قد لا يشكل مرور الشهر الاول اليوم من عهد الرئيس العماد ميشال عون مهلة "قاتلة" لجهة مسار تأليف الحكومات التي طبع اللبنانيون في العقد الأخير على ترقب استهلاكها شهوراً. ومع ذلك يصعب تجاهل الثقل المعنوي والسياسي الذي يرخيه التأخير الحاصل في عملية تأليف أولى حكومات العهد وخصوصاً في ظل تصاعد دلالات سلبية من "متاريس" الاشتباك السياسي الذي يحاصر تأليف الحكومة العتيدة. بدا واضحا من خلال انكفاء رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في اليومين الأخيرين عن الانخراط في بعض جوانب هذا الاشتباك وانصرافه الى الاتصالات البعيدة من الأضواء ان ما ارتسم خلف أكمة الاعتراضات والاعتراضات المضادة قد بلغ حدوداً تجاوزت طبيعة الخلافات على بعض الحصص والحقائب بما صار يوجب مراجعة واسعة لبعض جوانب العلاقات المتوترة بين فريق العهد والثنائي "أمل " و"حزب الله " سواء بسبب مشروع التركيبة الحكومية أو بسبب عوامل أخرى باتت معروفة.
بيد ان بعض الاوساط المعنية بالمأزق قال أمس لـ"النهار" إنه على رغم الجمود الطارئ على الاتصالات والمفاوضات المتصلة بتذليل العقد الوزارية وكذلك بتبديد الغيوم السياسية الكثيفة التي تظلل مجمل المشهد، لا يبدو ان ثمة عودة الى الوراء في ما يتعلق بتغيير القواعد الاساسية التي اتبعت في وضع التركيبة الحكومية بما يعني استبعاد كل ما يتردد عن اتجاهات أو اقتراحات لتشكيل حكومة تكنوقراط او الاتجاه مجدداً الى تشكيلة من 30 وزيراً بدل 24. اذ تلفت الاوساط الى ان طبيعة الخلاف على ما تبقى من عقد تبقي المشكلة مبدئياً في اطار صراع ضمني على التوازنات السياسية داخل الحكومة ولم ينشأ هذا المأزق أساساً بفعل أي عامل طائفي الا عندما بدأ الاعتراض على تأثير التحالف العوني – القواتي على الحصة "القواتية " يجنح في اتجاه وضع الثنائي الشيعي في مواجهة الثنائي المسيحي. ومع ان أياً "من المعنيين بالخلاف لا يتعامل، بحسب هذه الاوساط، مع المشكلة من منطلقات طائفية بل من منطلقات التوزانات التي يراها كل من الفريقين برؤية مناقضة للآخر، فان ذلك لا يقلل حساسية المأزق الذي بات ينذر بتآكل الوقت الى حد تصاعد التحذيرات من اتجاهات مختلفة من ان التمادي فيه سيجعل سيف قانون الـ60 الانتخابي خطرا ماثلاً فوق الجميع وبمثابة فرض أمر واقع لا مفر منه.

 

صدمات المشنوق
ولم تكن التوجهات والمواقف التي أعلنها أمس المعني الاول بالاستعدادات لملف الانتخابات النيابية وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق من آفاق القانون الانتخابي سوى دليل على ان استنزاف المهل والوقت لن يترك مجالاً الا لبقاء قانون الـ60 الذي سيغدو صعباً للغاية احلال قانون بديل منه كلما تأخر تأليف الحكومة وكلما تعمقت الخلافات المعتملة في مطالع العهد الجديد. اذ ان الوزير المشنوق كشف صراحة ومن دون قفازات في مؤتمر "الاطار القانوني للانتخابات البرلمانية " وعلى مسامع حضور ديبلوماسي دولي وغربي الكثير من مستور الخلافات التي تنذر ببقاء قانون الـ60، وقال إنه "ليس متفائلاً بقدرة القوى السياسية على التفاهم على قانون انتخاب جديد خلال شهر أو شهرين فما عجزت عنه هذه القوى خلال اعوام لن تستطيع الوصول اليه خلال شهرين". واذ ذهب أبعد في المكاشفة بتأكيده ان "قانون الستين مرفوض من كل الناس علنا وربما مرغوب فيه سراً عند الكثير من القوى السياسية"، أكد ان وزارة الداخلية "جاهزة لاجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين".

 

الحكومة
اما في ملف تأليف الحكومة، فعلمت "النهار" ان الجهود المبذولة حالياً لتذليل العقبات تتركز على موضوع الحقيبة التي ستسند الى "تيار المردة" والتي ستكون على الارجح وزارة التربية. ولفتت مصادر معنية الى ان الطرفيّن الوحيديّن اللذين أنجزا المطلوب منهما وأصبحا خارج المناقشات هما "القوات اللبنانية" و"اللقاء الديموقراطي". ورأت ان ما يُقال عما يسمى عقدة وزارة الاشغال عالقة بين حركة "أمل" و"القوات" لا أساس له. إذ أن هناك إتفاقا مع الرئيس الحريري وبالتفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري يقضي بتعويض تنازل "القوات" عن مطلبها حقيبة سيادية مساهمة منها في تعزيز الشركة مع العهد وتسهيلا لإنطلاقته بحقائب الاشغال والشؤون الاجتماعية والاعلام إضافة الى منصب نائب رئيس الوزراء. وقد بادر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الى تزويد الرئيس الحريري الاسماء لهذه الحقائب كما فعل النائب وليد جنبلاط الامر نفسه بالنسبة الى الحقائب التي ستكون من حصة "اللقاء الديموقراطي".
في غضون ذلك، اعتبر الرئيس بري أمس انه قدم كل التسهيلات لتأليف الحكومة "والعقدة ليست عنده بل في مكان آخر". وما لم يفصح عنه بري صراحة أوضحه عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب ايوب حميد اذ قال إن " التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية هما اساس المشكلة ولن نقبل بتحجيم النائب سليمان فرنجية".

رد "القوات"
وفي المقابل، استغربت مصادر "القوات اللبنانية" عبر "النهار"الكلام عن أن العقدة الحكومية تكمن في الاتفاق بين "القوات" و"التيار الوطني الحر"، فيما الوقائع السياسية التي ظهرت في الأيام الأخيرة أظهرت ان العقدة الفعلية من طبيعة وطنية لا حكومية وهي تتصل بمحاولات لتقييد العهد في ثلاثة جوانب أساسية: سعيه الى تطبيق الدستور، وتحالفاته الداخلية وعلاقاته الخارجية.
وقالت المصادر إن أكثر ما يدحض الكلام عن ان العقدة لدى "القوات" و"التيار الوطني الحر" يكمن بتنازل "القوات" عن حقها الطبيعي والبديهي بحقيبة سيادية من أجل تسهيل انطلاقة العهد وتسريعها، فيما المشكلة الأساس تكمن في مكان آخر هو السعي الدؤوب الى فك التحالف بين و"القوات". "التيار الوطني الحر"
وتمنت المصادر لو أن تلك الجهود تتركز على بناء الدولة وتعزيز الشركة الوطنية وترسيخ الاستقرار بدل سياسة فرق تسد القديمة - الجديدة والتي كان يتبعها عهد الوصاية الذي فقد صوابه على أثر مصالحة الجبل، "لكننا نرغب بتذكير البعض بأن عهد الوصاية انتهى واننا في سنة 2016 لا في 2001 وفي مطلع عهد وطني جديد".