شقت الاتصالات الكثيفة التي تعاقبت في الكواليس السياسية في اليومين الاخيرين الطريق امام ملامح دفع جدي نحو اخراج العملية المتعثرة لتأليف الحكومة من مأزقها بعدما هدد هذا المأزق باضاءة الاشارات الحمر لكل من العهد الجديد ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري والقوى المعنية بتذليل العقبات. وشكل البيان الذي صدر بعد ظهر امس عن المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية متضمناً دعوة الجميع الى الاجتماع به في القصر الجمهوري مؤشراً واضحاً لتحرك الاتصالات والمساعي نحو ايجاد مخرج للمأزق، علماً انه بدا واضحاً ان المعني الاول بدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى "ايداع الرئيس الهواجس " هو رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية. وأوضح البيان ان رئيس الجمهورية "يؤكد حرصه على هواجس الجميع وتصميمه على معالجتها وهو لذلك يتوجه بدعوة أبوية الى أي مسؤول او سياسي للاجتماع به كي يودع هواجسه لدى فخامته المؤتمن على الدستور وعلى تحقيق عدالة التمثيل في السلطات الدستورية كما على حسن عملها وفقا لاحكام جوهر الدستور ونصه ما دامت الغاية هي المصلحة الوطنية العليا".
وأبلغت مصادر متابعة لموقف رئيس الجمهورية لـ"النهار" ان من شأن هذا البيان ان يفتح ثغرة في جدار الازمة الحكومية، وان يعبد جسور العلاقات مع كل الاطراف. وذكرت بان رئيس الجمهورية يزار ولا يزور ولذلك فهو في انتظار كل من يريد التواصل معه وابواب القصر الجمهوري مفتوحة امام الجميع من دون استثناء.
وأضافت ان رئيس الجمهورية حريص على ان تكون الحكومة جامعة وان تتمثل فيها كل القوى السياسية والا لما كان البحث مع رئيس الوزراء المكلٰف منذ اليوم الاول في حكومة وحدة وطنية.
واكدت ان الرئيس عون حريص على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، خصوصاً طعن مرتين في التمديد، وهو التزم ان تكون وفق بموجب انتخابي حديث قائم على النسبية، من أجل تأمين حسن التمثيل.
وعن الكلام عن تمديد تقني للمجلس بحجة الإعداد لقانون انتخاب جديد، رأتالمصادر ان هذا الكلام سابق لأوانه، وعلى الحكومة الجديدة ان تضع مشروع قانون الانتخاب، وعندما يتم الاتفاق عليه، تقرّر الحكومة الخطوات اللوجيستية الكفيلة بتطبيقه، مع اضافة مادة الى القانون تؤكد التزام موعد للانتخابات على اساسه.
وفي السياق نفسه كشفت مصادر معنية بتأليف الحكومة لـ"النهار" ان البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية جرى التمهيد له في الأروقة السياسية بين المعنيين وان مناخ عملية التأليف شهد في الساعات الأخيرة نشوء أجواء أكثر من ايجابية تقطعت معها رغبات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف ورئيس مجلس النواب على الدفع نحو ايجاد مخرج على قاعدة تقدم كل طرف معني في اتجاه الآخر بخطوات شجاعة. وقالت المصادر إن الصيغة المطروحة حديثا تلحظ ما وصفته بتدوير التنازلات التي تعني تدوير بعض الحقائب مشيرة الى ان "القوات اللبنانية " ابدت انفتاحا على هذا الطرح الذي في حال اعتماده سيتنازل اكثر من طرف للآخر بموجبه. ولفتت الى ان الجميع وصلوا الى طريق مسدود في ظل التخوف على انطلاقة العهد وعلى مهمة رئيس الوزراء المكلف، في حين بدأ توافد الزوار الاجانب على بيروت يشكل احراجا كبيرا للجميع. ولم تستبعد في حال المضي في المسار الايجابي الناشئ امكان انجاز التشكيلة الحكومية في غضون اسبوع أو عشرة أيام على الاكثر.
"المردة"
في غضون ذلك، قالت مصادر مطلعة على موقف "تيار المردة" لـ"النهار" إن ما صدر عن الرئيس عون "هو كلام عام موجّه الى كل اللبنانيين، كما انه موجّه الى كل من لديه هواجس فيما ليس لدى تيار المردة أية هواجس". وأضافت: "في ما يعني التيار، وإذا ما وجّه الرئيس عون دعوة مباشرة الى النائب سليمان فرنجية الى لقاء في قصر بعبدا لمناقشة كل الامور، فهو سيلبيها إنطلاقاً من إحترامه لموقع رئاسة الجمهورية".
"القوات اللبنانية"
اما مصادر "القوات اللبنانية"، فشددت عبر "النهار"على ضرورة تجاوز ما تبقى من عقد تحول دون تأليف الحكومة، وتالياً الذهاب إلى تأليف سريع يفسح في المجال للتركيز على إقرار قانون انتخاب يشكل رافعة وطنية للعهد الجديد.
وذكّرت المصادر باقتراح القانون المختلط الذي قدمه "القوات" و"المستقبل" و"الاشتراكي"، وتوقفت أمام الانسجام التام بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" من جهة، وحركة "أمل" و"حزب الله" من جهة أخرى، من حيث ضرورة إقرار قانون جديد للانتخاب، الأمر الذي يشكل قوة دفع كبيرة في هذا الاتجاه.
أضف أن قانون الانتخاب يشكل مساحة وطنية مشتركة بين معظم القوى السياسية، ما يتطلب الاستفادة من هذا المعطى والتأسيس عليه من خلال إقرار قانون جديد يؤدي إلى تعزيز هذه المساحة المشتركة وتطويرها في اتجاه جوانب أخرى تخدم مشروع الدولة في لبنان.
وأبرزت كون تأليف الحكومة معبراً إلزامياً لانطلاق الورشة الوطنية على كل المستويات وفي طليعتها قانون الانتخاب، ما يتطلب عدم استخدامه لتصفية الحسابات السياسية.
شتاينماير وجاويش أوغلو
الى ذلك، علم ان زيارة وزير الخارجية الالماني فرانك - فالتر شتاينماير لبيروت امس كانت استطلاعية ولتأكيد الدعم للبنان في تحمله عبء النازحين السوريين. وقال رئيس الجمهورية للوزير الالماني إن عدد النازحين تضاعف وقارب المليونين في المرحلة الاخيرة، مشدداً على ان الحل السياسي في سوريا يساعد على معالجة هذه الازمة.
وأعلن وزير خارجية ألمانيا ان بلاده تسعى الى الحصول على دعم ومساعدة من الدول الغربية في تحمل هذا العبء الذي توليه ألمانيا اهتماماً خاصاً. واشار الى ان الاتصالات مع الجانب الروسي تركز على وقف النار والعمل على حل سياسي في سوريا.
كذلك لم يغب ملف اللاجئين السوريين عن محادثات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع المسؤولين الكبار، لكن زيارته تميزت بتصريحات نارية ضد الرئيس السوري بشار الاسد اذ قال من وزارة الخارجية ان "أحداً لا يستطيع انكار ان بشار الاسد مسؤول عن 600 الف ضحية... ونحن نؤمن أن شخصاً مسؤولاً عن قتل ابناء شعبه لا يمكن ان يبقى في السلطة".