات هي الأساس، فيما الشرع لا يجيز تنظيم المناسبات الموسيقية والأغاني، فهل سنشهد لاحقاً منع الإختلاط أو على الأقل الفصل بين الطالبات والطلاب مثلما حصل من محاولات في بعض القرى الجنوبية، علماً أن حادثة الهندسة ليست الوحيدة التي تضع طلاب "حزب الله" في مواجهة مع جمهور الجامعة الواسع، بل سبق ذلك سلوكيات حصلت في أكثر من كلية وفرع للجامعة اللبنانية من النبطية الى بيروت.
جاء من يقول لطلاب الحزب أننا لسنا في مجتمع إسلامي ولا في دولة إسلامية، حتى في بعض الدول الإسلامية لا يمنع الإختلاط، علماً اننا نجد في فروع كثيرة لكليات الجامعة اللبنانية أن طلاب الحزب لا يتدخلون في شؤون أحد، ولا يفرضون معتقداتهم على أي من الطلاب، فكيف يفسر مجلس فرع الهندسة وغيره من طلاب الحزب ممارساتهم في الحدت، هل يعتبرون هذا المجمع ساحتهم التي يقررون فيها، فيما هم غير قادرين على تجيير الأمور لمصلحتهم في فروع أخرى؟ وكيف لا يأخذ طلاب الحزب من اساتذة محسوبين على الحزب، وبينهم مديرون وعمداء في الجامعة يضعون الشأن الأكاديمي في المقدمة قبل ممارسة معتقداتهم؟ لذا، يبدو التصرف في كليات الحدت من جانب طلاب "حزب الله" وكأن القرار بيدهم، يحددون من خلاله ما يريدون، فيمنعون ويجيزون ويمارسون شعائرهم الدينية وممارساتهم، من دون أن يتجرأ أحد على التفوه بكلمة اعتراض أو احتجاج، علماً أننا شهدنا في سنوات سابقة محاولات لقوى إسلامية في بعض المناطق، خصوصاً في الشمال للسيطرة على قرارات الكليات، وإحداث اصطفاف في الجامعة، من دون أن تنجح، على رغم المخاوف التي سادت في تلك المرحلة.
نحن لسنا في مجتمع إسلامي، والجامعة لا يمكن أن تكون لطائفة أو لمذهب أو لتيار أو لحزب.يحكمها القانون أولاً وأخيراً. فليست المشكلة ما إذا كان حصل الطلاب، زملاء رفيقهم الراحل، على إذن لإحياء ذكرى رحيله واتفقوا مسبقاً على إقامة النشاط الذي أطلقوا خلاله بالونات في الهواء، إنما المشكلة تبقى في التفكير داخل أسوار الجامعة، حين يقرر حزب أو طرف سياسي على قواعد شرعية ودينية أن يحدد ما هو مسموح وما هو مرفوض، وإطلاق أحكام على الطلاب الآخرين، فكيف إذا كان أصحاب هذا التفكير يريدون أن تكون الإمتحانات على هواهم ووفق قناعاتهم،عندئذ لا تبقى حدود للمنع وإحكام السيطرة على الحرم بعناوين دينية.
سأل أحد الطلاب المنظمين للنشاط زميلاً له من طلاب "حزب الله" عما إذا كان قتالهم للتكفيريين يبرر ممارساتهم في الكلية ومنعهم إحياء النشاط بالأغاني. لا جواب، علماً أن قتال التكفيريين الذين يرفضون الآخر يجب أن يفتح على احترام التنوع، إلا أن الأمور تبدو من هذه الناحية ملتبسة وفق مفاهيم الشرع! لكن إذا كان طلاب الحزب يريدون تجاوز الحادثة الأخيرة، فما عليهم إلا احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤون ليست من مسؤوليتهم، لأن في الجامعة قانون كما في البلد، ولا مجال للتبرير واختلاق الأعذار!