في تاريخ تأليف الحكومات، أنَّ أحد أركان الحزب الديمقراطي الأميركي دَخَل يوماً على الرئيس كلفن كولدج معترضاً على تعيين وزير يعرفه الجميع بأنه أحمق، والبلاد في حاجة الى النجياء، فأجابه الرئيس كولدج: قد يكون الأمر كذلك، ولكن لا تنسى أنّ في هذه البلاد جماعات كبيرة العدد من الحمقى وأنَّ من حقِّ هذه الجماعات أن تتمثّل أيضاً في الحكومة.
الجماعات الكبيرة العدد عندنا من التافهين والحمقى، يجب أن تتمثل كلها في الحكومة، وأن تتقاتل على الوزارات كالذئاب الكاسرة على الفريسة، فيما الوطن ينزف والدولة تتفكك والشعب يتمزّق والشباب هائم في غياهب الدنيا يفتِّش عن وطن.
لا... ليس هناك أزمة نظام في لبنان، بل أزمة أخلاق وأزمة مسؤولية وأزمة إنكفاء عن الدولة الى دويلات مذهبية منكمشة وانفتاحٍ على دولٍ خارجية حتى التبعيّة... إنها في اختصار أزمة ولاء وطني، وصناعة أسماء مغمورة لتحويلها الى زعامات تناصر اللاّوطني على الوطني.
هذه العبارة التي إسمها «الولاء» هي تعريف مناقض للوطنية... في المواطنية الحقيقية والحقوقية لا تحتاج كلمة مواطن الى نعوت لتأكيد الولاء للوطن وعندما يُحكى عن ولاء المواطن لوطنه فهذا شكٌّ بوطنيته لأن عدم الولاء مرادف للخيانة العظمى.
كلمة «ولاء» كانت تستعمل في الأنظمة الإقطاعية حيث كان الرعايا يدينون بالولاء للإقطاعي لقاء تأمين الحماية المعيشية والأمنية لهم.
عندنا... لا تزال عبارة الولاء الوطني مطروحة بإلحاح، وهي أصل البلاء في كل ما تتعرض له البلاد من اهتزازات كيانية وأمنية ودستورية وأزمات حكم.
لعلَّ تأليف الحكومة يدخل أيضاً ضمن هذا العنوان الكبير، فإذا الصراع على الوزارات لا يقتصر على تقدير حجم الوزير قياساً على حجم الوزارة، بل يهدف أيضاً الى منافسةٍ في ترجيح نفوذ المحور الخارجي الذي ينتسب إليه الوزير.
لا قيمة للوزارات التي يصنَّفونها سيادية حيال الذين يقفون عبيداً على أبوابها.
الوزراء الأسياد هم الذين يجعلون من الوزارات سيادية، والوزراء العبيد تهبط معهم الوزارة الى مستوى الرقّ.
إنه امتحان الوزراء بالوزارات المشبوهة، والإصرار على السمين منها، هو إتِّهامٌ وإخبار لنيابة الشعب العامة قبل نيابة البرلمان.
مع كل عهد وزمان تتساءل الأجيال الطالعة ما إذا كان الأوان قد حان لأن يكون في لبنان دولة وحكومة ومواطنية على غرار ما هو في كل أرض تولَّد منها كيانُ وطن؟ وأن يكون عندنا حكومة تحكم ومعارضة تعارض، بدل أن تكون الحكومة والمعارضة فئتين: فئة حكمتْ فأفسدَتْ وفئة تُفسد لتحكم...
وهل آن الأوان ليكون عندنا الوزير حاكماً لا مرتهناً ولا مراهناً ولا تاجر صفقات ولا أحمق، على ما قاله الشاعر إيليا أبو ماضي ذات يوم:
وحكومةٍ ما أنْ تزحزحَ أَحمقاً عن «ظهْرها»حتى تولِّي أحمقاً