حققت نظرية استقطاب العماد ميشال عون قبل أن يُنتخب رئيساً وبعد انتخابه نجاحاً ملحوظاً ولو من حيث الشكل.فعون رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» تجاوب مع محاولات الاستقطاب هذه بإبداء مقدار كبير من الإيجابية، تمثلت في إطلالاته الاعلامية التي سبقت الرئاسة والتي فاجأت كثيرين، علماً أنه سبق له أن قطع أشواطاً في اتفاقه مع «القوات اللبنانية»، وفي مفاوضاته مع تيار «المستقبل»، بحيث بدا وكأنه يتحرّك بهامش مفتوح وبوكالة غير قابلة للعزل من «حزب الله».
لم يعد سرّاً أنّ أحد أهداف ما قامت به «القوات اللبنانية» في هذا المجال، لم يقتصر على ترتيب اتفاق مع عون على تقاسم النفوذ مسيحياً، بل تخطى ذلك الى محاولة نيل حصة في عون ذاته، اي بمعنى آخر جذب عون الى ان يكون نصفه على الأقل خارج التحالف مع «حزب الله»، بحيث يصبح فور انتخابه رئيساً وسطياً، خارج دائرة التأثير الكامل للحزب، كما كان الحال عليه بعد توقيع وثيقة التفاهم عام 2006.
أما تيار «المستقبل»، فقد حذا بعد «القوات» الطريق نفسه، فسأل لماذا لا نكسر الحلقة المقفلة، بالتفاهم مع عون وتوقيع اتفاق مسبَق يُنتخب على أساسه، ويكون عنواناً لتوازن جديد؟
لم يعد سرّاً أيضاً أنّ كلاً من «القوات» و»المستقبل» سوّقا فكرة اقتسام عون مع «حزب الله»، لدى المملكة العربية السعودية، التي بدت في مرحلة ما قبل انتخاب الجنرال، في مرحلة ضبابية لكن تميل الى الرهان على هذا الخيار، وشكل ذلك الارضية التي أدّت الى إفراج الرئيس سعد الحريري عن موافقته على انتخاب عون، بعدما سمع شخصياً من المملكة موافقة الضوء الأخضر، وإلّا لما كان ذهب الى هذا التأييد على رغم إقتناعه بما يقوم به.
ولقد وصل مستوى التسويق لعون الرئيس في الدوائر السعودية، الى درجة أنّ المسوّقين رموا مسؤولية «تطفيش» عون من «14 آذار» في العام 2005، على الثنائي فارس سعيد وسمير فرنجية، ولم يتردد مسؤول سعودي زار بيروت بنقل هذا الكلام نقلاً عن قائليه اللبنانيين.
في السعودية تتمّ الآن دراسة كلّ الخيارات التي أعقبت انتخاب عون. الأداء الرئاسي للعهد ليس كافياً، ولكنه يصلح لأن يكون بداية شيء جيد، خصوصاً أنّ عون التزم أن تكون المملكة أوّل دولة يزورها، وذلك بعدما زار مسؤول سعودي رفيع هو الأمير خالد الفيصل بيروت أخيراً.
تنطلق السعودية من التعامل مع عون من نقطة الصفر بعدما جرى تصفير العداد. الحكم الآن على ما سيقوم به العهد، وما يفترض أن تردّ عليه السعودية إيجاباً.
الكلام يتعلّق بزيارة السعودية، التي ستكون فيها، على الأرجح، من الملفات ما يكفي لاستعادة العلاقة وعودتها الى طبيعتها، إذا استطاع عون أن يكمل ما بدأه، وأن يثبت أنه يمتلك هامش مناورة كافياً لاتخاذ قرار بمتابعة الطريق، وهي طريق ليست على ما يبدو معبّدة بالورود.
في التصورات النظرية لما يمكن أن يصيب علاقة عون بالسعودية من تطوّر، أفكار كثيرة للمساعدة اقتصادياً ومالياً، واستعداد سعودي لسلوك طريق بيروت مجدّداً، والمقترحات كثيرة، منها ما يتعلّق بعودة المواطنين السعوديين الى لبنان بمئات الآلاف، وقد أعلم السعوديون السلطات اللبنانية بالأمر طالبين التشدّد في الإجراءات الأمنية، ومنها ما يتعلّق بالإفراج عن الهبة السعودية للجيش، التي تفترض البدء لبنانياً باتخاذ إجراءات وقرارات تعزّز المؤسسة العسكرية، والملفت هنا أنّ ما يتردّد حول شروط سعودية للإفراج عن الهبة، يتصل بقضايا تعزيز الامن ومعالجة موضوع «سرايا المقاومة»، وليس مستغرَباً أن يتمّ تنظيم استعراض «الجاهلية» كردّ مسبق على ما سيُطلب من عون سعودياً، في شأن هذا الملف.
في هذا الأفق المفتوح من الاحتمالات، تعود السعودية الى بيروت، من بوابة قدرة العهد على ممارسة سياسة متوازنة، قادرة على تصحيح العلاقات اللبنانية - العربية، واستعادة لبنان من خطر الانخراط في محور اقليمي، وهذه العودة ستكون فرصة واختباراً لعون، الذي تُطرح تساؤلات حول قدرته على الابتعاد الى المنطقة الوسطى، في ظلّ القيود والخطوط الحمر والتي أدّت حتى الآن الى تعطيل تشكيل الحكومة، والتي يمكن أن تؤدّي في المرحلة المقبلة الى إرهاق العهد داخلياً، والى تكبيله بعلاقة توأمية مع إيران والنظام السوري، بالطريقة نفسها التي كان عون ملتزماً بها قبل انتخابه رئيساً.
مرحلة الاختبار لن تتعدّى الأشهر، في رأي المتابعين، ويمكن أن تنجلي بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة، وبعد حسم التطوّرات الميدانية في سوريا، لكن في المحصّلة لن تكون فترة السماح طويلة جداً، قبل أن يتموضع العهد، ويحسم خياراته الكبرى.