في البداية: الطلاب الذي مَنعوا هم شيعة بطبيعة الحال، والطلاب الذين مُنِعوا معظمهم شيعة أيضاً.
وبعد، فلنسمِّ الأشياء بأسمائها وبلا مواربة.
إقرأ: طلاّب حزب الله يمنعون احياء ذكرى محمد حمادة بوجود والدته!
بعض هؤلاء الطلاب، وليس كلّهم، يقاتل في سوريا، في حلب تحديداً. هناك يَقتلون أعداَءهم، المعارضين السوريين، أصحاب الأرض (وهذا نقاش آخر؟) وبعضهم يُقتل. منهم من يعود في نعش خشبيّ، ومنهم من يعود إلى عمله أو بيته... أو إلى الجامعة، حيث يلبسون ثياباً سوداء مدنية (هل هي مدنية؟)، وبقوّة زنودهم وكثرتهم، يعطّلون قراراً لإدارة الجامعة، سمح بتنظيم عيد ميلاد محمد حمادة، الذي توفي بحاث سير على طريق الجنوب.
هل من إمكانية لـ"فصل" السلوك الحربي لطلاب حزب الله، عن السلوك المدني؟ بمعنى أوضح: هل يمكن، أو هل يبذل أحد في قيادة حزب الله مجهوداً لإقناع طلابه - المقاتلين باحترام "الآخر" حيث يحتكّون به؟ بدل "العقيدة" التي تذهب بهم إلى "قتل" هذا الآخر في سوريا، بلا نقاش أو حوار؟
لنذهب إلى كلية أخرى في الجامعة نفسها. كلية العلوم. هناك، زملاء لهؤلاء المقاتلين - الطلاب، أحيوا قبل أسابيع قليلة "كونسرت" خمينياً في كلية العلوم. كانوا ينشدون "نحن أبناء الخميني، وهتفنا بالولاءِ، لعليّ الخامنائي، سيّدي يا ابن محمدْ، هذه الأرواحُ تشهدْ، نرتدي ثوب الفداءِ، لعليّ الخامنائي...".
ما فعله أولئك الطلاب لا يخالف نظام الكلية والجامعة فقط، بل يخالف الدستور اللبناني، العقد الاجتماعي بين اللبنانيين. إذ يهتف هؤلاء بأنّهم يوالون مرشد دولة أخرى، هي إيران. رغم ذلك، ورغم اعتراض كثيرين، لم يمنعهم أحد.
مثلهم فعل مسافرون كانوا في طريقهم إلى العراق لإحياء أربعين الإمام الحسين قبل أسبوعين تقريباً. راحوا يلطمون وينوحون على الإمام الحسين في المطار، حتى كاد يتحوّل إلى مجلس عزاء، وهو مرفق عام.
هذه هي المشكلة العميقة مع حزب الله. حزب نخبته المستقبلية، طلاب الجامعة المنضوين في صفوفه، لا يتقبلون "شيعيا يسمع الأغنيات"، وأين؟ في كلية الهندسة. فكيف سيتقبلون مسيحياً يؤمن بألوهة عيسى؟ وكيف سيتقبلون سنيًّا لا يؤمن بمذهبهم الإثني عشري؟ وكيف سيتقبّلون من يرقص بفرح ومن لا يريد أن يمضي أيام عمره في الأسود؟
هل كانت رسالة إلى الشباب الشيعي: "إذهبوا وقاتلوا معنا في سوريا، الأغنيات ممنوعة"؟
لا ضرورة للتذكير بأنّ استعراض حزب الله العسكري في القصير، بعد أيام من انتخاب رئيس للجمهورية، على أرض يحتلّها الحزب خارج لبنان، وطرد أهلها منها، لا ضرورة للتذكير بأنّه لم يكن إلا ازدراءً كاملاً وإهانةً صريحةً للطبقة السياسية كلّها، وللنظام اللبناني وأسسه الدستورية، التي تعتبر لبنان "وطناً نهائياً".
حزب الله وجّه 4 رسائل في شهر واحد: إستعراض عسكري في القصير، على حدود لبنان. لطميات في المطار الوطني. إعلان الولاء للخامنئي في الجامعة اللبنانية. وأخيرا قبل يومين منع أغنيات فيروز في كلية الهندسة بالجامعة نفسها. 4 رسائل، على الحدود، في المطار، وفي الجامعة الوطنية. إذا كان الوطن أرضٌ وشعبٌ وحدودٌ، فإنّ حزب الله بعث الرسائل إلى الحدود وإلى المطار وإلى نخبة الشعب، الجامعيين: هنا لبنان، الأغنيات ممنوعة، والقتل مسموحٌ. هنا لبنان، قاتلوا في سوريا، أقتُلوا واقتَلوا، وستعيشون بحسب أوامرنا في لبنان.
إقرأ أيضاً: من إستعراض القصير إلى لطمية المطار..جنون العظمة ولوثاتها
في كل القوانين والشرائع، وفي كلّ دول العالم، الغناء مسموح، والقتل ممنوعٌ طبعا... إلا في دولة حزب الله اللبنانية، القتل مسموحٌ، والأغنيات ممنوعة.