بينما يستمر «عض الأصابع» بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة، يتفرغ الجيش لـ «بتر أصابع» الإرهاب استنادا الى أجندة أمنية ـ عسكرية، لا تتأثر باي تشويش سياسي ولا يعنيها الصراع المحموم في هذه الايام على السلطة.
وفي هذا السياق، نفذت استخبارات الجيش أمس عملية دهم في بلدة مجدل عنجر، أفضت الى توقيف المدعو عمر ح.خ. المتهم بتأمين متفجرات وأسلحة لمصلحة شقيقه الذي ينشط في «كتائب عبد الله عزام».
وقد اكتسبت هذه العملية أهميتها من أمرين:
الأول، ضبط صاروخ مضادّ للطائرات من ضمن كمية من المتفجرات والقنابل عُثر عليها في تخشيبة تحت الارض ملاصقة لمنزل عمر. والثاني، أن الموقوف شقيق إرهابي خطير ومسؤول في «كتائب عبدالله عزام»، يدعى رضوان. ح.خ. الفار من العدالة والذي غالبا ما يتنقل بين سوريا وتركيا، وهو يتحمل المسؤولية عن التفجيرين الارهابيين اللذين استهدفا في السابق منطقتي ضهر البيدر والطيونة.
وتمت عملية المداهمة بعد رصد دقيق ومتابعة حثيثة للهدف، قادا الى التثبت من تورطه في أنشطة مشبوهة، بناء على معلومات وصلت الى استخبارات الجيش.
وأبلغت مصادر عسكرية «السفير» أن الصاروخ الذي تم ضبطه يبلغ مداه 6 كيلومترات، ووزنه 16 كلغ، وطوله متر ونصف المتر، وقطره 70 سم، ويمكنه ان يصيب أهدافا يصل ارتفاعها الى قرابة 4000 متر، وهو من نوع fn-6 صيني المنشأ، لا يحتاج الى منصة إطلاق، وبالتالي فإن خطورته تكمن في كونه يُطلق عن الكتف في الاتجاه المحدد.
وهذا الصاروخ قادرعلى اعتراض الطائرات والحوامات التي تقلّ سرعتها عن 440 مترا في الثانية، يعتمد على تتبع الأشعة ما تحت الحمراء التي يصدرها محرك الطائرة، ويتميز بقدرات تقنية مضادة للتشويش ولأشراك الأشعة ما تحت الحمراء، الخداعية.
ورجحت المصادر، في سياق الاستنتاجات الأولية، أن يكون اقتناء هذا الصاروخ مندرجا في إطار محاولة محتملة لاستهداف المروحيات التابعة للجيش اللبناني، أثناء تحليقها فوق البقاع لتنفيذ المهام الموكلة اليها في مواجهة الإرهابيين المنتشرين في الجرود.
وأوضحت المصادر أن هذا النوع من الصواريخ موجود بحوزة بعض المجموعات المسلحة في سوريا، حيث تم استخدامه في الحرب، مشيرة الى أن التحقيق مع عمر خ. سيركز على معرفة كيفية وصول الصاروخ اليه، ومن هرّبه، وهل يوجد غيره، وما الغاية من جلبه الى مجدل عنجر.

أمون.. صامت

إلى ذلك، أوضحت المصادر العسكرية أن المحققين حاولوا مجددا أمس المباشرة في التحقيق مع الإرهابي المصاب أحمد يوسف أمون، الذي اعتقله الجيش خلال العملية الخاطفة في وادي الأرانب في جرود عرسال، لكن تبين لهم أن وضعه الصحي لا يزال يحول دون إخضاعه للاستجواب.
وأشارت المصادر الى أن استخبارات الجيش ستنتظر حتى يبدأ أمون بالتماثل للشفاء للمباشرة في استجوابه، وفق القواعد المتبعة في مثل هذه الحال، وذلك بغية تأمين الظروف الملائمة لاستخراج الاعترافات الضرورية منه.
وأكدت المصادر أن هناك قرارا متخذا على أعلى المستويات في قيادة الجيش بتفعيل عمل مديرية الاستخبارات على كل الصعد، في إطار الحرب الاستباقية على الارهاب، مشيرة الى أن كل طاقات المديرية وخبراتها يجري استثمارها حاليا حتى الحد الأقصى، ما انعكس مزيدا من الإنجازات والنجاحات المتمثلة في عمليات أمنية معقدة واحترافية أفضت الى توقيف عدد كبير من الرموز الإرهابية خلال الاشهر العشرة الماضية.

