كانت جيدة جداً كزوجة، لكننا أصبحنا نختلف ونتشاجر على أبسط الأمور بعد 10 سنوات من زواجنا، فاتّخذنا قراراً بالطلاق، إلّا أنّني لو تكلّمتُ عنها بطريقة إيجابية أمام الأولاد، سوف يتركونني ليعيشوا معها، وسيظنّون بأنها أفضل مني، وبأنّي أب سيّئ.«الطلاق»، صرخة مدوية، صامتة أصابها الشعور بالعجز والفشل والنقص، وألف عاهة وعاهة. في مجتمع يهدف للبناء والنموّ والإستمرارية على صعيد العلاقات الزوجية، مجتمع مصاب برفض الحقائق، نكران وجودها، في حال عدم تماشيها مع توجهاته وميوله، غالباً ما يرتبط الناس، زواجاً، بهدف البقاء سوياً، إلى الأبد، على السراء والضراء. ولكن، ماذا لو حصل غير المُتوقع؟ ماذا لو حال بين الزوجين عائق؟ ماذا لو لم يتمكّنا من متابعة المسيرة الأبدية؟
نعيش في مجتمع يربّي أبناءه على أبدية الزواج وإيجابياته، لا بل جميعنا يحلم بها، مراسم، إحتفالات، دعوات وأفراح عامرة. في طقوس الإقتران يشارك الجميع، إحتفاءً، رقصاً، تهنئةً وهدايا. وبعدها، يحمل الضيوف وجوهَهم الفرِحة ويرحلون.
لكن! مهلاً! لسنا نشهد فقط على اختتام عزوبية سوف نشتاق لها، لأنها لن تعود أبداً، لكننا نشهد الأهم، بداية رحلة الزواج. بدايةً تُحضّرنا لها دورات تدريبية خاصة للعريسين، في كيفية فهم الآخر، الصدق، الوفاء، الإحترام، التضحية، النظافة الشخصية، الحياة الجنسية والإنجاب. وعند هذه المحطة تكمن الحكاية. ماذا لو لم يتمكّن الزوجان من متابعة العيش معاً، بعد قدوم الضيف المنشود، الطفل؟
رفض المجتمع
«عدم التمكّن من الاستمرار بالعيش معاً» لزوجين، هو احتمال مرفوض وغير مرغوب به إطلاقاً، على أساسه تبدأ النصائح والوصفات، كالتحمّل، غضّ النظر عن سيّئات الآخر، السكوت والتستّر على الأخطاء الفادحة في الحياة المشتركة، والكذب والغش، حيث قد تصل التوجيهات باستمرار الزوجين بالعيش معاً «عا عيون الناس، وكلّ واحد يفتح عا حسابو، كرمال الولاد والجرصة».
لكن أحياناً، لا تُجدي كلّ تلك النصائح نفعاً، فتنقطع أواصر الودّ والوئام، دون مصالح مشتركة ومساومة، ما يجعل من الزواج اتفاقية بين عدوَّين، وناراً تحت الرماد. يتخذ حينذاك الزوجان قراراً بإنهاء الزواج، فراق لم يتوقّعاه وهما يتحضّران للزواج في الماضي، الزواج الذي ما توقّعا له يوماً إلّا الخاتمة السعيدة معاً.
نكران الحقائق وتزويرها لا يغيّران بالموضوع شيئاً، ويظهر ذلك من خلال ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع اللبناني ككلّ، لدرجة لا يمكننا معها تجاهل المستقبل المحتمل للزيجات الحالية.
إذاً لماذا نكتفي بتحضير أزواج المستقبل لحياة زوجية، وردية، دون أن نلحظ احتمال الفشل في ذلك الزواج؟ ونحن برأينا لا نشجع على التفكّك الأُسري، إلّا أنه لا بدّ من الإعتراف بالحقائق والوقائع، فنكران الوقائع لا يلغي وجودها.
ما نحتاجه اليوم هو خريطة طريق، لمستقبل الزوجين المنفصلين، المطلّقين، تساعد مَن فشل في الإستمرار بالحياة الزوجية.
ليس عاراً إقفال أحد الفصول في الحياة، للبدء بآخر، والإنفصال والطلاق بحاجة لبناء أيضاً، لمراسم وطقوس. يحتاج الزوجان في هذه المرحلة للمشاركة، للتفهّم والدعم. هما بحاجة للقبول بالأمر الواقع، لدفن ذلك الزواج المائت، تقبّل موته، وعيش مرحلة الحزن عليه، والنهوض من جديد، لمتابعة الحياة اليومية بنجاح، بعد الفقد. يحتاج الزوجان إذاً للمعزّين في هذا الوضع للتخفيف من آلامهما وعذابهما والفراق، فراق الزواج.
أبوان إلى الأبد
يموت الزواج أحياناً، إلّا أن ما نتج عنه مِن ثمار الحبّ والود، لا يجب أن يموت. وبالتالي، ولو فُقدت العلاقة الزوجية، فلتعش العلاقة الأبوية. ليرحم الله العلاقة الثنائية للزوجين، ولتعش العلاقة الوالدية بين الأب والأم، رأفةً بالأبناء الذين يُطحنون وسط تصارع الآباء، متأملين، حالمين بعودةٍ تلمّ الشمل، يوماً.
لا بد أنكم كأهل لا تودون دفن أفراح وآمال أبنائكم وبناتكم في كفن علاقتكما الزوجية. فنعم لدفن تلك العلاقة التي فقدت الحياة، وبدأت روائح الموت تفوح منها، نعم لممارسة طقوس الحزن والفراق لتصل إلى قمّتها، لكن حذار من وأد أمل الأبناء واستقرارهم كذبيحة.
بحضارة إفترِقوا كأزواج، وبمحبة وعطاء وسموّ إتّحدوا كوالدين. أعطوا السلام لأولادكم، وأبعدوا عنهم شبح القلق والضياع والإضطرابات النفسية والصحية. فالطفل يحتاج أن يكون على مسافة واحدة من والديه، لا يمكنه أن يتخلّى عن وجود أحدهما في حياته، حتّى لو افترقا كزوجين.
ما لا يحتمله الأبناء هو تشويه والديهما أحدهما للآخر، توجيه الإتهامات لبعضهما البعض على مرأى منهم، تجريح وإهانة وظلم الأحب الى قلبهم، مداورة.
لنتخلّ عن استمالة أطفالنا وإقناعهم بأنّ الشريك الآخر هو الشخص السيّئ، المخطئ، فليس ذلك على لائحة اهتماماتهم. أبعدوا أطفالكم عن الصراعات والمشاعر السلبية، واعترفوا بحسنات الشريك المتروك وإيجابياته.
إذا كان لا حول ولا قوة من استمرار الحياة الزوجية، والطريق الوحيد هو الطلاق، فإلى الأمام سيراً. نظّفوا ما تبقى من علاقات انتهت، وإكرام الميت دفنه، والحياة تستمر، بعد مراسم العزاء، إحتراماً لماضٍ كان جميلاً، وتجربة سعيدة في حينها.
ما يجمع الآباء والأمهات المطلّقين هو مسؤولية تأمين الإستقرار النفسي والجسدي لأولادهم، بعيداً من الأنانية والسطحية. صحيح أنهم متزوجون سابقاً، إلّا أنهم أمهات وآباء إلى الأبد، حتى بعد موت الأبناء، لا سمح الله.