حتى جاءت ساعة الفرج، ودبّت "النخوة" اللبنانية فوصل إلى بعبدا الرئيس ميشال عون. وهل في لبنان "أقوى" من الجنرال، الذي وقف في وجه الوجود السوري عسكرياً (عندما كان احتلالاً) ، وعاد من منفاه الذي استمرّ أكثر من خمسة عشر عاماً ليكتسح المقاعد النيابية في جبل لبنان، ويُكرّس زعامة مسيحية وازنة، ويتزعم تيار سياسي سرعان ما أصبح تنظيماً سياسياً يُحسب له كلّ حساب في موازين السياسة اللبنانية.
أولاً: الكرنفال الاحتفالي
بوصول الجنرال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى، عمّت الأفراح معظم المناطق اللبنانية، وأقيمت احتفالات النصر، وشاعت أجواء الانفراج مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الشعبية، وأُتبعت هذه الاحتفالات بفتح أبواب قصر بعبدا أمام المواطنين الذين توافدوا إليه بعد أن تحوّل إلى بيت الشعب، ورفعت لافتات "الرئيس صُنع في لبنان" وأجمعت التعليقات والتصريحات على أنّ ابن الشعب الذي ثار قبل خمسة وعشرين سنة، واضطر إلى ترك القصر فراراً، يعود إليه اليوم مُكلّلاً بغار "الشرعية".
ثانياً: الرئيس القوي بين فكّي الأسد
اليوم، الرئيس القوي مُحاصر، وعنقه "مُطوّقة" بتحالفات ما قبل الانتخاب "المُذلّة"، والتي عقدها للوصول إلى كرسي الرئاسة، وهاهي ولادة الحكومة الأولى تتعسّر، ولعلّ أبرز "عُقد" تأليفها هي محاولات النيل من قوة واستقلالية هذا الرئيس، فحسابات حزب الله قبل الانتخاب ليست مطابقة لحسابات الرئيس بعد استلامه الكرسي، وتضارب الأهداف والمصالح بين الحزب والقوات لم تتأخر في الظهور، وهي على تصاعد يوما بعد يوم، أمّا "سلّة" الرئيس بري التي دعا للاتفاق عليها قبل الانتخاب، وتذاكى البعض بتجاوزها، تعود اليوم مُشرّعةً على كل احتمالات تفجير انطلاقٍ هادئ وسريع لمسيرة الرئيس القوي، والذي يبدو أنّه لا يملك ما يكفيه من أوراق القوة لحسم الأمور المستعصية، وإذا استمرّ الحالُ على هذا المنوال، وتأتي الفكرة، بعد زوال "السّكرة" ،فقد يقع (لا سمح الله) ما ليس بالحسبان، فيضطر الرئيس القوي للفرار مرة أخرى من "جحيم" قصر بعبدا، وهذه المرة إلى منزله الهادئ الوادع في الرابية، ليُصار بعد ذلك للبحث عن رئيس "يُصنع" في الدول الإقليمية الفاعلة والنافذة، و"يُصدّق" عليه في الدول "الإمبريالية" شرقاً وغرباً.