عين الحلوة

وماذا عن الوضع في مخيم عين الحلوة بعد الضجة التي أثيرت حول «جدار العزل» الذي كان يبنيه الجيش على أطراف المخيم وفق توصيف الفصائل الفلسطينية، او «سور الحماية» وفق التسمية التي تصر عليها المؤسسة العسكرية؟
قرر الجيش تجميد العمل مؤقتا على الأرض، من أجل إعطاء الفصائل فرصة مدتها قرابة 15 يوما، لتقدم بديلا مقنعا ومجديا من الجدار او السور، وبعد ذلك يبنى على الشيء مقتضاه تبعا للجواب الذي ستتبلغه المؤسسة العسكرية.
وحتى ذلك الحين، أكدت المصادر العسكرية لـ «السفير» أن الجيش تعرض لحملة ظالمة، مشيرة الى أن الفصائل كانت موافقة على عمله وهي قدمت ملاحظات واقتراحات جرى الأخذ بها، ثم بدلت موقفها بعد الصخب الإعلامي الذي حصل.
وشددت المصادر على أنه ليس صحيحا أن الجيش كان يبني جدار فصل يرمي الى تطويق مخيم عين الحلوة وعزله، بل إن المسألة تتعلق بسور مكوّن من مكعبات اسمنتية، ويمتد في البساتين والمناطق غير المأهولة التي تُستخدم لتهريب الارهابيين والسلاح، من وإلى المخيم، كما تثبت الأنفاق التي تم اكتشافها.
وأكدت المصادر أن المخيم ومحيطه يشكلان أرضا لبنانية، وبالتالي فإن من واجب الجيش حماية السيادة والامن على هذه الرقعة من الأرض، وهذا من شأنه أن يحمي الفلسطينيين واللبنانيين، على حد سواء.
ولفتت المصادر الانتباه الى أن عددا من الرموز الارهابية والمتطرفة التي تشكل خطرا كبيرا على الأمن، ويشكوها أبناء «عين الحلوة» كما الجيش، تغلغلت في المخيم تباعا، ومن بينهم بلال بدر وأسامة الشهابي وجمال الرميض فارس وهلال هلال وهيثم الشعبي وصالح ويحيى ابو السعيد، مشيرة الى أن هؤلاء وغيرهم هم من المطلوبين للعدالة، «والجيش يملك حرية التصرف والحركة للوصول اليهم، كلما وجد اللحظة مناسبة للانقضاض على أحدهم».
واعتبرت المصادر أن تجربة اعتقال عماد ياسين واقتياده من قلب المخيم الى وزارة الدفاع يمكن أن تتكرر في أي وقت، «وعلى كل ارهابي يمثل تهديدا للاستقرار ويختبئ في عين الحلوة أن يعلم أنه سيجلس في لحظة ما الى جانب ياسين في السجن».
وشددت المصادر العسكرية على أن الجيش متضامن مع الشعب الفلسطيني المظلوم ومتعاطف مع قضيته العادلة، «وبالتالي فإن المشكلة الحقيقية والجوهرية ليست بينه وبين المخيم الذي يجب أن يبقى رمزا للقضية، وإنما تكمن في وجود بعض الارهابيين الذين يتم احتضانهم في بؤر معينة»، مشيرة الى أن الجيش يتمنى لا فقط الاستغناء عن السور بل إزالة حواجزه المنتشرة على مداخل المخيم ايضا، «لكن الواقع الحالي لا يسمح بأي تهاون او استرخاء».
واعتبرت المصادر العسكرية أن الفصائل معنية بمساعدة الجيش الذي أبلغها بوضوح موقفه الحازم الرافض لأي عبث بالوضع الأمني انطلاقا من المخيم، «وهو ينتظر منها التفهم والتجاوب لحماية «عين الحلوة» والعمق اللبناني من أي مخاطر، وصولا الى المحافظة على حسن الجوار».